لا شك أن الحديث عن العنف في مؤسسات التعليم في بلادنا، يتطلب دراية في الموضوع ومعطيات ميدانية وتقصٍ للحقائق والوقائع، حتى نكون موضوعيين في طرحنا لهذه الظاهرة التي بدأت تنخر المدرسة من الداخل، وبما أن المدرسة هي الحاضنة الثانية بعد الأسرة فهي تلعب دورا رئيسيا في مجال التربية والأخلاق بغض النظر عن فائدتها في التحصيل العلمي والمعرفي، فالمتمدرس قبل أن يكون تلميذ فإنه طفل بذاته ووجدانه، فهو يتفاعل مع المحيط الذي يتواجد فيه، من خلال المكتسبات القبلية سواء تلك التي تعلمها من أسرته أو من البيئة التي يعيش فيها ومنها المدرسة. وضع آليات مستعجلة لكن لوحظ أنه في السنوات الأخيرة برزت بعض الإشارات التي تدعو إلى القلق وتتطلب المعالجة السريعة قبل أن تستفحل، بسبب المؤثرات الخارجية التي يحاول البعض أن يلصقها بالطفل أو التلميذ لسبب أو لآخر، وأحيانا الفضول قد يدفع بالتلميذ إلى التقرب من هذه المؤثرات، وفي غياب أي حماية اجتماعية وأخلاقية قد ينجر وراءها، ويتحوّل إلى شخص منحرف أو مدمن على السموم التي لم يكن يعرفها في السابق، ويعتبره المختصون ضحية لأفعال الآخرين وحتى إن تغير سلوك الأفراد في مثل هذا السن من السادسة إلى غاية العشرين، أي من مرحلة الابتدائي إلى الثانوي مرورا بالمتوسط، وقد استوقفتني بعض الآراء التي استقيتها في الميدان، أين تمّ التأكيد على تغلغل العنف اللفظي، وحتى الجسدي بين التلاميذ أنفسهم وفي حق أساتذتهم، مما أدى في أغلبية الحالات إلى رفع نسبة التسرب المدرسي، لكن علينا الإشارة إلى أن هذه الظاهرة تختلف حدتها من منطقة إلى منطقة، ومن مرحلة إلى أخرى، فهذا يبين أن الأسباب قد تتشابه أحيانا وقد تختلف أحيانا أخرى، وهو ما يستوجب التفكير في كل حالة من هذه الحالات بغية دراستها بكل موضوعية بعيدا عن أي ضجة إعلامية لا تمت بأي صلة إلى جوهر هذه الظاهرة. المسؤولية مشتركة بين الأسرة والمدرسة أن المسؤولية الكاملة لا تتوقف فقط على القائمين على قطاع التربية، بل حتى على الأولياء والمجتمع برمته دون تمييز، كون أن الأسباب لا تستمد فقط من جانب معين بل من عدة جوانب، تربية الأسرة للطفل في المنزل، علاقته برفقائه خارج المنزل، سلوكه اليومي مع الكبار والصغار، معاملته مع الآخرين، طريقة تفكيره في الأشياء، الحصص التليفزيونية التي يداوم عليها، أفلام الكرتون هل هي من نوع الإثارة والعنف أو غيرها، اتصاله اليومي بالأنترنت، البرامج التي يتابعها.. كلها عوامل لها علاقة مباشرة بتنشئة هذا الطفل الذي يتقمص صفة التلميذ في المدرسة. الإرشاد المدرسي ضروري على المدرسة أن تمارس نشاطها بكل دقة ومتابعة يومية لسلوك التلميذ طيلة تواجده داخل حرم المؤسسة، وكيف يتعامل مع توجيهات القائمين عليه في مجال السلوك، من أساتذة ومشرفين تربويين ومرشدين نفسانيين، ومن خلال هذه المتابعة الصارمة يمكن بناء بنك معطيات يساعد على التوجيه والعلاج في حالة اكتشاف ملامح العنف في وجدان التلميذ، وبالتالي يمكن كبح جماحه من خلال المكتسبات والمعلومات السابقة، ويساهم الموظف المكلف بالإرشاد المدرسي والنفسي بتقديم النصائح من جهة، ومرافقة التلميذ من جهة أخرى في نشاطاته المدرسية والتربوية والثقافية، ويمكن في هذه الحالة توجهيه وإدماجه في الفضاءات التي تنشأ لذات الغرض، الرياضة على سبيل الذكر لا الحصر، المطالعة، الأعمال الفنية والثقافية وغيرها وهي كثيرة جدا، كما أن جهاز الإرشاد المدرسي يمكن أن يتلقى المساعدة الكاملة من قبل الأسرة التربوية من أساتذة ومشرفين، حتى يتكامل الدور التربوي والعلاجي، وتتحقق النتائج المتوخاة من هذه العملية الثقيلة كونها ترتبط ارتباطا وثيقا بما هو تربوي علاجي لظاهرة العنف متعدد الأشكال، ويمكن للمدرسة أن تقدم خدمات جليلة للأسرة وللمجتمع من خلال الكيفيات والمعاملات الإيجابية لكل عنصر من عناصر التربية الصحيحة، وعليه فإن تدعيم جهاز الإرشاد المدرسي والنفسي يبقى أولوية في نظر المختصين لأن ذلك سيساهم في بناء الاستقرار داخل المؤسسات التربوية، وينمى قدرة الانتماء والتفاعل الريجابي للتلميذ تجاه مدرسته أو مؤسسته التعليمية، وفي خضم ذلك تتبلور صورة جديدة في مخيلة التلميذ، ويتبنى حينئذ فكرة المواطنة داخل مؤسسته في الوقت الراهن ثم لوطنه مستقبلا.