الجزائر وعلى غرار الدول العربية الأخرى تأثرت بالدراما التركية، تلك الدراما التي خطفت الأضواء والعقول وضعفت أمامها الدراما المكسيكية والمصرية اللتان كانتا تطغيان على مشاهدة كبيرة بالبيوت الجزائرية، بحيث دأبت الفضائيات العربية على الضخِّ الإعلامي المبرمج للدارما الاجتماعية، ولكن للأسف دون ترشيد إعلامي ووعي حضاريٍّ يرعى حقوق العائلة وقيمها المستمدة من الشرع الحنيف والقيم الدينية. دمار للروابط الأسرية وظهر في الفضاء الإعلامي ما يعرف بالمسلسلات المكسيكية المدبلجة التي لا تَمُتُّ بصلة للعائلة العربية ضاربة عرض الحائط بكل المثل والقيم الإنسانية منها، فضلاً عن الدينية والأخلاقية، ثمَّ لما استنفدت أغراضها أو ملَّ منها المشاهد العربي ولم تحظَ بالقبول الكافي وتناقص أعداد المشاهدين تلتها المسلسلات التركية التي لا تقلّ شرًّا عن سابقتها بل كانت أشد أثرًا وأسوأ عاقبة على المجتمع للقرب الزمانِي والمكاني والاجتماعي من المجتمع العربي في بعض العادات والتقاليد وضربت على الوتر الرومانسِي الذي لا يهيج الغرائز فحسب بل يُشوِّه معالم الجمال فيها ويدمِّر العلاقات الأسرية بشكل مكشوف عن طريق الترويج الواضح للخيانة الزوجية وعقوق الوالدين وغير ذلك من المفاسد التي لا تخفى على المتابع. وحين حظيت المسلسلات التركية بما لم تحظَ به سابقتها المكسيكية من رصيد مشاهدة يقلّ نظيره في الدراما العربية والعالمية ظهر لون آخر من المسلسلات المدبلجة وروجت الفضائيات العربية له ترويجًا مقيتًا لدرجة اضطرت السياسي التركي للتدخل لمحاكمة هذا النوع من التشويه المتعمد لتاريخ العثمانيين بما لم يشهده تاريخ الدراما. حريم السلطان ...رداءة تخطف الأضواء حيث برز على سطح الفضاء العربي بشكل مثير للاشمئزاز مسلسل (حريم السلطان) الذي يسلط الضوء على تاريخ أبرز سلاطين بني عثمان سليمان القانوني الذي يحكي تاريخه قصة رمز عظيم من رموز الأتراك، والذي غيَّر مجرى التاريخ باستلامه أزمة الحكم، لكن فضاء الإعلام العربي حرص على نشر صورة مشوهة بشكل مقزِّز لرجل همُّه شهواته ونزواته ولا همَّ له في الحكم إلا بما يحكي قصة ظالم متجبر مريض بجنون العظمة ومتشبثّ بعلاقاته الجنسية حدّ الهوس فتحول من رمز عظيم إلى مجرد (زير نساء) كصورة عربية مطورة. وبصرف النظر عن هذا التشويه المكشوف والمتعمد من قبل مخرجي هذه الدراما ومنتجيها، فإنَّ من المؤسف أن تتلقف الفضائيات العربية في غيض من فيض هذا العمل دون وعي وتمييز بين ما يصح عرضه وما لا يصح، وما يجوز وما لا يجوز وعلى الأقل مراعاة الذوق العربي والإسلامي والإنساني العام. على الإعلام العربي أن يلتزم بميثاق شرف يحمي الجيل الجديد من التلوث الفضائي الحديث قبل القديم بدل أن يتحوّل إلى ألعوبة في كفِّ أنثى شقية متسلطة تخرج من رحم تسلط الذكورية العربية الفضائية وتقلب فضاءاتها إلى مرقص مفتوح على جثث القيم. وبين (حريم السلطان) و (سلطان الحريم ) يبقى المشاهد مشدوهًا نحو مفاجآتٍ كثيرةٍ وكبيرة في حيرةٍ من أمره وإشفاقٍ على الجيل الجديد الذي تزاحمت عليه أضواء الفضاء العربي بما يفوق طاقته الذهنية، فهل يمكن للإعلام العربي أن يصدمه بأكثر من ذي قبل في أعزِّ ما يملك من دين وقيم وكرامة إنسانية.