هكذا يعبث النساخ بالكتاب المقدس تواصل (أخبار اليوم) عرض ملفها الخاص حول عالم التنصير في الجزائر وهذا عبر حلقات متتابعة، حيث سيتم التطرق في هذا العدد إلى حقيقة التحريف للإنجيل، مع متابعة سرد اعترافات مرتد عاد إلى الإسلام، كاشفا فيها عن حياته بين أحضان النصرانية المزيفة. تعد مسألة تحريف الإنجيل من وجهة نظرنا كمسلمين قضية محسومة لأنها وردت في القرآن الكريم في الكثير من المواضع منها قوله تعالى في الآية79 من سورة البقرة: (فَوَيْلٌ لِّلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِندِ اللّهِ لِيَشْتَرُواْ بِهِ ثَمَناً قَلِيلاً فَوَيْلٌ لَّهُم مِّمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَّهُمْ مِّمَّا يَكْسِبُونَ)، غير أن هدفنا اليوم ليس توضيح هذه القضية للمسلمين وإنما رسالتنا ستكون موجهة أكثر إلى من أضاعوا طريق الحق فاشتروا الضلالة بالهدى، لذلك فستكون جميع أدلتنا مستنبطة من نصوص الإنجيل والمراجع النصرانية المعروفة، وإن كان الأمر لا يحتاج إلى كل هذا لأن أدلة تحريف الإنجيل الذي لا يزال النصارى يعتمدونه واضحة وضوح الشمس. فلا يخفى على أحد الخلاف الشديد بين طوائف النصارى وكنائسهم في تحديد أسفار العهد الجديد الذي يمثل الأناجيل الأربعة المعتمدة والتي كتبت بعد عصر المسيح فأناجيل متى ولوقا ومرقس كتبت بعد جيلين من عصر المسيح، أما إنجيل يوحنا فبعد ثلاثة أجيال، وكل هذه الأناجيل تنسب لأصحابها ولا تنسب للمسيح عليه السلام وأكثر مواد العهد الجديد منسوبة لبولس وتلاميذه وليس للمسيح عليه السلام، زد على ذلك أن الإنجيل قد نزل بلغة المسيح وقومه وهي الآرامية على المشهور، وهذه النسخة ليست موجودة، والظن أنها أتلفت وأحرقت بعد المجمع النيقاوي مع كثير من الأناجيل المخالفة لهم، وأكثر ما يعاب على الأناجيل المعتمدة هو انقطاع أسانيدها الأمر الذي يثبت دون أدنى شك وقوع التحريف، هذا زيادة على أن هذه الأناجيل تذكر أحداثًا كثيرة جرت بعد عصر المسيح عليه السلام، وكل ما تحتويه تم نقله عن طريق الكتابة فقط دون الحفظ، وهناك الكثير من الاعترافات بحدوث التحريف ناهيك عن التصريح الواضح في الأناجيل بأنها ليست وحيًا والكم الهائل من التناقضات والاختلافات الشائعة في الأناجيل المعتمدة. الإنجيل يشهد على تحريفه المسلمون ليسوا الوحيدين الذين يقرون بتحريف الإنجيل إذ أن الكتاب المقدس ومن بعض نصوصه يؤكد هو الآخر على تحريفه ففي التثنية 31 عدد25-29 مثلا يشهد النبي موسى عليه السلام بذلك حيث يقول النص: (أَمَرَ مُوسَى اللاوِيِّينَ حَامِلِي تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ: خُذُوا كِتَابَ التَّوْرَاةِ هَذَا وَضَعُوهُ بِجَانِبِ تَابُوتِ عَهْدِ الرَّبِّ إِلهِكُمْ لِيَكُونَ هُنَاكَ شَاهِداً عَليْكُمْ. لأَنِّي أَنَا عَارِفٌ تَمَرُّدَكُمْ وَرِقَابَكُمُ الصُّلبَةَ. هُوَذَا وَأَنَا بَعْدُ حَيٌّ مَعَكُمُ اليَوْمَ قَدْ صِرْتُمْ تُقَاوِمُونَ الرَّبَّ فَكَمْ بِالحَرِيِّ بَعْدَ مَوْتِي! اِجْمَعُوا إِليَّ كُل شُيُوخِ أَسْبَاطِكُمْ وَعُرَفَاءَكُمْ لأَنْطِقَ فِي مَسَامِعِهِمْ بِهَذِهِ الكَلِمَاتِ وَأُشْهِدَ عَليْهِمِ السَّمَاءَ وَالأَرْضَ. لأَنِّي عَارِفٌ أَنَّكُمْ بَعْدَ مَوْتِي تَفْسِدُونَ وَتَزِيغُونَ عَنِ الطَّرِيقِ الذِي أَوْصَيْتُكُمْ بِهِ وَيُصِيبُكُمُ الشَّرُّ فِي آخِرِ الأَيَّامِ لأَنَّكُمْ تَعْمَلُونَ الشَّرَّ أَمَامَ الرَّبِّ حَتَّى تُغِيظُوهُ بِأَعْمَالِ أَيْدِيكُم) وورد في إرميا 8 عدد8 أيضا: (كيف تقولون نحن حكماء وشريعة الرب معنا. حقا إنه إلى الكذب حوّلها قلم الكتبة الكاذب) وهذا النص هو شهادة واضحة على وقوع التحريف الخطاب هنا من دون شك ليس موجها إلى المسلمين ولا إلى من يقولون إن الكتاب محرف ولكن الخطاب هنا إلى أتباع الكتاب المقدس يقول لهم أيها الناس إنكم حولتم كلام الرب إلى الكذب حولها قلم الكتبة الكاذب، المقصود هنا وما يعقله الناس أنه خص الكتبة وقال (قلم الكتبة الكاذب) ولم يقل إنهم أولوها على وفق هواهم، ولم يقل إنهم تركوها خلف ظهورهم ولكنه قال إن الكتبة قد حوّلوها إلى الكذب، الكتبة المختصين بالنقل والنسخ غيروها وبدلوها وحرفوها وحوّلوها إلى الكذب، كما ورد في إشعياء 30 عدد 1: (ويل للبنين المتمردين يقول الرب حتى أنهم يجرون رأيا وليس مني ويسكبون سكيبا وليس بروحي ليزيدوا خطيئة على خطيئة). النصارى يعبثون بكتابهم المقدس والعبث بالكتاب المقدس لم يعد خافيا على أحد لاسيما لما نرى الاختلافات العقائدية الواضحة بين الكنائس التي تدعي كل منها العمل بتعاليمه، غير أن الكتاب المقدس الذي بين أيدي نصارى العرب لا يتضمن بعضاً من الأسفار المقدسة التي حذفها البروتستانت والتي يقرها الأرثوذكس والكاثوليك في كافة أنحاء العالم ويؤمنون بقانونيتها. وتعرف هذه الأسفار ب(الأسفار القانونية الثانية التي حذفها البروتستانت) أما البروتستانت فيسمونها (الأبوكريفا) وهي كلمة معناها (المخفية) وهم يعتبرونها بهذا المسمى من وجهة نظرهم أسفاراً مدسوسة لأنها لا ترقى إلى مستوى الوحى الإلهي كما يقولون وهي تضم موضوعات غير ذات أهمية وخرافات لا يقبلونها وتتمثل الأسفار المحذوفة في: سفر طوبيا، ويضم 14 إصحاحا، وسفر يهوديت، ويضم 16 إصحاحا، إضافة إلى تتمة سفر أستير، وهو يكمل سفر أستير الموجود في طبعة دار الكتاب المقدس ويضم الإصحاحات من 10 _ 16، وسفر الحكمة لسليمان الملك ويضم19 إصحاحا، وسفر يشوع بن سيراخ ويضم 51 إصحاحا، وسفر نبوة باروخ ويضم 6 إصحاحات إلى جانب تتمة سفر دانيال وهو مكمل لسفر دانيال طبعة دار الكتاب المقدس ويشمل بقية إصحاح 3، كما يضم إصحاحين آخرين هما 13 14، وسفر المكابين الأول، ويضم 16 إصحاحا، وسفر المكابين الثاني ويضم 15 إصحاحا. إضافات وتعديلات تنسب إلى الله ولا يقتصر عبث النصارى بكتابهم المقدس على حذف أسفار لم ترق لهم وإنما تعدى الأمر ذلك إلى زيادة كلمات ونصوص إلى كتابهم الذي يدعون أنه وحي من الله وهو ما أكدته دراسات بعض المتخصصين من رجال دين نصرانيين وهيئات غربية، حيث يقول عالم الإنجيل والخبير في بدايات النصرانية في كتابه (تحريف أقوال يسوع): (فإنَّ معظم الكتب لم يتمَّ إصدارُها بكميات كبيرة. والكتب القليلة التي تم إصدارُ نسخٍ عديدةٍ منها لم تكن متطابقة إذ إنه لابد أن يكون الناسخون الذين نسخوا تلك النصوص،.. قد قاموا بإدخال تعديلات عليها مبدِّلين الكلمات أثناء نسخها، إما عن طريق الخطأ زلات الأقلام وغيرها من صور الإهمال أو عمداً عندما يقصد الناسخ تغيير الكلمات التي ينسخها)، كما ورد في الترجمة اليسوعية في الصفحة 35: (والجدير بالذكر أن بعض النساخ الأتقياء أقدموا بإدخال تصحيحات لاهوتية على تحسين بعض التعابير التي كانت تبدو لهم معرضة لتفسير عقائدي خطير)، ويرى القس ماهر إسحاق في كتابه مخطوطات الكتاب المقدس بلغاته الأصلية أن (معظم فروق القراءات بين المخطوطات يمكن أرجاعها إلى تغييرات حدثت عن غير دراية من الناسخ أو قصد منه خلال عملية النساخة)، وقد طال التحريف أهم نص على الثالوث في رسالة يوحنا الأولى 7:5 (فإن الذين يشهدون في السماء هم ثلاثة: الآب، والكلمة، والروح القدس. وهؤلاء الثلاثة هم واحد) وهو النص الذي يستدل به كل القساوسة والاآباء على اثبات الثالوث ولكن المفاجأة أن النص مضاف من أحد النساخ ، الأمر الذي أكده أكبر مرجع نصراني وهو دائرة المعارف الكتابية تحت عنوان اختلافات مقصودة حيث ورد النص كالتالي (وقد حدثت أحياناً بعض الإضافات لتدعيم فكر لاهوتي، كما حدث في إضافة عبارة (واللذين يشهدون في السماء هم ثلاثة)، حيث أن هذه العبارة لا توجد في أي مخطوطة يونانية ترجع إلى ما قبل القرن الخامس عشر، ولعل هذه العبارة جاءت أصلاً في تعليق هامشي في مخطوطة لاتينية، وليس كإضافة مقصودة إلى نص الكتاب المقدس، ثم أدخلها أحد النسَّاخ في صلب النص. ولم يقف التحريف عند حذف أو زيادة عبارة أو كلمة بل وصل إلى إدخال إصحاحات كاملة تم إدخالها فى الكتاب المقدس لم تكن موجودة فى الأصل مثل الاصحاح الأخير في إنجيل يوحنا، ويرى الآب فاضل سيداروس اليسوعي في كتاب (تكوين الأناجيل) أن من أكبر الأدلة على التحريف هو تلك النصوص المنقوصة في الكتاب والتي وضع مكانها نجوم أو نقاط أو تُركت فارغة في أكثر من أربعين موضعا في أغلب نسخ الكتاب مدعين أنها لم تكن واضحة في المخطوطة الأصلية لذلك ومن باب الأمانة وضع النساخ مكانها نجوم أو خطوط. علماء نصارى يثبتون تحريف الإنجيل وقد توصل علماء نصارى إلى اثبات التحريف الذي مس الأناجيل الأربعة المعتمدة حيث يرى فاستس وهو من علماء فرقة ماني كيز عاش في القرن الرابع الميلادي أن العهد الجديد قد مسه التحريف ، وينقل عنه (لاردنر) في تفسيره عن (أكستاين) قوله في ذلك: (أنا أنكر الأشياء التي ألحقها في العهد الجديد آباؤكم وأجدادكم بالمكر، وعيبوا صورته الحسنة وأفضليته؛ لأن هذا الأمر محقق: إن هذا العهد الجديد لم يصنفه المسيح ولا الحواريون، بل صنفه رجل مجهول الاسم، ونسبه إلى الحواريين ورفقاء الحواريين خوفاً عن أن لا يعتبر الناس تحريره ظانين أنه غير واقف على الحالات التي كتبها، وآذى المريدين لعيسى إيذاءً بليغاً بأن ألف الكتب التي يوجد فيها الأغلاط والتناقضات) وقد طعن فاستن بذلك في مصداقية الأناجيل المعتمدة والمتداولة اليوم بين النصارى، وهذا المسلك لم يكن محصورا على فرق عدتها الكنائس شاذة ومبتدعة واتهمتها بالهرطقة والشذوذ، بل إنه تجاوز ذلك ليشكل قناعات لدى مفسرين ومؤرخين مقبولين لدى النصارى كافة، ومن هؤلاء سلسوس الذي يعد من علماء القرن الثاني والذي يقول بأن النصارى قد بدلوا أناجيلهم ثلاث مرات أو أربع مرات، بل أزيد منها تبديلا كأن مضامينها أيضا بدلت. هيئات علمية تؤكد: (الإنجيل مزور). ومن جانب آخر أكدت العديد من الهيئات العلمية النصرانية أن الإنجيل قد تعرض إلى التحريف وقد كانت دائرة المعارف البريطانية الأكثر وضوحاً وصراحة في اعترافاتها، فقالت عن إنجيل يوحنا: (أما إنجيل يوحنا فإنه لا مرية ولا شك كتاب مزور، أراد صاحبه مضادة اثنين من الحواريين بعضها لبعض، وهما القديسان يوحنا بن زبدى الصياد ومتى، وقد ادعى الكاتب المزوَّر في متن الكتاب أنه هو الحواري الذي يحبه يسوع، فأخذت الكنيسة هذه الجملة على علاَّتها، وجزمت بأن الكاتب هو يوحنا الحواري، مع أن صاحبه غير يوحنا الحواري يقيناً، ولا يخرج هذا الكتاب عن كونه مثل بعض كتب التوراة التي لا رابط بينها وبين من نسبت إليه، وإنا لنشفق على الذين يبذلون أقصى جهدهم ليربطوا ولو بأوهى رابطة ذلك الرجل الفلسفي الذي ألف هذا الكتاب في الجيل الثاني بالحوارى يوحنا الصياد الجليلي، وأن أعمالهم تضيع عليهم سُدى لخبطهم على غير هدى)، ويرى ملحق اكسفورد للكتاب المقدس في هذا السياق أن (إنجيل يوحنا يشكل وحدة أدبية يمكن تحليلها وفقاً لمفهوم البناء المسرحي. ولكن، وعلى الرغم من التوافق الذي عليه الإنجيل بين أيدينا اليوم، فإنه يوجد بعض المعالم التي تشير إلى أنه قد أُنجِز من خلال مراحل من التعديل. فعلى سبيل المثال يوجد اختلاف في الأسلوب واللغة في إصحاحات مختلفة من الإنجيل وخاصة الإصحاح الأول والإصحاح الواحد والعشرين). كما كتب مؤلفو كتاب (الترجمة المسكونية للعهد الجديد) وهم أكثر من مائة متخصص من الكاثوليك والبروتستانت فقالوا: (لقد جمع المبشرون وحرروا، كل حسب وجهة نظره الخاصة، ما أعطاهم إِياه التراث الشفهي). وبشهادة الموسوعة البريطانية فإِن جميع النسخ الأصلية للعهد الجديد التي كتبت بأيدي مؤلفيها الأصليين قد اختفت، وأن هناك فاصلاً زمنيًا لا يقل عن مائتين أو ثلثمائة سنة بين أحداث العهد الجديد وتاريخ كتابة مخطوطاته الموجودة حاليًا، حيث وتقول في ذلك: (إِن جميع نسخ الكتاب المقدس قبل عصر الطباعة تظهر اختلافات في النصوص .. وإِن مقتبسات آباء الكنيسة من كتب العهد الجديد، والتي تغطيه تقريبًا، تظهر أكثر من مائة وخمسين ألفًا من الاختلافات بين النصوص).