معلمون يتحوّلون إلى سماسرة 2000 دينار شهريا للمادة الواحدة في الوقت الذي تشهد فيه العديد من المؤسسات التربوية والتعليمية وبمختلف أطوارها إضرابات مستمرة، انتعشت تجارة الدروس الخصوصية من قبل العديد من الأساتذة الذين يفتقرون للأخلاق والضمير المهنيين، حيث رفعوا الأسعار إلى الضعف مقارنة بأسعار ما قبل الإضراب، ففي ظل رفض الأساتذة والمعلمين المضربين لوقف احتجاجاتهم التي تشل القطاع بأكمله تقريبا منذ بداية السنة، اضطر الأولياء إلى اقتطاع الأموال شهريا لدفعها كمستحقات إجبارية لإنقاذ مستقبل أولادهم المتمدرسين، خصوصا المقبلون على اجتياز شهادات التعليم الابتدائي والمتوسط والثانوي.
حسيبة موزاوي استغل الأساتذة هذا الإضراب بطريقة انتهازية للرفع من سعر الدروس الخصوصية، باعتبارها (الخيار الوحيد) الذي يلجأ إليه أولياء التلاميذ لإنقاذ أبنائهم من (كابوس الإضراب) لاسيما أنه يتزامن مع فترة التحضير للفروض والاختبارات الفصلية، مادامت وزارة التربية تراجعت عن حربها ضد الظاهرة رغم إصدارها في وقت مضى لمرسوم ينص على حظر الدروس الخصوصية، إلا أن هذه الظاهرة مستمرة والإقبال عليها متزايد من التلاميذ والأساتذة على حد سواء، إذ ثمة عوامل عدة جعلت المرسوم الوزاري غير قابل للتطبيق، على الأقل في الوقت الراهن، ومن أهم العوامل الاضراب الذي يهدف إلى تحسين الظروف المهنية والاجتماعية، غير أنه بات يهدف إلى استنزاف أموال وجيوب الجزائريين والضغط على أصحاب الأقسام النهائية. المادة الواحدة ب 2000 دينار شهريا ومن هذا المنطلق قامت (أخبار اليوم) بزيارة ميدانية إلى بعض المؤسسات التربوية بالجزائر العاصمة أين صادفنا تلاميذ الأقسام النهائية، حيث أكد العديد منهم بأن 90 بالمائة من الأساتذة المضربين هم أساتذة الأقسام النهائية والمقترحين للمشاركة في عملية التصحيح في شهادة البكالوريا، ومعلوم أن غالبية تلاميذ القسم النهائي لا يعوّلون نهائيا على أساتذة الأقسام، ويلجأون لتعويض نقص التأطير باللجوء إلى الدروس الخصوصية. كما كشف طلاب شهادة البكالوريا (علمي وأدبي) عن ارتفاع بورصة الدروس الخصوصية بشكل كبير بسبب الإضراب الذي تشهده المؤسسات التربوية في الفترة الأخيرة، وتهافت الطلبة عليها بحثا عن النجاح والتفوق، مشيرين إلى أن سعرها وصل إلى 2000 دينار جزائري شهريا للمادة الواحدة وقد ترتفع في المراجعات النهائية، بعدما كانت تتراوح بين 1200 إلى 1400 دينار جزائري للمادة في الأيام العادية، وهو ما يظهر الجشع الذي تحلى به الأساتذة في فترة الإضراب بعد أن هدفوا إلى الربح السريع. الفيزياء والرياضيات أكثر المواد طلبا للتفصيل في المومضوع اقتربنا من بعض الطلاب في القسم الأدبي ممن تنتظرهم امتحانات مصيرية نهاية السنة تحدد مستقبلهم منهم كريم وصبرينة وأحمد وناصر، بحيث أجمعوا أن الدروس الخصوصية أصبحت أمرا أساسيا في برنامج الاستعداد للامتحانات، لافتين إلى أن مواد الفلسفة واللغة العربية والرياضيات تتصدر قائمة المواد التي يحصلون على دروس خصوصية فيها بالنسبة للأقسام الأدبية والفيزياء والرياضيات والعلوم للأقسام العلمية. كما أكدوا أنهم مضطرون إلى اللجوء إليها فهي الحل البديل والوحيد أمامهم في ظل الحركة الاحتجاجية التي يشهدها قطاع التربية، مشيرين أن الوقت ليس في صالحهم ويجب إنهاء المناهج بأكملها خصوصاً أنهم يبحثون عن النجاح واجتياز الامتحان وتحقيق علامات كبيرة لتتيح لهم اختيار التخصص الذي يرغبون فيه في الجامعة، مقرين بأنهم يستغلون تجاريا من قبل المعلمين خلال أيام الإضراب، بحيث يغالون في أسعار الدروس لتصل إلى ضعفين أو ثلاثة أضعاف سعرها في الأيام العادية، ويخيرون الطلاب بين القبول أو عدم الحضور، الأمر الذي يدفعهم إلى القبول بشروطهم نظرا لعدم وجود بدائل، وقد يقبل الطالب بحضور الحصة مع مجموعة من الطلاب، وتحت ضغوط المعلمين، مذكرين أن طلاب الشعبة العلمية أكثر إقبالا علي الدروس الخصوصية لكثرة المواد التي تحتاج إلى فهم واستيعاب. غياب القوانين ساهم في الفوضى الحاصلة صدور مرسوم يقضي بحظر الدروس الخصوصية في السابق لم يكن سوى حبرا على ورق في ظل تزايد موضة الدروس الخصوصية، بحيث تحوّلت إلى قاعدة. أما المدرسة العمومية فهي استثناء يذهب التلاميذ في جولة لها ثم يعودون لاسيما في فترة الإضراب وهو ما جعل الأولياء والتلاميذ في حيرة من أمرهم انتهت بمداخل المستودعات والأقبية التي يدرس فيها أجيال الغد حاملي المشعل. وفي هذا الصدد صرح محامي من المجلس أن الظاهرة هي خطيرة وجب تدعيمها بقوانين رادعة لحماية التلاميذ وأوليائهم التائهين أمام المشاكل التي تتخبط فيها المنظومة التربوية في الوقت الحالي، بحيث تحوّل المعلمون إلى سماسرة الدروس الخصوصية وهو ربح غير مشروع على حساب الأولياء من دون أن ننسى الظروف غير اللائقة التي يستقبل فيها التلاميذ عبر المستودعات والجحور الضيقة وبالتالي العملية لا تهدف إلى تعليم التلاميذ بل إلى الربح من وراء دروس خصوصية تفتقد إلى التنظيم دفاعا عن حقوق التلاميذ، ولا نقصد هنا المدارس التدعيمية الخاصة المرخصة من طرف الدولة بل هؤلاء الذين مارسوا النشاط خفية في بيوتهم بغرض الربح ليس إلا وانتهازهم لفترات الامتحانات من أجل إلهاب الجيوب لذلك لابد من وضع آليات قانونية للحد من هذه الظواهر المعيبة بقطاع التربية والتعليم كقطاع حيوي في أي دولة. ضغوطات نفسية يعيشها التلاميذ الممتحنون من جهتها أشارت السيدة (ف. زهرة) أخصائية في علم النفس الاجتماعي إلى أن نفسية التلميذ سيئة جدا، خاصة تلاميذ البكالوريا، الذين وجدوا صعوبة في الدراسة خاصة هذه الأيام التي تشهد إضرابات مستمرة والتي ضاعت ويصعب استدراكها، إضافة إلى ذلك التهديدات التي يقوم بها الأساتذة في كل وقت بالاستمرار على هذا المنوال، وهو ما أدى إلى وجود ضغوطات على التلاميذ حسبها، إضافة إلى ذلك أصبح التلاميذ يعتمدون على أنفسهم في الدراسة، خاصة أصحاب الأقسام النهائية الأمر الأكيد أنهم سيلجأون إلى الدروس الخصوصية التي ربما ستبعث في أنفسهم القليل من الراحة ولو بمبالغ طائلة، مشيرة إلى ضرورة عرض التلاميذ على أخصائيين نفسانيين قبل الامتحانات، كما أوضحت أنه ليس من الحق حرمان المنتسبين للمنظومة التربوية من الأدوات المتاحة لهم للمطالبة بحقوقهم المادية، ولكن من دون أن يؤثر ذلك على حقوق التلاميذ والتزامهم الأخلاقي اتجاههم، مؤكدة على أن التلاميذ أمانة في أعناقهم ويجب أن يوفوهم حقهم في ساعاتهم الدراسية المقررة، مشيرة إلى أن ضياع يوم دراسي واحد سيؤثر سلبا على البرنامج السنوي وخاصة المقبلين على امتحانات مصيرية، فما بالك لو استمر الإضراب أكثر فضلا عن التأثيرات النفسية الأخرى على التلاميذ. وأمام هذا الوضع شرعت مديريات التربية للولايات في تنفيذ قرار التخلي عن المناصب للأساتذة المضربين، بعد ما تمت عملية التبليغ الأولي بالحكم القضائي القاضي بتوقيف الإضراب لعدم شرعيته الخميس الماضي، وتم تكليف مديري التربية بالولايات، من خلال مديري المؤسسات التربوية بعملية تبليغ الأساتذة بالحكم القضائي القاضي بتوقيف الحركة الاحتجاجية المفتوحة التي دعت إلى تنظيمها نقابة المجلس الوطني المستقل لمستخدمي التدريس للقطاع ثلاثي الأطوار للتربية وتسليمهم الإعذارات الأولى، التي تنص على أن الأستاذ المضرب أمامه مهلة 48 ساعة فقط للعودة إلى منصب عمله وإلا يعتبرا متخليا عن المنصب، فهل هذا القرار سيحد من التجاوزات الخطيرة التي ترتكب في حق التلاميذ وتؤثر على مستقبلهم؟ سؤال نتمنى أن تكون إجابته إجابية خلال الأيام المقبلة.