في طريق الهجرة النبوية المشرفة، وعندما وصل النبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله إلى الجنوب الغربي من المدينةالمنورة، نزل النبي صلى الله عليه وآله وسلم بمنطقة يقال لها (قباء) في بني عمرو بن عوف، فأقام فيهم أربع عشرة ليلة، قبل أن يصل إلى المدينةالمنورة، وأسس مسجد قباء، الذي يعد أول مسجد أسس في الإسلام. وشارك الرسول صلى الله عليه وآله وسلم في عملية البناء لهذا المسجد بنفسه وشاركه الصحابة رضوان الله عليهم أيضًا في عملية البناء، وكان صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله أول من وضع حجراً في قبلة هذا المسجد الشريف، ومعه أسيادنا أبو بكر وعمر وحمزه رضي الله عنهم، وشاركوه بوضع حجر المسجد. وقد امتدح الله سبحانه وتعالى مسجد قباء في القرآن الكريم، ووصفه بأن مسجد أسس على التقوى من أول يوم، يقول تعالى: (لَّمَسْجِدٌ أُسِّسَ عَلَى التَّقْوَى مِنْ أَوَّلِ يَوْمٍ أَحَقُّ أَن تَقُومَ فِيهِ فِيهِ رِجَالٌ يُحِبُّونَ أَن يَتَطَهَّرُواْ وَاللّهُ يُحِبُّ الْمُطَّهِّرِينَ). وجاءت هذه الآية تنهى النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يصلي في المسجد الذي بنى ضرارا، مضارة ومناوأة لمسجد قباء، وكان قد بناه جماعة من المنافقين يتخذونه وكرا للفتن والفساد وتفريق لكلمة المؤمنين، وحتى يجذبون المسلمين إليه بدلًا من مسجد قباء، وأمر الله نبيه الكريم صلى الله عليه وآله وسلم بالقيام والصلاة في مسجده، وفي مسجد قباء، الذي أسس على التقوى من أول يوم فهو أحق أن يقوم فيه. ولمسجد قباء فضل عظيم، فقد ورد فيه قول الحبيب محمد صلى الله عليه وآله وسلم: (من تطهر في بيته ثم أتى مسجد قباء وصلى فيه كان له كأجر عمرة)، كما ورد في صحيح البخاري وصحيح مسلم أن النبي عليه الصلاة والسلام وعلى آله كان يأتي مسجد قباء كل يوم سبت ماشيًا وراكبًا فيصلي فيه ركعتين. وقد جاء عن الصحابة رضوان الله عليهم ما يدل على اهتمامهم بالصلاة في مسجد قباء، والحث عليها فعن سعد بن أبي وقاص رضي الله عنه قال: (لَأَنْ أصلي في مسجد قباء أحب إلي من أن أصلي في بيت المقدس).