تتكرر الابتلاءات وتكثر في أمتنا الإسلامية، وذلك نتيجة الصراع الدائر بين الخير والشر، وبين أهل الحق وأهل الباطل، من بداية الخلق، فالابتلاء سنة مستمرة. وقد زادت حدة الابتلاءات بعد بعثة النبي محمد صلى الله عليه وسلم، وتعددت المحن، وتنوعت المصائب، وكثرت المشكلات أمام الأفراد، وتعقدت الأزمات المتوالية أمام الجماعة الإسلامية الأولى، وقد ثبت الله تعالى نبيه صلى الله عليه وسلم، وثبت الصحابة الكرام أمام التعذيب والمحن في الفترة المكية، وصبروا على الابتلاءات، وهذا يدفع المسلمين عموما للصبر والتحمل والثبات. فالمسلمون الأوائل واجهوا المصاعب والمتاعب، وصبروا على المحن، وتجاوزا العقبات، وتغلبوا على المشكلات وصبروا على الابتلاءات، وكانوا دائما على مستوى التحديات حتى بعد التمكين وتأسيس الدولة في المدينة النبوية التي واجهت ابتلاءات أشد، وحروبا أقسى، وفتنا أكبر، وخططا ماكرة مستمرة، تريد اقتلاع الدولة الناشئة واستئصال شأفتها، لكن المسلمين صبروا، وأخذوا بأسباب النصر الحقيقية، واعتصموا بحبل الله المتين، و تمسكوا بدينهم، فوفقهم الله تعالى ونصرهم على أعدائهم، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِن تَنصُرُوا اللَّهَ يَنصُرْكُمْ وَيُثَبِّتْ أَقْدَامَكُمْ) سورة محمد. تلاحق الابتلاءات في الأمة الإسلامية وقد يتساءل بعض الناس لماذا تكثر الابتلاءات في أمة الإسلام، وكل يوم تزداد الصراعات بين الأفراد، أو الجماعات، وتشتعل الحروب وتكثر النزاعات، خصوصا بعد كثرة انتشار المذاهب المنحرفة كالمذهب الشيعي، والذي صار له دولة حديثة في إيران، منذ قرابة خمس وثلاثين سنة، وتحاول أن تبسط نفوذها وتوسع رقعتها، وتستخدم أساليب كثيرة ومنوعة لذلك، كما تثبت ذلك الأحداث الجارية التي تعتبر نوعا من الابتلاءات التي تتعرض لها الدول، فهل لهذا فوائد؟. الابتلاءات لها فوائد عديدة، على مستوى الفرد والجماعة، قد يبتلى الله تعالى العبد بمن يظلمه أو يؤذيه؛ إما لتكفير ذنوبه، أو رفعة درجاته، أو لغير ذلك من الحِكم والمصالح، وإذا حاول العبد أن يتذرع بالصبر، ويعتصم بالله تعالى ويتوكل عليه، ويحرص على طاعته، ويدعوه ويستعين به للخروج من الأزمة، لكي ينجح في حل المشكلة التي واجهته أو المصيبة لتي ألمت به. ولابد للمؤمن أن يستسلم لقضاء الله وقدره، وأن يصبر على ما كتبه الله عليه، فعليه إذا أصابته مصيبة الإكثار من قول: (إنا لله وإنا إليه راجعون) حتى يبشره الله تعالى بالفرج: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ، الَّذِينَ إِذَا أَصَابَتْهُم مُّصِيبَةٌ قَالُواْ إِنَّا لِلّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعونَ، أُولَئِكَ عَلَيْهِمْ صَلَوَاتٌ مِّن رَّبِّهِمْ وَرَحْمَةٌ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُهْتَدُونَ) سورة البقرة 155، و156. لا بد أن نعلم أن الله تعالى إذا أحب عبدا ابتلاه، كما قال في الحديث: (عِظَمُ الجزاءِ معَ عِظَمِ البلاءِ، وإنَّ اللَّهَ إذا أحبَّ قومًا ابتلاَهم فمن رضيَ فلَهُ الرِّضا ومن سخِطَ فلَهُ السُّخط) رواه الترمذي وغيره، وحسنه الألباني. فإذا استطاع المسلم الوقوف في وجه الأزمة، أو التغلب على المشكلة، ونجح في ذلك فسوف يمنحه هذا قوة، ويزداد صلابة، ويستطيع أن يواجه مصائب أكبر، ويتغلب على مشكلات أشد، ولا تستولي عليه الأحزان، أو تغلبه الهموم، أو يشعر باليأس والإحباط، خصوصا إذا تأسى بما فعلت أم سلمة رضي الله عنها، قالت: سمعتُ رسولَ اللهِ صلَّى اللهُ عليه وسلَّمَ يقول: (ما من عبدٍ تصيبُه مصيبةٌ فيقول: إنا لله وإنا إليه راجعون. اللهمَّ! أْجُرْني في مصيبتي وأَخلِفْ لي خيرًا منها، إلا أجَره اللهُ في مصيبتِه، وأَخلِفْ له خيرًا منها) رواه مسلم. ومن فوائد وقوع الابتلاء للأمة: تمييز الصفوف، بين الصابرين والمجاهدين، وبين غيرهم من القانطين واليائسين، والابتلاء أيضا يتم به تطهير المؤمنين، قال تعالى: (ذَلِكَ وَلَوْ يَشَاء اللَّهُ لَانتَصَرَ مِنْهُمْ وَلَكِن لِّيَبْلُوَ بَعْضَكُم بِبَعْضٍ) سورة محمد4. فالابتلاء يعمل على اصطفاء العناصر القوية الصالحة، التي تعمل بإخلاص وابتغاء مرضاة الله تعالى؛ لنصرة دينه وإعلاء كلمته، قال تعالى: (وتلك الأيام نداولها بين الناس وليعلم الله الذين آمنوا، ويمحق الكافرين) أل عمران 141. والابتلاء يربط بين المؤمنين برباط قوي عقلي وعاطفي؛ لأن الإنسان ينسى من يشاركه في المناسبة السعيدة، ولكنه لا ينسى من شاركه في الألم والمصيبة. والابتلاء: يجعل المسلم مستعدا دائما لملاقاة الله تعالى، فإذا علم المؤمن أنه سيبتلى، فإنه يبقى دائماً على حذر وخوف من الله عز وجل، وهذا يدعوه إلى إحسان العمل، والإقبال على الطاعات، وترك المعاصي وهجر المنكرات، والحرص على أن ينصر الله تعالى في نفسه، حتى يستحق أن يتنزل عليه نصر الله عز وجل.