نستهل موضوعنا هذا بحديث نبوي شريف يقول صلى اللّه عليه وسلم: (من تزوج فقد أحرز شطر دينه فليتق اللّه في الشطر الآخر). ولفظ الزواج في المعنى اللغوي عند العرب هو اقتران أحد الشيئين بالآخر وارتباطه بالآخر بعد أن كانا منفصلين، ثم شاع لفظ الزواج في اقتران الرجل بالمرأة لتكوين أسرة فصار عند الإطلاق لا يراد منه إلا ذلك. ومن ذلك قوله تعالى (وزوجناهم بحور عين). وقوله سبحانه: (وإذا النفوس زّوجت) أي قرنت. والزواج في المعنى والاصطلاح الشرعي: عقد لتكوين الصلة والعلاقة بين الرجل والمرأة بصفة شرعية، ولفظ الزواج يطلق عليه لفظ النكاح وكثر استعمال القرآن والفقهاء للفظ النكاح في ذلك عن لفظ الزواج وعلى ذلك يكون مدلول لفظي الزواج والنكاح في لسان الشرعيين واحد ويراد به الوطء عند الحنيفة، وبراد به عقد الزواج عند الشافعية. وعليه فإن لهذا العقد أهمية عظيمة وأثر كبير لما يترتب عليه من أحكام النسب والميراث، وتوثيق الصلات. وقد نجد مند أن خلق اللّه الإنسان أن اتصل الرجل بالمرأة قد شرعه اللّه على ألسنة أنبيائه ورسله لقوله تعالى: (ولقد أرسلنا رسلاً من قبلك وجعلنا لهم أزوجًا وذريّة). أما فيما يتعلق الأمر بتعداد الزوجات، فقد شرع اللّه تعالى للرجل تعدد الزوجات شريطة أن يعدل بينهن وغير مقصورة على زوجة واحدة في الحد المقرر شرعا وهو أربعة زوجات، أما المرأة فمحظور عليها تعدد الأزواج حتى لا تختلط الأنساب. وعقد الزواج يختلف عن العقود الأخرى، بل هو عهد وميثاق بين الزوجين يربط بينهما برباط المودة والرحمة مدى الحياة حتى تصير شخصا يدافع كل واحد منها على الآخر ويألم كل منهما بألم الآخر وقد أرشد اللّه ذلك إذ يقول سبحانه وتعالى: (هنّ لباس لكم وأنتم لباس لهنّ). والنوع الإنساني لا يتحقق إلا بالزواج لأنه المنشئ للأسرة والأسرة هي الوحدة الأولى لبناء المجتمع، حيث يكتسي الزواج في الإسلام أهمية بالغة وعناية خاصة لم تتوفر في غيره، فقد أحاطه بالرعاية في جميع مراحله من وقت التفكير فيه إلى وقت إنشائه وانتهائه. لقد نظم الشارع أموره وبين أحكامه ووضع الأسس التي تقوم عليه، تشهد بذلك النصوص القرآنية والأحاديث النبوية المتعلقة بمسائل الزواج فقد جعله اللّه آية من آياته؛ ونعمة من نعمه على خلقه فيقول تعالى: (والله جعل لكم من أنفسكم أزواجًا وجعل لكم من أزواجكم بنين وحفدة ورزقكم من الطيبات). سورة النحل الآية (72) ويقول جل وعلا: (ومن آياته أن خلق لكم من أنفسكم أزواجًا لتسكنوا إليها وجعل بيْنكم مودة ورحمة إنّ في ذلك لآيات لقوْم يتفكرون). سورة الروم الآية (21). لقد خلق اللّه الإنسان وجعله خليفة له في هذه الحياة الدنيوية لعمارة الكون وعمارة الكون متوقفة على وجود الزواج لكونه طرق التوالد والتناسل والتكاثر وترتبط الأسرة برباط وثيق متين قائم على المودة والرحمة، ثم إن الإنسان لا يستقيم حاله ولا تطمئن حياته إلا باستقرار شؤونه المنزلية وانتظام أحواله المعيشية ولا يتحقق ويأتي هذا الاستقرار والاطمئنان إلا بوجود شريكة له تكون معوانا عضدا، ترعى أموره وتسهر على مطالبه وتحيطه بالرعاية وتحفظه في نفسها وماله. وكذلك الزواج يحفظ الأسر من المضار والمفاسد الاجتماعية ويحميها من الانحلال فهو يحمي الأنساب من الضياع ويحفظ النسل والذرية من الضياع ويرسي قواعد القرابة والمواريث على الأسس السليمة ويقضي على التشرد الاجتماعي طالما عانت منه الإنسانية ولا تزال تعاني منه. فالزواج يغرس في الإنسان كثيرا من الصفات والخصال الحميدة والشمائل الفاضلة والأخلاق الكريمة والشعور بالمسؤولية، ولم تقتصر منافع الزواج في الحياة الدنيا (الدنيوية) إنما تعدت إلى ما بعد الموت فإن الإنسان إذا مات انقطع عمله إلا من ثلاث: صدقة جارية أو علم ينتفع به أو ولد صالح يدعو له). إن من سنن اللّه الكونية أنه جعل المخلوقات في حاجة بعضها إلى بعض من ثم نجد أن الرجل والمرأة مرتبطان بناموس الحياة ارتباطا أزليا. لذلك فالزواج نظام إلهي شرعه اللّه لخير الإنسانية ولمصلحة المجتمع البشري في إقامة دعائم الأسرة التي هي عماد الأمة لهذا يقتضي على الدولة أن تعتني بالأسرة اجتماعيا وثقافيا وتربويا وصحيا بغية إنشاء أسرة مسلمة، متماسكة ومتلاحمة ومتآزرة ومتعاونة على الخير ومتحضرة، باعتبارها المغرس الأول والخلية الأساسية واللبنة الأولى لبناء مجتمع قوي قائم على حضارة متكاملة الأعمدة. وإذا صلحت الأسرة صلح المجتمع وصلحت الدولة؛ لأن تطور وتقدم الأمم والشعوب والمجتمعات مرهون بمدى اهتمام واعتناء الدولة بالمدرسة الأولى ألا وهي الأسرة.