لم يستثن القطاع الموازي في بلادنا التربية الوطنية، حيث باتت الدروس الخصوصية التي تقدم في البيوت خطرا محدقا على مستقبل المدرسة في بلادنا، فبعد أن كانت هذه الدروس تخصص سابقا للتلاميذ الضعفاء والمتوسطين لتدارك النقائص، أصبحت اليوم موضة يتباهى بها التلاميذ وأوليائهم، بعد أن كان يخجل التلاميذ الذين يتلقون دروسا خصوصية من اكتشاف أمرهم فيصبحون مسخرة وعرضة للاستهزاء. ويظهر أن التحولات التي مر ويمر بها المجتمع الجزائري، كانت سببا في انتشار ظاهرة الدروس الخصوصية، التي يقوم بها أساتذة الابتدائيات والاكماليات والثانويات في بيوتهم أو التنقل إلى بيوت العائلات، خاصة الميسورة الحال، كما وجد البعض في هذا المجال طريقا للاستثمار والكسب في ظل الإقبال المنقطع النظير من مختلف تلاميذ الأطوار التعليمية. وتختلف أسعار الدروس الخصوصية من مستوى إلى آخر ومن أستاذ إلى آخر، والمفيد أن الظاهرة تفاقمت كثيرا وعلى الوزارة الوصية وضع حد لدخول التربية الوطنية السوق الموازي . ويكثر الإقبال على الدروس التي يقدمها الأساتذة خارج أوقات الدراسة العامة، مع قرب امتحانات نهاية السنة و اجتياز شهادة البكالوريا والتعليم المتوسط وحتى شهادة الابتدائي، وتقدم الدروس الخاصة للرفع من قدرات التلميذ وتحسين مستواه، وإعطائه فرصا أكبر للتفوق في الامتحان مبدئيا. المناقصات تعرض في الأقسام يعرض الأساتذة الراغبون في منح دروس تدعيمية خدماتهم في أقسامهم، لاصطياد أكبر عدد ممكن من الزبائن وحتى الأساتذة، وغالبا ما يقدم الأستاذ هذه الدروس سواء في المنزل الخاص أو في قاعة أو بيت يستأجره. وحسب بعض أولياء التلاميذ، فان الأساتذة ومن باب التضامن يقتسمون الدروس وكل واحد يتخصص في اختصاص من جهة لتقسيم العمل، ومن جهة لأخرى لتقاسم الأرباح، دون بذل مجهودات مضنية تؤثر على صحتهم. وبعد أن كانت الدروس التدعيمية مقتصرة على السنوات التي تعرف اجتياز مسابقات تشمل تلقين الدروس التدعيمية جميع السنوات، ما يطرح إشكالية دور الأسرة والتضامن الأسري في تلقين العلوم والمعارف مثلما كان في الماضي، حيث كان كل فرد في الأسرة يساعد إخوته، كما كان لتكافل الجيران دورا في تحسين مستوى الاستيعاب، وهي العادات والصفات التي اختفت مع التحولات الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للمجتمع الجزائري بعد 1990. وانتشرت ظاهرة تقديم الدروس الخصوصية عبر مختلف أنحاء الوطن، ما جعل وزير التربية، السيد أبو بكر بن بوزيد، يعلن الحرب عليها من خلال اتخاذ إجراءات تأديبية ضد الأساتذة، وكان قد صرح في العديد من المنابر أنه يجب وضع حد لمثل هذه الظواهر التي تسيء لقطاع التربية. الأساتذة يبررون بالظروف الاجتماعية الصعبة تحدث العديد من الأساتذة الذين رفضوا الإفصاح عن أسمائهم عن الدروس الخصوصية، التي اعتبروها متنفسا لتحسين أوضاعهم الاجتماعية، معترفين بأن الأمر يصعب تقبله، لكن الواقع أصبح أقوى، فأجرة الأستاذ أو المعلم وحتى الزيادات التي جاءت متأخرة جدا لا تكف لسد حاجيات الحياة. وكشف أستاذ لغة انجليزية، بإحدى اكماليات شرق العاصمة، بأن زملائه باتوا مدمنين على الدروس الخصوصية وباتت الشغل الشاغل لهم، مؤكدا بأنها فتحت لهم الباب لتحقيق العديد من الأهداف، وأهمها اقتناء سيارات وتحسين أوضاعهم الاجتماعية والتخلص من المعاناة الناتجة عن ضعف القدرة الشرائية وارتفاع متاعب الحياة. وأضاف نفس المتحدث، الذي درس في العديد من الاكماليات، بأن عدوى الدروس الخصوصية لم تستثن أحدا والقلة القليلة تترفع عن منح تلك الدروس. وامتعض مدير مدرسة بشرق العاصمة، من الظاهرة الغريبة، التي أصبحت موضة لدى الأساتذة، حيث منح دروس خصوصية بالأموال للتلاميذ خارج أوقات التدريس من شأنه أن يفتح المجال للغش، فالأستاذ الذي يدرس التلاميذ قد يلجأ إلى رفع نقاط التلاميذ، لإقناع أولياء التلاميذ بجدية هؤلاء بينما الواقع يكشف أمرا آخر. ووصل الأمر ببعض الأساتذة، إلى حل أسئلة الفروض والامتحانات للتلاميذ، الذين يتلقون عندهم دروسا في أماكن الدراسة، قبل أن تمنح لهم في الأقسام، وهو ما يعتبر انتهاكا صارخا للقانون، يكشف الانحطاط الكبير لبعض العقليات بالأسرة التربوية. كما من شأن هذه السلوكات إفراغ المدرسة من الغرض الذي أنشأت من اجله وتطبيق مبدأ تكافؤ الفرص بين التلاميذ. الأولياء تائهون وغير مقتنعين بمرارة كبيرة، تحدث لنا اب.مب47 سنة، موظف في شركة عمومية عن تجربته مع الدروس الخصوصية، موضحا بأنه تعرض لاحتيال كبير من خلال ولده الذي يدرس في السنة الثانية متوسط، حيث وأمام تدهور مستواه لم أجد سوى الدروس الخصوصية لإنقاذ ابنه، غير أنه وبالرغم من دفعي 3000 دج شهريا فالأمر لم يتغير وبقي ابني ضعيفا، بالرغم من تطمينات الأساتذة، وانتهى العام الدراسي ورسب ابني الذي أصبح اليوم معقدا من الدراسة، وهو يسير نحو الانسحاب نهائيا لتأكيده عدم استعداده لمواصلة الدراسة. أما اك.شامتقاعد، فقد روى ما تكبده من خسائر في الدروس الخصوصية من اجل إنقاذ أبنائه وتأمين المستقبل لهم، غير أن الخطة باءت بالفشل، وعرفت النهاية خروج أبنائه من المدرسة، ليس لتدني مستوى الأساتذة ولكن لتغير السلوك عند التلاميذ، الذين باتوا لا يرغبون في الدراسة منذ سنوات وهو ما يدعو للحيرة فعلا. وبالمقابل، تحدث بعض الأولياء عن قبول إجراء الدروس الخصوصية في مستويات معينة، على غرار شهادة البكالوريا وشهادة التعليم الأساسي، من اجل حصول أبنائهم على الشهادة التي تسمح لهم بالانتقال إلى مستويات عليا، مثلما هو عليه الحال للسيد اك.مبموظف بمؤسسة اقتصادية عمومية، الذي أكد بأنه رفض مساعدة ابنه في الدروس الخصوصية حتى وصوله إلى السنة ثالثة ثانوي، لأنه كان مقبلا على شهادة البكالوريا فقمت بتسديد مصاريف الدروس الخصوصية التي وصلت إلى 4000 دج شهريا، بالنظر للظروف الجيدة التي كان يستفيد منها ابني، فالأساتذة الذين كانوا يمنحون الدروس كانوا ينتقون التلاميذ وفقا لمستواهم من اجل إنجاحهم، وهو ما تم، فقد نال ابني الباكالوريا بتقدير قريب من الجيد والتحق بمعهد الإعلام الآلي. وتقاطع معظم الذين تحدثنا معهم بأنهم يعانون كثيرا من أجل توفير مبالغ الدروس الخصوصية، التي ترتفع من سنة لأخرى بالنظر لكثرة الإقبال عليها، حيث أصبح الأساتذة يفرضون منطقهم ويرفعون أسعار الدروس الخصوصية، التي بلغت في مناطق معينة مبالغ تصل إلى 10 ألاف دينار للشهر مقابل بعض السويعات من الدروس. النقابة وأولياء التلاميذ يدعون إلى ترسيم الدروس الخصوصية أكد حاج دلالو، رئيس فيدرالية جمعيات أولياء التلاميذ لبالشعبب، أن مسألة الدروس الخصوصية حساسة جدا، ويجب التعامل معها بجدية، فالأولياء مطالبين بتوجيه أبنائهم نحو الدروس التدعيمية التي تقدمها المدارس، أما الدروس الخصوصية التي يقدمها أساتذة فتعتبر قضية أخرى ومتشابكة الخيوط، فإثبات التهمة على تجاوزات الأساتذة في هذا الشأن صعبة ويجب أن نأخذ القضية من الجانب الايجابي. وأشار السيد مسعود عمراوي، المكلف بالإعلام على مستوى نقابة الاتحاد الوطني لعمال التربية والتكوين لبالشعبب، إلى الظروف الصعبة التي يعيشها الأستاذ، فأجرته الشهرية لا تكف لسد حاجياته، وعليه وجد في الدروس التدعيمية الملاذ الوحيد لتقديم خدمات للتلاميذ مقابل بعض الأموال، التي تسمح له باستكمال مصاريف الشهر فالواقع اليوم يعرفه الجميع. ورفض نفس المتحدث، في حديث لبالشعبب أن تُأخذ زاوية الدروس التدعيمية من الناحية السلبية، فالأستاذ يضّحي بوقته الخاص بالراحة من اجل تلك الدروس، ولو كان المستوى المعيشي جيدا لما لجا أي جزائري إلى التضحية بوقته في الراحة. وفي سياق متصل، تحدث عمراوي عن الوعي الكبير لأولياء التلاميذ، الذين يحاولون البحث عن مستقبل أبنائهم ليس الضعفاء فقط بل حتى المتفوقين، حتى يتمكنوا من الحصول على شهادة البكالوريا او مختلف الشهادات الأخرى والتسجيل في الشُعب الجيدة، فنظرة الأولياء للدروس الخصوصية تغيرت من النظرة التقليدية التي تعتمد على صرف الأموال فقط، فالآن بعض التلاميذ يرغبون في تطوير قدراتهم أكثر فأكثر من أجل ضمان مكانة اجتماعية راقية. ومن الجانب الاجتماعي، قال المتحدث، بأن هذه الدروس التدعيمية أصبحت ظاهرة اجتماعية، من خلال التسابق بين الأسر لتعليم أبنائهم، وهي ظاهرة صحية، تؤكد تطور الوعي لدى الأسرة الجزائرية، من خلال التفكير في مستقبل أبنائها وتجاوز نظرة توفير وسائل العيش، وبالمقابل طالب السيد عمرواي من الوزارة منح المدارس للأساتذة بعد أوقات التدريس للقيام بالدروس الخصوصية، مع دفع مقابل الساعات الإضافية ومنه نفادي الانزلاقات، التي يمكن أن تحدثها تلك الدروس التي تبقى ايجابيتها كثيرة. أي مستقبل للمدرسة الجزائرية؟؟؟؟ من التربية والتكوين والتنشئة الاجتماعية إلى الإصلاحات والعنف والإضرابات والدروس الخصوصية وألوان المآزر، تبقى المدرسة الجزائرية تبحث عن نفسها وتتخبط في التحولات الكثيرة والسريعة للمجتمع، والتي يظهر بأنها أخلت بالهدف الأساسي الذي أنشئت من أجله المدرسة، فمشكلة الدروس الخصوصية قطرة من بحر أزمات قطاع التربية، وهي ناتجة عن دخول عالم المادة للقطاع، تعكس أهمية فتح نقاش وحوار شامل بين مختلف الهيئات الفاعلة دون إقصاء، من أجل مصلحة التلاميذ والجزائر، لأن سياسة الكر والفر التي ميزت القطاع أفضت إلى إنتاج مشاكل وليس حلولا للمجتمع.