كتاب جديد للمؤلف الإسباني لويس بورتيو باسكوال يبرز فيه حق الشعب الصحراوي في تقرير المصير    جمعية الكونفدراليات الإفريقية للرياضات الأولمبية، هيئة في خدمة النخبة الرياضية الإفريقية    رئيس الجمهورية يهنئ حدادي بمناسبة تنصيبها ومباشرة مهامها كنائب رئيس مفوضية الاتحاد الإفريقي    الجزائر العاصمة: حجز 41 مليار سنتيم ومبالغ بالعملات الأجنبية    التجديد النصفي لعدد من أعضاء مجلس الأمة: قوجيل يترأس جلسة علنية مخصصة لعملية القرعة    اليوم الوطني لذوي الاحتياجات الخاصة: تنظيم معارض و توزيع تجهيزات بولايات شرق البلاد    ضرورة العناية وتطوير المهارات الصوتية لتكوين مقرئين ومؤذنين ببصمة جزائرية    بداية تداول أسهم بنك التنمية المحلية في بورصة الجزائر    كرة حديدية :انطلاق دورة العاصمة الرمضانية سهرة يوم الخميس    جلسات استماع في محكمة العدل الدولية بشأن التزامات الاحتلال الصهيوني الإنسانية تجاه الفلسطينيين    ليالي أولاد جلال للمديح والإنشاد: فرقة "شمس الأصيل" من بوسعادة تمتع الجمهور    السيد حساني شريف يبرز أهمية تعزيز الوحدة الوطنية لمواجهة التحديات والحملات الحاقدة ضد الجزائر    مجلس الأمن الدولي: جلسة إحاطة بشأن الوضع في السودان    عدل 3: عملية تفعيل الحسابات وتحميل الملفات عبر المنصة الرقمية تسير بشكل جيد    كأس الجزائر: شباب بلوزداد يفوز على اتحاد الشاوية (4-2) ويواجه مولودية بجاية في ربع النهائي    جيجل: مصنع سحق البذور الزيتية بالطاهير سيكون جاهزا قبل مايو المقبل    وهران: مسرحية "خيط أحمر" تستحضر معاناة المرأة الجزائرية خلال فترة الاستعمار الفرنسي    فتح خطوط نقل استثنائية خاصة بالشهر الفضيل    جسر للتضامن ودعم العائلات المعوزة في ر مضان    الشباك الموحد يدرس إدراج شركة 'ايراد" في بورصة الجزائر    دراسة مشاريع قوانين وعروض تخص عدة قطاعات    توقيف 6 عناصر دعم للإرهابيين في عمليات متفرقة عبر الوطن    التين المجفف يقوي المناعة في شهر رمضان    فرنسا تحاول التستّر على جرائمها بالجزائر!    هكذا يتم إصدار الهوية الرقمية وهذه مجالات استخدامها    مصانع المياه تعبد الطريق لتوطين المشاريع الكبرى    تسويق أقلام الأنسولين المحلية قبل نهاية رمضان    الاتحاد الإفريقي يدين إعلان حكومة موازية في السودان    فتح 53 مطعم رحمة في الأسبوع الأول من رمضان    المواعيد الطبية في رمضان مؤجَّلة    مساع لاسترجاع العقارات والأملاك العمومية    تهجير الفلسطينيين من أرضهم مجرد خيال ووهم    سيناتور بوليفي يدعم الصحراويين    أيراد تطرق باب البورصة    التشويق والكوميديا في سياق درامي مثير    للتراث المحلي دور في تحقيق التنمية المستدامة    زَكِّ نفسك بهذه العبادة في رمضان    إدانة الحصار الصهيوني على وصول المساعدات إلى غزّة    محرز يعد أنصار الأهلي بالتتويج بدوري أبطال آسيا    تنافس ألماني وإيطالي على خدمات إبراهيم مازة    حراسة المرمى صداع في رأس بيتكوفيتش    وفد برلماني يشارك في المؤتمر العالمي للنساء البرلمانيات    مشاركة فرق نسوية لأوّل مرة    دعم علاقات التعاون مع كوت ديفوار في مجال الصحة    استعراض إجراءات رقمنة المكاتب العمومية للتوثيق    براف.. نحو عهدة جديدة لرفع تحديات عديدة    صادي في القاهرة    الجامعة تمكنت من إرساء بحث علمي مرتبط بخلق الثروة    ديوان الحج والعمرة يحذّر من المعلومات المغلوطة    أدعية لتقوية الإيمان في الشهر الفضيل    الفتوحات الإسلامية.. فتح الأندلس.. "الفردوس" المفقود    رمضان.. شهر التوبة والمصالحة مع الذات    ضرورة إنتاج المواد الأولية للأدوية للتقليل من الاستيراد    نزول الوحي    قريبا.. إنتاج المادة الأولية للباراسيتامول بالجزائر    معسكر : افتتاح الطبعة الأولى للتظاهرة التاريخية "ثائرات الجزائر"    مستشفى مصطفى باشا يتعزّز بمصالح جديدة    مجالس رمضانية في فضل الصيام    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



المحكمة الجنائية العراقية العليا في ظل القانون الدولي: ومدى شرعيتها في محاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين

إلى تاريخ 2003.04.09 كان صدام حسين رئيسا لجمهورية العراق، فاختفاؤه بعد سقوط نظامه واحتلال بغداد من طرف الولايات المتحدة الأمريكية ودول التحالف لم يغير من تلك الصفة شيء، وهو السبب الذي جعل من السلطات المحتلة لدولة العراق أن تعلن حين القبض عليه بتاريخ:2003.12.15 أنه أسير حرب، وكان ذلك على لسان رئيس الولايات المتحدة الأمريكية و وزير دفاعه رمسفيلد.
فتحديد مركز الأسير يعتبر من أهم المسائل التي يبنى عليها مصيره أثناء وبعد أن تضع الحرب أوزارها فوضعه القانوني هذا يمكنه من الاستفادة من الضمانات التي أضفتها اتفاقية جنيف لعام 1949 والبرتوكولين الإضافيين لها الصادرين عام 1977 .
وعلى النقيض من ذلك، فان نفي هذه الصفة قد تعرض المقبوض عليه إلى المحاكمة على أيدي قضاة المحاكم العادية ،أو المنشأة خصيصا للنظر في مثل هذه الظروف، وفقا للاختصاص القضائي المحلي للدولة الآسرة، إذ تؤدي غالبا تلك المحاكمة إلى صدور أحكام توصف بالقاسية .
أما الشك، وضعية أريح للموقف، إذ يمكنه هذا الريب في تحديد مركزه القانوني، في الاستفادة والتمتع بالعديد من الضمانات التي كفلتها اتفاقية جنيف الثالثة لأسير الحرب، وهذا حتى الفصل في أمره من طرف الجهة القضائية المختصة للدولة الآسرة.
إن هذا الاعتراف الواضح من طرف القائد الأعلى للقوات المسلحة الأمريكية المحتلة لدولة العراق، ووزير دفاعه علنا،وأمام وسائل الإعلام العالمية، تجعل الرئيس العراقي صدام حسين،وعملا ببنود اتفاقية جنيف الثالثة،تجعله يستفيد من كل الضمانات التي تعطيها تلك الاتفاقية لأسرى الحرب لاسيما المواد:13و17 منها. وفي هذه الحالة فان المادة 118 من الاتفاقية المذكورة تنص صراحة على الإفراج الفوري عن كل أسير حرب بعد الإعلان الرسمي عن انتهاء القتال، إذ تضمنت التالي:" يفرج عن كل أسرى الحرب ويعادون إلى أوطانهم دون إبطاء بعد انتهاء الأعمال العدائية الفعلية."
والمتعارف عليه في القانون الدولي أن أسير الحرب لايسجن داخل المؤسسات العقابية أو مؤسسات إعادة التربية المعدة للمنحرفين من الناس، وإنما تتخذ معه بعض الإجراءات الوقائية حتى لايعود مرة أخرى إلى ساحات القتال؛، فيحجز في معسكر مثلا، ولا يتابع عن كل مايكون قد نسب إليه من مخالفات أو تجاوزات أثنا العمل المسلح، وهذا مانصت عليه المواد: 99.97.20.19 من الاتفاقية المشار إليه أعلاه.
لكن، ورغم ذلك، حوكم الرئيس العراقي السابق من طرف محكمة مدنية عراقية أنشأة خصيصا له، وهيئة تمييزية تنظر في الحكم الابتدائي، وأدين بالعديد من التهم صنفت بجرائم، ومنح حق الدفاع عن نفسه حسب معايير تلك المحكمة وقانونها الداخلي ، وصدر حكما بإعدامه شنقا تم تنفيذه بعد خمسة أيام من المصادقة عليه من طرف محكمة التمييز أو ما يعرف بدرجة الاستئناف في القضاء الجزائري.
و لكن، هل يعتبر إنشاء المحكمة الجنائية العراقية العليا الخاصة بمحاكمة الرئيس العراقي السابق مثال سيئ شارك في تقيض المعايير الدولية المتعارف عليها، أم أنه مجرد مجانبة لبنود اتفاقية جنيف الثالثة لعام 1949 الخاصة بأسرى الحرب ؟
للإجابة عن ذلك ارتأينا أن نقسم هذا البحث إلى محورين، نتناول في المحور الأول النشأة والاختصاص، ونتطرق بإيجاز في المحور الثاني للهيئة التمييزية مع ذكر لبعض العيوب والانتقادات التي وجهت لها. و خاتمة أوجزنا فيها بعض الآراء التي نعتقد أننا توصلنا إليها من خلال هذا البحث .
نشأة المحكمة:
التفكير في إنشاء محكمة لمحاكمة الرئيس العراقي السابق صدام حسين، لم يكن مثلما يعتقد الكثير، بعد الإطاحة به مباشرة، ولا بعد احتلال العراق، ولا حتى بعد إلقاء القبض عليه، بل يعد ذلك مطلبا للمعارضة في الخارج منذ عشرات السنين إذ رفع الحزب الشيوعي العراقي هذا المطلب إلى مؤتمره سنة 1985، وهو الأمر الذي سار عليه فيما بعد البرلمان الأوربي بتاريخ 2000.12.30 .
التسمية:
سميت المحكمة في بادئ الأمر " المحكمة الجنائية العراقية المختصة " وكان ذلك بتاريخ 2003.10.10 تلك التسمية التي انتقدت في حينها من طرف المختصين في القانون الدولي، لتعارضها مع نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، فضلا عن أن جمهورية العراق ليست طرفا في هذا النظام، فهي لم توقع ولم تصادق على نظام المحكمة الجنائية الدولية مثلها مثل الولايات المتحدة الأمريكية ، والعديد من دول العالم الأخرى.
جدير بالتنبه أن الولايات المتحدة الأمريكية كانت من أبرز الدول التي دعت إلى تشكيل المحكمة الجنائية الدولية، غير أنها امتنعت فيما بعد عن التوقيع على نظامها والمصادقة عليه للأسباب كثيرة منها إنتشار قواتها المسلحة بأعداد كبيرة في الكثير من المناطق عبر الكرة الأرضية كالعراق، و أفغانستان ، وباكستان و تورطها في جرائم خطيرة تمس بحقوق الإنسان مباشرة.
وبالرجوع إلى المادة 11 من النظام المذكور، والتي تنص تحت عنوان الاختصاص الزمني:"ليس للمحكمة اختصاص إلا فيما يتعلق بالجرائم التي ترتكب بعد نفاذ هذا النظام " والفترة المحددة من طرف الحكومة العراقية فيما يتعلق بالجرائم التي قد تكون قد اقترفت ونسبت إلى الرئيس السابق ممتدة من سنة 1968الى سنة 2003، اعتبارا لكل ذلك أعيد النظر في التسمية لتصبح " المحكمة الجنائية العراقية العليا "كونها ستنظر في قضايا تختلف أساسا عن القضايا التي تطرح عادة أمام المحاكم العادية، والمتمثلة في جرائم الحرب، وانتهاك حقوق الإنسان والإبادة الجماعية.
تأسيس المحكمة:
بتاريخ 2003.10.10 وطبقا لقانون إدارة الدولة(6) للفترة الانتقالية أو ما عرف بمجلس الحكم في العراق،فان دستور الدولة ألغي مباشرة بعد الغزو؛ وتم الإعلان رسميا عن ميلاد المحكمة الجنائية العراقية العليا
الاختصاص والقانون الواجب التطبيق:
سبق الحديث عن أن التسمية الأولى تضمنت عبارة "خاصة " وحددت فترة زمنية لأعمالها ، وجرائم محددة أيضا تختص بالنظر فيها ، بمعنى أن هناك اختصاص محلي، وزمني، ونوعي، كون المحكمة وعملا بقرار مجلس الحكم العراقي لها كامل الصلاحيات في محاكمة أي شخص عراقي الجنسية نسبت إليه أي من التهم التالية: "جرائم حرب" أو " انتهاك لحقوق الإنسان" أو " الإبادة الجماعية " على أن تكون الأفعال مقترفة في الفترة الممتدة من سنة 1968 إلى 2003.
ويرى أهل الاختصاص أن الأساس المعتمد من طرف هذه المحكمة هجينا من قوانين العدل الدولية والقوانين العراقية .
وبالرجوع إلى النصوص القانونية في التشريع العراقي مما بات يعرف بالاختصاص الشخصي لقانون العقوبات ،التي أقرت بمبدأ قانونية الجرائم والعقوبات حفاظا على حقوق الأفراد وحرياتهم بوجه عام،فان القاعدة المعروفة عالميا في التشريع الجزائي " لا جريمة ولا عقاب إلا بنص " نجدها معتمدة منذ سنة 1964 في القانون العقابي العراقي ضمن الدستور المؤقت ، والمقر بها رسميا في دستور 1970.
ومضمون النص التالي:" لاجريمة ولاعقاب الأبناء على قانون ولاعقاب على الأفعال اللاحقة لصدور القانون الذي ينص عليه"؛ هذا النص الدستوري أقره قانون العقوبات كالتالي:" لاعقاب على فعل أو امتناع الابناء على قانون ينص على تجريمه وقت اقترافه ، ولا يجوز توقيع عقوبات أو تدابير احترازية لم ينص عليها القانون ."
إن أي عقوبة يجب أن تكون محددة بنص وأن يكون الفعل المراد تجريمه مطابقا لذاك النص القانوني ، وبعبارة أخرى تحديد التهمة وثبوت الفعل بصفة قطعية لا تدع مجالا للشك.
والثابت أن قانون العقوبات العراقي أوضح بكل جلاء نطاق الاختصاص الشخصي حين التطبيق ، إذ يظهر ذلك من خلال المواد 10،11،و 12 منه إذ لا أحقية للمحاكم العراقية في النظر في مثل هذه الدعاوى خاصة إذا ما تعلق بتمتع رئيس الجمهورية بالحصانة ،علما أن قانون المحكمة الجنائية العراقية العليا خليطا من القوانين الدولية والداخلية، فضلا عن ما تضمنه الدستور من نصوص خاصة بالحصانة.
سبقت الإشارة إلى أن بنود نظام المحكمة الجنائية الدولية لا تطبق على أي عراقي مسؤولا كان أو غيره ولو ثبتت إدانته لاقترافه جريمة ما، ذلكم أن دولة العراق ليست طرف في هذا الميثاق لا توقيعا ولا مصادقة، وبمفهوم المخالفة فان الصفة الرسمية تنعدم عند الإدانة لكل مسؤول تابع لدولة عضوا موقعا ومصادقا عن ميثاق المحكمة الجنائية الدولية.
جاء في المادة 27 من نظام المحكمة الجنائية الدولية تحت عنوان " عدم الاعتداد بالصفة الرسمية" ما نصه:
((1- يطبق هذا النظام الأساسي على جميع الأشخاص بصورة متساوية دون أي تمييز بسبب الصفة الرسمية، وبوجه خاص فان الصفة الرسمية للشخص سواء كان رئيسا لدولة أو حكومة أو عضوا في حكومة أو برلمان أو ممثلا منتخبا أو موظفا حكوميا، لا تعفيه بأي حل من الأحوال من المسؤولية الجنائية بموجب هذا النظام الأساسي، كما أنها لا تشكل في حد ذاتها سببا لتخفيف العقوبة.))
وفصلت الفقرة الثانية من المادة المذكورة أعلاه في مسألة الحصانة بصفة قطعية لتمكين المحكمة من أداء عملها بكل حرية إذ جاء فيها ما يلي :(( 2- لا تحول الحصانات أو القواعد الإجرائية الخاصة التي قد ترتبط بالصفة الرسمية للشخص، سواء كان في إطار القوانين الوطنية أو الدولية دون ممارسة المحكمة اختصاصها على هذا الشخص.))
وبناء عليه فان قانون المحكمة أخذ على نظام المحكمة الجنائية الدولية القواعد نفسها بشيء من التصرف يتماشى والحالة العراقية.
جاء في المادة 15 الفقرات 3 و4 من الفصل الرابع الخاص بالمسؤولية الجنائية ما نصه:
(3- لا تعد الصفة الرسمية التي يحملها المتهم سببا معفيا من العقاب أو مخففا للعقوبة، سواء كان المتهم رئيسا للدولة أو عضوا في مجلس قيادة الثورة،أو رئيسا أو عضوا في مجلس الوزراء أو عضوا في قيادة حزب البعث، ولا يجوز الاحتجاج بالحصانة للتخلص من المسؤولية عن الجرائم المذكورة في المواد:14 .13. 12 .11 من هذا القانون.
وهذا ما يقابل المادة 27 من نظام روما الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية ، في حين أن ما يقابل المادة 28 من ميثاق المحكمة الجنائية الدولية هو ما جاءت به الفقرة الرابعة من قانون المحكمة العراقية والذي نصه كالتالي:
( لا يعفى الرئيس الأعلى من المسؤولية الجنائية على الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يعملون بإمرته،إذا كان الرئيس قد علم أو كانت لديه من الأسباب ما تفيد العلم بأن مرؤوسه قد ارتكب هذه الأفعال أو كان على وشك ارتكابها ولم يتخذ الرئيس الإجراءات الضرورية والمناسبة لمنع وقوع هذه الأفعال أو أن يرفع الحالة إلى السلطات المختصة بغية إجراء التحقيق.)
الانتقادات الموجهة للمحكمة:
هنا العديد من الانتقادات التي وجهت إلى هذه المحكمة من طرف رجال القانون من العراقيين أنفسهم ومن دول عربية وغربية وجل دول العالم ، وكثيرا من المنظمات الغير الحكومية المدافعة على حقوق الإنسان ومن أبرزها:منظمة مراقبة حقوق الإنسان إذ أ جمعت كلها أن المحكمة لا ترقى إلى مستوى المعايير الدولية، ونورد هنا بعض النقاط التي نراها تشكل لب الانتقادات المذكورة :
أ/ ذهب فريق إلى القول أن المحكمة غير شرعية من أساسها ،ذلكم أنها شكلت بناء على بند من ما يعرف بقانون إدارة الدولة العراقية للفترة الانتقالية، والذي أعتبر حينها كدستور دائم للعراق،في حين لم يكن إلا مسودة خالية من الروح.
ب/ تشكيل المحكمة بقرار من سلطة الإتلاف التي يحكمها الأمريكي "بول بريمر" يعتبر قرار أمريكي وليس عراقي ، علما أن العراق دولة محتلة حسب تعريف الأمم المتحدة لحالة هذه القطر .
ج/ اختيار قضية " الدجيل" دون غيرها لارتباطها بالرئيس صدام حسين شخصيا وبعدها عن أي إرتباط خارجي ولوجود الكثير من الأدلة والشهود والمتهمين من العراقيين وفي العراق ما يكفي للإدانة وفض النزاع بصفة سريعة وقطعية.
د/ إرجاء النظر في القضايا الخطيرة التي لها أبعاد تتعدى إقليم الدولة العراقية كحروب الخليج الثلاثة وقضية "حلبجة" حيث تم استعمال الأسلحة الكيماوية ؛وأرجع ذلك في أن إثارتها تؤدي حتما إلى اتهام العديد من الدول عبر العالم على رأسها الولايات المتحدة الأمريكية ، مما يفتح الباب حينها على أحقية دفاع المتهمين بالمطالبة بنقل المحاكمة خارج العراق لاكتسابها حينئذ صفة الدولية بمقتضى قرار من مجلس الأمن على غرار العديد من القضايا المعروفة.
ه/ فكرة تكوين القضاة الذين تداولوا على المحكمة من طرف متخصصين في القانون الدولي أمريكيين، إذ تم ذلك بالفعل خارج العراق في عدد من الدول نذكر منها على الخصوص: أمريكا و بريطانيا.
حكم المحكمة الجنائية العراقية العليا والهيئة التمييزية:
بتأريخ 05 نوفمبر 2006 أصدرت المحكمة الجنائية العراقية العليا حكما بالإعدام شنقا في حق الرئيس السابق صدام حسين، وأحكاما أخرى في حق معاونيه تراوحت بين الإعدام إلى المؤبد إلى 15 سنة سجنا وحالة واحدة بالبراءة وتم النطق بتلك الأحكام في جلسة علانية.
والملاحظ أن الرئيس العراقي الذي أعتبر أسير حرب من طرف الدولة المحتلة للعراق في حينها كما أسلفنا ، لم يفرج عنه عندما ألقي القبض عليه وبعد الإعلان الرسمي عن انتهاء الحرب ، عملا بأحكام المادة 118 من اتفاقية جنيف لعام 1949 المتعلقة بأسرى الحرب ، ولم يسلم للحكومة المؤقتة العراقية تسليما فعليا بل بقي تحت حراسة ومسؤولية الولايات المتحدة الأمريكية التي انتقلت لها ، كما نعلم،السيادة الفعلية على دولة العراق بقرار من مجلس الأمن والتي عملت على البقاء على حبسه في المعتقلات التابعة لقواعدها العسكرية ، وتتولى بنفسها تقديمه إلى المحاكمة كلما لزم الأمر وتعود به من جديد إلى السجن وظل الأمر كذلك حتى إعدامه وتسليمه جثة هامدة إلى عشيرته لوارى التراب تحت حراستها؛إنها سابقة لم تعرف من قبل تضاف دون شك إلى القانون الدولي الإنساني لتدرس للأجيال القادمة .
الهيئة التمييزية:
تعتبر هيئة التمييز الجهة الأعلى عن المحكمة الجنائية العراقية العليا التي تنظر في الطعون التي تقدم لها في الأحكام التي تصدرها لتعيد النظر فيها أو المصادقة عليها؛ علما أن قراراتها نهائية قابلة للتنفيذ بعد 30 يوما من تاريخ النطق بها .
ففي تاريخ 26 ديسمبر2006 أصدرت الهيئة التمييزية قرارها القاضي بتأييد حكم الإعدام في كل من الرئيس السابق صدام حسين و برزان إبراهيم الحسن و عواد حمد البندر، كما أوصت الهيئة بتشديد العقوبة على طه يسين رمضان وهو ما تم بالفعل
العيوب الشكلية والإجرائية الموجهة للمحكمة:
بمجرد صدور القانون المؤسس للمحكمة أعرب الكثير من المختصين في القانون الدولي عن انزعاجهم لخلوه من ضمانات المحاكمة العادلة للمتهمين،وهو نفس القلق الذي أعربت عنه منظمة العفو الدولية فالمحاكمة الأولى شابتها عيوب كثيرة كعدم الجدية والتقاعس وعدم احترام الحقوق الأساسية للمتهمين والتعين المباشر لمحامين للدفاع عنهم دون رضاهم بعد أن قرر محاموهم مقاطعة جلسات المحكمة ، إحضار المتهمين إلى قاعة المحكمة قصرا واستعملت معهم القوة، السماح لشهود الإثبات من الحديث أمام هيئة المحكمة و السماع لهم دون ملل ولا مقاطعة خلافا لشهود الدفاع، تمكين النيابة من طرح أسئلتها على الشهود والسماح لها من سماع الرد كلما رغبت في ذلك دون منح هذا الحق للدفاع، عدم تمكين الدفاع من الوثائق الاثباتية المحفوظة بملف القضية والتي يحتج بها المدعي العام في الكثير من المواقف ، وان فعلت مدته بصور غير واضحة لا تقرأ، عدم إجراء تحقيق لمزاعم المتهمين في أنهم تعرضوا للتعذيب والضرب والحرمان من النوم ،وأوضاع جسدية قسرية أثناء استجوابهم.
والحقيقة إن تلاوة متأنية للقانون الأساسي للمحكمة يبين خلوه من أي ضمان يخول لهم الحق في التشبث به خاصة إذا علمنا أن أغلبهم يواجه حكم الإعدام تماشيا والتهم المنسوبة إليهم .
وكان لإستقالة القاضي رزكار أمين الأثر البالغ لدى الملاحظين، وكذا المنظمات غير الحكومية المهتمة بحقوق الإنسان ،منها منظمة العفو الدولية في أن المحكمة فقدت بإستقالته استقلاليتها وحيادها ومصداقيتها، كون الرجل أظهر براعة في إدارة جلسات المحكمة.
كما وجه النقد بصفة خاصة لهيئة التمييز التي تعتبر الجهة العليا المخولة قانونا للنظر في الاستئناف لكل الأحكام التي تصدر عن المحكمة الابتدائية ، ونعني بالقول المحكمة الجنائية العراقية العليا؛والتي يجب أن تكون مشكلة من قضاة غير الذين أصدروا الأحكام المطعون فيها ، وهو الأمر الذي لم يتم بل تم النظر في الطعون أمام نفس التشكيلة التي حاكمت المتهمين في الدرجة الأولى، وهو ما يخالف كل القواعد والأعراف الدولية ،إذ تعتبر سابقة أخرى جديرة بان تضاف لتلك السوابق التي عرفها القانون الدولي.
الخاتمة:
خلو المحكمة من كل الضمانات القضائية التي يخولها القانون للمتهم، وفقدانها الشرعية ، بالرغم من الدفع الشكلي الذي طالب به الدفاع قبل المحاكمة، ضف إلى ذلك عيوب كثيرة وخطيرة أثارت الشكوك من الوهلة الأولى في قدرة هذه المحكمة على بقائها في الحياد، مما يجعلها غير قادرة على إقامة العدل بصورة منصفة ووفقا للمعايير الدولية، منها على سبيل المثال عدم استقلالية القضاة أو تحيزهم ، فقد استقال القاضي الأول رزكار محمد الأمين بعد أربعة أشهر من بدء المحاكمة بسبب الضغط الذي تعرض له من طرف السلطات الحكومية، وأقيل خلفه سعيد الهاشمي بسبب اعتبارات وصفت حينها بالسياسية، وعين القاضي رؤوف رشيد عبدا لرحمان ليتم جلسات المحكمة إلى حين صدور الأحكام والنطق بها، واعتبر إذ ذاك متحيزا لأمرين اثنين : كونه معارض لحكم الرئيس السابق من جهة ، وأنه من أهالي مدينة حلبجة، التي كما سبق وأن ذكرنا قتل فيها آلاف الأكراد سنة 1988، وزعم أنهم هو جموا من طرف قوات النظام السابق بالغازات السامة.
مسألة الحصانة الدستورية لرئيس الجمهورية أمر مهم كذلك، لم يؤخذ بعين الاعتبار،وهي التي ضمنها الدستور العراقي المؤقت لسنة 1970 الصادر عن قيادة الثورة بتاريخ 1970.07.16 القرار رقم:792 .
وبالرغم من الانتقادات الموجهة لهذا الدستور كونه لا يمثل الرغبة الشعبية وأنه مجانب للمعايير الموضوعية الدولية المتعامل بها عالميا، فان الدول جميعها والى غاية نشوب حرب الخليج الثالثة تتعامل اقتصاديا ودبلوماسيا مع دولة العراق بصفة جد عادية، وفي كل هذا فان الرئيس السابق كان يتمتع بالحصانة الدستورية كونه يمثل السيادة المرتبطة بوظيفة رئاسة الدولة.
مهما يكن من أمر، واعتبار إلى التهم الموجهة إلى الرئيس السابق صدام حسين بغض النظر عن طبيعتها (قانونية أو سياسية)فان قانون المحكمة المستمد شرعيته من قانون إدارة الدولة للمرحلة الانتقالية ،قد حدد بصفة جلية ومسبقة إطار المحكمة، وهو ما جاء صريحا من خلال المادة :15 من الفصل الخاص تحت عنوان بالمسؤولية الجنائية.
جاء في المادة 15 ثالثا/ لا تعد الصفة الرسمية التي يحملها المتهم سببا معفيا أو مخففا للعقوبة، سواء كان المتهم رئيسا للدولة ،أو عضوا في مجلس قيادة الثورة، أو رئيسا أو عضوا في مجلس الوزراء،أو عضوا في قيادة حزب البعث، ولا يجوز الاحتجاج بالحصانة للتخلص من المسؤولية عن الجرائم المذكورة في المواد 11 إلى 14 من هذا القانون .
وتضمنت نفس المادة /رابعا: لا يعفى الرئيس الأعلى من المسؤولية الجنائية عن الجرائم التي يرتكبها الأشخاص الذين يعملون بامرأته،إذا كان الرئيس قد علم أو كانت لديه من الأسباب ما تفيد العلم بأن مرؤوسه قد ارتكب هذه الأفعال أو كان على وشك ارتكابها ولم يتخذ الرئيس الإجراءات الضرورية والمناسبة لمنع وقوع هذه الأفعال أو أن يرفع الحالة إلى السلطات المختصة بغية إجراء التحقيق والمحاكمة.
إن قراءة متأنية للمواد المذكورة أعلاه ضف لها التصريحات السياسية المسبقة والعلانية لأعضاء الحكومة الانتقالية فيما يخص المحكمة الدرجة الأولى ومحكمة التمييز وطبيعة الأحكام التي ستصرها، تجعلنا نجزم بعدم شرعية هذا الجهاز.
وعلى اعتبار أن المحكمة الجنائية الدولية لا تملك صلاحية محاكمة الرئيس العراقي السابق للأسباب التي أطنبنا في ذكرها سابقا، وأن المحكمة المنشأة خصيصا له غير شرعية وخالية من كل المعايير الدولية المتعارف عليها،التي تجعلها تنحرف عن مسارها؛ فانه حسب رأينا المتواضع ،كان من الصواب أن تكون محاكمته وأعوانه أمام محكمة خاصة تقوم بقرار من مجلس الأمن على غرار المحكمة الخاصة بيوغسلافيا (لوائح مجلس الأمن رقم: 808 و 827 بتاريخ 1993.03.25) أو المحكمة الجنائية الدولية الخاصة بروندا (قرار مجلس الأمن رقم 955 بتاريخ 1944.11.08 ) وغيرها.
أرى وقد تكون هي الحقيقة، أن المحكمة الجنائية العراقية العليا تشبه إلى حد بعيد كل من محكمة نوربورغ (8 أوت 1945) ومحكمة طوكيو (19 جانفي 1946) إذ طبقتا على المتهمين الذين مثلوا أما مها – عدالة المنتصر – وقد تتطابق في الكثير من العناصر مع المحكمة التي قامت بمحاكمة الرئيس الروماني " شاوسيسكو ".
مما سبق لا يمكن الحديث عن محكمة أنشأت ومحاكمة تمت في غياب المعايير الدولية المتعارف عليها ،وتحت هيمنة الاستعمار لأمريكي للعراق،ودون ضمانات كافية للمتهمين ، وفي غياب الأمن وسلامة جميع الأطراف متهمين ودفاعهم وشهود ؛ وكيف تكون المحاكمة عادلة دون أن يكون القضاة مستقلين وحياديين ؟ وكيف تكون الأحكام شرعية ودرجة الاستئناف أو التمييز مشكلة من نفس قضاة الدرجة الأولى؟ وكيف تكون المحاكمة عادلة والقادة السياسيون أصدروا الأحكام قبل المحاكمة وأثناء الجلسات الأولى للمحكمة؟
ومما يؤكد الطرح السابق ، في أن المحكمة سياسية يديرها الاحتلال ويوجهها حيث يشاء، تأييد الولايات المتحدة الأمريكية مطالبة الأوروبيين للدولة التركية بحق زعيم حزب العمال الكردستاني " عبدا لله أوجلان " المحكوم عليه من طرف القضاء التركي بالإعدام ، بالطعن في الحكم أمام المحكمة الأوروبية لحقوق الإنسان، بل طلب من الحكومة التركية إلغاء عقوبة الإعدام من قانونها العقابي بصفة نهائية . أو لم يكن من حق الرئيس العراقي أن يطعن في الحكم أمام المجلس الدولي لحقوق الإنسان التابع للأمم المتحدة؟ ما كان على الدول العربية خاصة والمجتمع الدولي عامة إلا الخنوع لقرار الدولة العظمى والقبول به صاغرين.
للبحث مراجع...
إعداد الأستاذ بن أحمد علي
محام لدى المجالس القضائية، الجلفة
[email protected]


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.