كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يحرص على وحدة المسلمين واجتماعهم؛ ومن ثَمَّ كان يحثُّ المسلمين بقوَّة على كلِّ ما يجمعهم ويُشْعِرهم بدفء الأخوَّة وروعتها؛ ومن ذلك حثُّه صلى الله عليه وسلم على صلاة الجماعة؛ فقد روى البخاري عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، عَنِ النَّبِيِّ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (صَلاَةُ الرَّجُلِ فِي الجَمَاعَةِ تُضَعَّفُ عَلَى صَلاَتِهِ فِي بَيْتِهِ، وَفِي سُوقِهِ، خَمْسًا وَعِشْرِينَ ضِعْفًا؛ وَذَلِكَ أَنَّهُ إِذَا تَوَضَّأَ، فَأَحْسَنَ الوُضُوءَ، ثُمَّ خَرَجَ إِلَى المَسْجِدِ، لاَ يُخْرِجُهُ إِلاَّ الصَّلاَةُ، لَمْ يَخْطُ خَطْوَةً، إِلاَّ رُفِعَتْ لَهُ بِهَا دَرَجَةٌ، وَحُطَّ عَنْهُ بِهَا خَطِيئَةٌ، فَإِذَا صَلَّى لَمْ تَزَلِ المَلاَئِكَةُ تُصَلِّي عَلَيْهِ مَا دَامَ فِي مُصَلاَّهُ: اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَيْهِ، اللَّهُمَّ ارْحَمْهُ. وَلاَ يَزَالُ أَحَدُكُمْ فِي صَلاَةٍ مَا انْتَظَرَ الصَّلاَةَ). فمع أن أركان الصلاة في صلاة الفرد وصلاة الجماعة واحدة فإن الأجر مضاعف بشكل كبير كما رأينا، وهذا لدفع المسلمين إلى الذهاب لبيت الله، ولقاء المسلمين هناك، وروى أبو داود -وقال الألباني: حسن- عَنْ أبي أمامة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (مَنْ خَرَجَ مِنْ بَيْتِهِ مُتَطَهِّرًا إِلَى صَلاَةٍ مَكْتُوبَةٍ فَأَجْرُهُ كَأَجْرِ الْحَاجِّ الْمُحْرِمِ..). ولم يُرِدْ رسول الله صلى الله عليه وسلم لمسلمٍ أن يتخلَّف عن صلاة الجماعة؛ فقد روى مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه، قَالَ: أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم رَجُلٌ أَعْمَى، فَقَالَ: يَا رَسُولَ اللهِ؛ إِنَّهُ لَيْسَ لِي قَائِدٌ يَقُودُنِي إِلَى الْمَسْجِدِ. فَسَأَلَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم أَنْ يُرَخِّصَ لَهُ، فَيُصَلِّيَ فِي بَيْتِهِ، فَرَخَّصَ لَهُ، فَلَمَّا وَلَّى، دَعَاهُ، فَقَالَ: (هَلْ تَسْمَعُ النِّدَاءَ بِالصَّلاَةِ؟) قَالَ: نَعَمْ. قَالَ: (فَأَجِبْ). فإذا كان لم يُرَخِّص لهذا الأعمى الذي لا يجد قائدًا فبدهيٌّ أنه لن يُرَخِّص لغيره؛ بل قال رسول الله صلى الله عليه وسلم ما هو أشدُّ من ذلك؛ فقد روى البخاري عَنْ أبي هريرة رضي الله عنه، أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ: (لَقَدْ هَمَمْتُ أَنْ آمُرَ بِالصَّلاَةِ فَتُقَامَ، ثُمَّ أُخَالِفَ إِلَى مَنَازِلِ قَوْمٍ لاَ يَشْهَدُونَ الصَّلاَةَ، فَأُحَرِّقَ عَلَيْهِمْ). وبعض العلماء جعل النصَّ السابق خاصًّا بصلاة الجمعة، وبعضهم جعله عامًّا على صلاة الجمعة والجماعة؛ لكن من الواضح للجميع الرغبة الشديدة عند رسول الله صلى الله عليه وسلم في دفع كل المسلمين إلى صلاة الجماعة؛ فلْنحرص على هذه العبادة العظيمة. * السنن الخمس للأذان الأذان عبادة عظيمة ليست مقصورة على المؤذِّنين؛ بل إنَّ هناك أعمالاً خمسة يقوم بها كلُّ مسلم إذا استمع للأذان: وأول هذه الأعمال ترديد الأذان؛ فقد روى البخاري ومسلم عن أبي سعيد الخدري رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (إِذَا سَمِعْتُمْ النِّدَاءَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ الْمُؤَذِّنُ). إلاَّ عند ذِكْر حيَّ على الصلاة حيَّ على الفلاح فإننا نقول: لا حول ولا قوة إلا بالله. وذلك لما رواه البخاري من أن معاوية بن أبي سفيان رضي الله عنهما (لما سمع حَيَّ عَلَى الصَّلَاةِ قَالَ: لَا حَوْلَ وَلَا قُوَّةَ إِلَّا بِاللَّهِ، وَقَالَ: هَكَذَا سَمِعْنَا نَبِيَّكُمْ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ). وثانيًا: بعد انتهاء الأذان نُصَلِّي على رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد روى مسلم عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أنه صلى الله عليه وسلم قال: (.. ثُمَّ صَلُّوا عَلَيَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا). وثالثًا: نسأل منزلة الوسيلة لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فقد قال: (.. ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِي الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لَا تَنْبَغِي إِلَّا لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ، وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِي الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ).. ورابعًا: ننطق بشهادة التوحيد، ونُعلن رضانا بالله عز وجل، ورسوله صلى الله عليه وسلم، ودين الإسلام، فقد روى مسلم عن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه عَنْ رَسُولِ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم أَنَّهُ قَالَ: (مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولًا وَبِالْإسلام دِينًا. غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ).. وخامسًا: ندعو الله بما نشاء، وهو دعاء مُجاب بإذن الله، لما رواه أبو داود والنسائي وأحمد وصححه الألباني عن عبد الله بن عمرو رضي الله عنهما أَنَّ رَجُلًا قَالَ: يَا رَسُولَ اللَّهِ إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا. فَقَالَ رَسُولُ اللَّهِ صلى الله عليه وسلم: (قُلْ كَمَا يَقُولُونَ، فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ).