وسط تصاعد خطير للانتهاكات الحقوقية تواصلت انتهاكات السلطات الحاكمة في مصر بحق المصريين بصورة مهينة، والتي تنوعت أشكالها بين الإخفاء القسري والتعذيب والقتل خارج إطار القانون، وتوقيع أحكام قضائية قاسية بحق معاقين أقرت النيابة بإعاقتهم، فضلا عن إقرار الحكومة المصرية قانونا يتيح تجاوز سماع الشهود. ويقضي التعديل بإلغاء وجوب سماع الشهود في القضايا الجنائية، بحيث يصبح من حق القاضي التجاوز عن سماع الشهود، سواء شهود الإثبات الذين تقدمهم النيابة أو شهود النفي الذين يقدمهم دفاع المتهمين، تاركا الحرية للقاضي في طلب الاستماع للشهود، والاكتفاء بالأدلة التي تقدمها النيابة. وشملت التعديلات المادتين 277 و289 من قانون الإجراءات الجنائية المصري بحيث يكون الأمر كله في استدعاء الشهود أو سماعهم في يد المحكمة، دون معقب عليها، ذلك أنها هي التي تطبق مبدأ المحاكمة العادلة، وبالتالي فإنه يحق للقاضي التغاضي عن سماع الشهود، والحكم طبقا لما يراه. ووصف قانونيون وحقوقيون هذا التعديل بأنه يهدر أبسط قواعد المحاكمة العادلة، ويغل أيدي المحاكم في الدرجة الأعلى، وحق المدانين في الطعن عليه باعتبار أن عدم سماع الشهود يصبح قانونيا وفقا لهذا التعدي، كما أنه انتهاك للحريات، وتعدٍ أيضا على حق المحامين في الاستعانة بشهادات الشهود، لأنها قد تغيّر مصائر متهمين. وحذّروا من أن هذه التعديلات ستسمح بالتلاعب في القوانين المدنية، فيحق للخصم أو المتهم الطعن في الأخذ بأقوال الشهود عندما يكونون سببا في إدانته، وبالتالي فإن الشاهد يصبح أداة نفي وإثبات في الوقت ذاته، مؤكدين أن هذا التعديل وراءه أهداف سياسية، وأن شهادة الشهود تعدل في أهميتها تحريات المباحث عن القضية. وقال ناشطون إن القانون الجديد يُضاف إلى ترسانة من القوانين الممعنة في إهدار الحريات، وحقوق المواطنين، مثل تنظيم التظاهر، والضبطية القضائية، وتمديد فترات الحبس الاحتياطي، وترحيل المتهمين الأجانب، وغيرها من القوانين التي تخالف مواد الدستور المصري، في غياب الرقابة البرلمانية والقضائية. وعلق الرئيس بمحكمة استئناف القاهرة المستشار فؤاد راشد بالقول إنه لا يمكن فهم التعديل التشريعي بعيدا عن السياق العام الجاري، وهو إفلاس السياسة، ورهانات الحلول الأمنية، والبطش بكل الطرق. وأضاف أن هذا السياق السيئ تجلى في إحالة المدنيين إلى القضاء العسكري وهو ليس قاضيهم الأصيل المنصوص عليه في الدستور، وفي تحويل الحبس الاحتياطي إلى عقوبة، ومن هنا فإنه يمكن فهم الانتقاص الجاري لحقوق المتهمين. وسخر راشد -عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (فيسبوك)- من التعديل مقترحا إلغاء المحاكم الجنائية توفيرا للمال، وبعد هذا فلتتصرف الحكومة في المصريين كما تشاء إلى أن يقضي الله أمرا كان مفعولا. وقال رئيس التقرير العربي للتنمية البشرية الدكتور نادر فرجاني: هذه الحكومة غير المنتخبة اختطفت سلطة التشريع التي لا يملكها إلا الشعب، ولو من خلال نوابه المنتخبين في انتخابات حرة ونزيهة. وتابع فرجاني -عبر صفحته علي موقع (فيسبوك)- بأن (الحكم العسكري الآن يريد أن يخل بأساسيات عملية إقامة العدل ذاتها)، مضيفا أن (هذا الحكم الظالم والغاشم يستدعي طوفانا غاضبا لن يبقي، ولا يذر، وسيلاقيه)، على حد قوله. القانون في خدمة العسكر وفي سياق ذي صلة، دان عدد من النشطاء والحقوقيين مشروع قانون (إلغاء سماع الشهود) الذي أصدرته الحكومة المصرية، الأربعاء الماضي، لكونه (يهدر أهم شروط وقواعد المحاكمة العادلة، ويغل أيدي المحاكم في الدرجة الأعلى، ويمنع حق المدانين في الطعن عليه). ويتيح القانون الجديد للقاضي تجاوز سماع الشهود، سواء شهود الإثبات الذين تقدمهم النيابة، أو شهود النفي الذين يقدمهم دفاع المتهمين. واعتبر مراقبون القانون استكمالا لترسانة القوانين المكبِّلة للحقوق والحريات، مثل قانون التظاهر، والضبطية القضائية، وتمديد فترات الحبس الاحتياطي، وقانون ترحيل المتهمين الأجانب وغيرها، محذرين من أن مثل هذه القوانين تزيد العنف، نتيجة لعدم ثقة المواطنين بأحكام القضاء. كما انتقدت الشبكة العربية لمعلومات حقوق الإنسان، قرارات الحكومة المصرية التي اعتبرتها معادية للحقوق والحريات الأساسية للمواطنين، مشيرة إلى أن هذا القانون يسمح للقاضي بالتغاضي عن سماع الشهود والحكم طبقًا لما يراه. من جانبه، وصف عضو المجلس القومي لحقوق الإنسان، ناصر أمين، القانون ب(الخطير)، مناشدًا السيسي- في تصريحات إعلامية- عدم التصديق عليه؛ لأنه يقتل العدالة في مصر ويشل يد محكمة النقض المصرية عن مراقبة الأحكام القضائية الخاطئة التي قد تصدر من أي قاضٍ في مصر. وكان مجلس الوزراء المصري قد وافق، الأربعاء الماضي، على مشروع قانون بتعديل بعض أحكام قانون الإجراءات الجنائية المتعلقة بسماع الشهود، مع إحالته إلى مجلس الدولة للمراجعة، وهي المواد التي كان تجاوزها أو مخالفتها سببًا في الطعن أمام الدرجة الأعلى أو أمام محكمة النقض.