كان من سُنَّة رسول الله صلى الله عليه وسلم أن يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي الأعلى والغاشية؛ فقد روى مسلم عَنِ النُّعْمَانِ بْنِ بَشِيرٍ رضي الله عنه، قَالَ: (كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ فِي الْعِيدَيْنِ وَفِي الْجُمُعَةِ بِسَبِّحِ اسْمَ رَبِّكَ الأَعْلَى، وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ الْغَاشِيَةِ). قَالَ: (وَإِذَا اجْتَمَعَ الْعِيدُ وَالْجُمُعَةُ، فِي يَوْمٍ وَاحِدٍ، يَقْرَأُ بِهِمَا أَيْضًا فِي الصَّلاَتَيْنِ). أمَّا لماذا اختار رسول الله صلى الله عليه وسلم هاتين السورتين تحديدًا فالله ورسوله صلى الله عليه وسلم أعلم، وقد حَثَّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على اتباعه في هيئة الصلاة؛ ففي رواية البخاري عَنْ أَبِي سُلَيْمَانَ مَالِكِ بْنِ الحُوَيْرِثِ رضي الله عنه، قَالَ: قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم: (.. وَصَلُّوا كَمَا رَأَيْتُمُونِي أُصَلِّي..). وكان أحيانًا أخرى يقرأ في صلاة الجمعة بسورتي الجمعة والمنافقين؛ فقد روى مسلم عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ رضي الله عنهما (أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْفَجْرِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ: الم تَنْزِيلُ السَّجْدَةِ، وَهَلْ أَتَى عَلَى الإِنْسَانِ حِينٌ مِنَ الدَّهْرِ، وَأَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم كَانَ يَقْرَأُ فِي صَلاَةِ الْجُمُعَةِ سُورَةَ الْجُمُعَةِ، وَالْمُنَافِقِينَ). وروى مسلم عَنِ ابْنِ أَبِي رَافِعٍ، قَالَ: اسْتَخْلَفَ مَرْوَانُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه عَلَى الْمَدِينَةِ، وَخَرَجَ إِلَى مَكَّةَ، فَصَلَّى لَنَا أبو هريرة رضي الله عنه الْجُمُعَةَ، فَقَرَأَ بَعْدَ سُورَةِ الْجُمُعَةِ، فِي الرَّكْعَةِ الآخِرَةِ: إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ، قَالَ: فَأَدْرَكْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه حِينَ انْصَرَفَ، فَقُلْتُ لَهُ: إِنَّكَ قَرَأْتَ بِسُورَتَيْنِ كَانَ عَلِيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ رضي الله عنه يَقْرَأُ بِهِمَا بِالْكُوفَةِ. فَقَالَ أَبُو هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: (إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقْرَأُ بِهِمَا يَوْمَ الْجُمُعَةِ). فهذا هو الأصل في السُّنَّة، ولا يمنع أن يقوم الإمام في بعض المرَّات بالمخالفة، وقراءة سور أخرى في صلاة الجمعة؛ وذلك حتى لا يظنَّ الناسُ أن الأمر فريضة، ولكن ينبغي أن يكون الأغلب هو قراءة هذه السور اتِّباعًا لفعل رسول الله صلى الله عليه وسلم. سُنَّة إسباغ الوضوء كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحبُّ الإتقان في كل شيء، وقد روى أبو يعلى -وقال الألباني: حسن- عَنْ عَائِشَةَ رضي الله عنه أَنَّ النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِنَّ اللَّهَ يُحِبُّ إِذَا عَمِلَ أَحَدُكُمْ عَمَلا أَنْ يُتْقِنَهُ). وأعظم الإتقان ما كان في العبادة، ومنه إسباغ الوضوء، يعني إتمامه وحُسن أدائه؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه: أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (إِذَا قُمْتَ إِلَى الصَّلاَةِ، فَأَسْبِغِ الوُضُوءَ..). وشرح لنا أبو هريرة رضي الله عنه إسباغ الوضوء كما كان يفعله رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عَنْ نُعَيْمِ بْنِ عَبْدِ اللهِ الْمُجْمِرِ، قَالَ: رَأَيْتُ أَبَا هُرَيْرَةَ رضي الله عنه يَتَوَضَّأُ فَغَسَلَ وَجْهَهُ فَأَسْبَغَ الْوُضُوءَ، ثُمَّ غَسَلَ يَدَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ يَدَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي الْعَضُدِ، ثُمَّ مَسَحَ رَأْسَهُ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُمْنَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ غَسَلَ رِجْلَهُ الْيُسْرَى حَتَّى أَشْرَعَ فِي السَّاقِ، ثُمَّ قَالَ: هَكَذَا رَأَيْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَتَوَضَّأُ. وَقَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم: (أَنْتُمُ الْغُرُّ الْمُحَجَّلُونَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ إِسْباغِ الْوُضُوءِ، فَمَنِ اسْتَطَاعَ مِنْكمْ فَلْيُطِلْ غُرَّتَهُ وَتَحْجِيلَهُ). وليس الأمر في تكثير الحسنات فحسب؛ بل هناك تحذير شديد من رسول الله صلى الله عليه وسلم لمن أهمل في إيصال الماء إلى أماكنه في الوضوء؛ فقد روى البخاري عَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْرٍو رضي الله عنهما، قَالَ: تَخَلَّفَ عَنَّا النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم فِي سَفْرَةٍ سَافَرْنَاهَا فَأَدْرَكَنَا -وَقَدْ أَرْهَقَتْنَا الصَّلاَةُ- وَنَحْنُ نَتَوَضَّأُ، فَجَعَلْنَا نَمْسَحُ عَلَى أَرْجُلِنَا، فَنَادَى بِأَعْلَى صَوْتِهِ: (وَيْلٌ لِلأَعْقَابِ مِنَ النَّارِ). مَرَّتَيْنِ أَوْ ثَلاَثًا. ففي هذا الموقف خشي الصحابة من خروج وقت الصلاة، وهذا معنى: (أرهقتنا الصلاة)، فأسرع بعضهم في الوضوء دون أن يُسْبِغ، فنَبَّه رسول الله صلى الله عليه وسلم على أهمية الإسباغ حتى في هذا الموقف، فينبغي للمسلم ألاَّ يتعلَّل بأن هناك ظروفًا تمنعه أحيانًا من إسباغ الوضوء؛ كدخول الوقت، أو إدراك الجماعة، أو برودة الماء، أو كثرة الثياب، أو عدم توافر مكان مريح للوضوء؛ فإن إسباغ الوضوء في هذه المكاره من أعظم القربات؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (أَلاَ أَدُلُّكُمْ عَلَى مَا يَمْحُو اللهُ بِهِ الْخَطَايَا، وَيَرْفَعُ بِهِ الدَّرَجَاتِ؟) قَالُوا: بَلَى يَا رَسُولَ اللهِ. قَالَ: (إِسْبَاغُ الْوُضُوءِ عَلَى الْمَكَارِهِ، وَكَثْرَةُ الْخُطَا إِلَى الْمَسَاجِدِ، وَانْتِظَارُ الصَّلاَةِ بَعْدَ الصَّلاَةِ، فَذَلِكُمُ الرِّبَاطُ). فلنحرص على هذه السُّنَّة النبوية العظيمة، ولنضع في أذهاننا صورتنا أمام الله يوم القيامة وقد ظهر علينا أثر الوضوء.