هناك كثير من الشباب المُقبل على الزواج إذا سألته عن الهدف والغاية المرجوّه من الزواج فإنك قد لا تجد لديه إجابة واضحة عن سؤالك، أو قد تجده يفهم الزواج فهما خاطئا أو قاصرا، فمنهم من يرى أن الزواج متعة وشهوة جسدية فحسب، ومنهم من يرى أنه سبيل للإنجاب والتفاخر بكثرة الأولاد، ومنهم من يرى أنه فرصة للسيطرة والقيادة وبسط النفوذ، ومنهم من يرى أنه فرصة لإعفاف النفس وتكثير سواد المؤمنين، ومنهم من يرى أنه عادة توارثها الأبناء عن الآباء، وقليل منهم من يرى أنه رسالة ومسئولية عظمى، وتعاون مستمر، وتضحية دائمة في سبيل إسعاد البشرية وتوجيهها إلى الطريق السليم، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ) (الحجرات: 33)، وقال تعالى: (وَمِنْ آيَاتِهِ أَنْ خَلَقَ لَكُم مِّنْ أَنفُسِكُمْ أَزْوَاجًا لِّتَسْكُنُوا إِلَيْهَا وَجَعَلَ بَيْنَكُم مَّوَدَّةً وَرَحْمَةً إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ) (الروم:21). فالزواج في الإسلام له حِكَمٌ وفوائد عديدة منها أنه أعظم رباط إنساني يجمع بين شخصين، ولهذا سماه القرآن الكريم ميثاقاً غليظاً، قال تعالى: (وَكَيْفَ تَأْخُذُونَهُ وَقَدْ أَفْضَى بَعْضُكُمْ إِلَى بَعْضٍ وَأَخَذْنَ مِنْكُمْ مِيثَاقاً غَلِيظاً) (النساء: 122)، والإسلام يعتبر الزواج شِرعة دينية وسنة اجتماعية وسنة كونية، كما أنه سكن وأمان للطرفين، قال الله تعالى: (وَجَعَلَ مِنْهَا زَوْجَهَا لِيَسْكُنَ إِلَيْهَا) (الأعراف: 189). ومنها تكثير نسل الأمة، فعن معقل بن يسار أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (تزوجوا الودود الولود فإني مكاثر بكم الأمم) رواه أبو داود، وفيه غض للبصر وإحصان للفرج؛ عن ابن مسعود رضي الله عنه أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (يا معشر الشباب؛ من استطاع منكم الباءة فليتزوج فإنه أغض للبصر و أحصن للفرج ومن لم يستطع فعليه بالصوم فإنه له وِجاء) رواه البخاري. وفيه امتثال أمر الله تعالى ورسوله في الحث على النكاح، فقد قال تعالى: (َلَقَدْ أَرْسَلْنَا رُسُلاً مِنْ قَبْلِكَ وَجَعَلْنَا لَهُمْ أَزْوَاجًا وَذُرِّيَّةً) (الرعد: 38)، وقال: (فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلاَثَ وَرُبَاعَ) (النساء: 3). ولقول النبي صلى الله عليه وسلم: (من استطاع منكم الباءة فليتزوج). كما أن الزواج يجمع الرجل بالمرأة الصالحة، وبذلك يُحصّل خير متاع الدنيا الذي يدوم له في الآخرة، قال النبي صلى الله عليه وسلم: (الدنيا متاع وخير متاع الدنيا المرأة الصالحة). هذه أهم أهداف الزواج التي يُبنى عليها، والرجل والمرأة اللذان لا يعرفان ولا يحددان الهدف من الزواج فإنهما لن يعرفا حق كل منهما على الآخر، فعلى الرجل أن يعلم أن له حقوقاً على زوجته والتي منها طاعة الزوج في غير معصية، وحفظ غيبة الزوج في نفسها وماله، وأن ترعى ماله وولده وتحافظ عليهما، وأن تتزين له وأن تبتسم في وجهه ولا تعبس في وجهه، وأن لا تصوم تطوعاً إلا بإذنه، وأن ترضى باليسير وأن تقنع بالموجود وأن لا تكلفه من النفقة ما لا يطيق، وألا تمنع نفسها منه متى طلبها للفراش، و أن لا تسأل الطلاق من غير بأس، وأن تلزم بيته فلا تخرج منه إلا بإذنه ولو إلى المسجد، ومن حق الرجل على المرأة أن لا تأذن في بيته إلا بإذنه، وأن لا تنفق شيئاً من بيتها إلا بإذنه، وعليها وُجوب خدمة المرأة لزوجها. كما أن على المرأة أن تعرف أن لها حقوقاً على زوجها ينبغي له لأن يِديها لها والتي منها المعاشرة بالمعروف وحسن الخلق، والمهر والنفقة والسكنى، والقوامة عليها، وحق المبيت والمعاشرة وقضاء الوطر، والتأدب في معاملتها وعدم التعرض للوجه بالضرب أو التقبيح، وعدم الهجر في غير البيت، ومداراتها وملاطفتها، وأن يصبر عليها ويتحمل الأذى منها وأن يعفو عن زلاتها، وأن لا يُنقب عن عثراتها وتتبع أخطائها، وأن يُعين الزوجة في أمور الدنيا والآخرة، وأن يحفظها ويصونها عن كل ما يخدش دينها وشرفها، وأن لا يُفْشِي سِرَها وألا يذكر عيبها. ولا بد أن تكون هناك واقعية في المطالبة بالحقوق وأداء الواجبات، فليس من حسن العشرة أن يُكلّف الزوج امرأته شططاً، وينهكها في تحقيق حقوقه تعباً، بل عليه أن يسلك هدياً قاصداً، ويتغاضى عن بعض حقوقه في سبيل تحقيق المهم منها، إحساناً للعشرة وتخفيفاً على الزوجة، وكذا حال المرأة مع زوجها لتستديم محبته، وتكسب ثقته ومودته، والواقعية في هذا قد نبه عليها الشاعر بقوله: فسامح ولا تستوف حقك كله* * وأبْقِ فلم يستوف قط كريم ولا تَغْلُ في شيء من الأمر واقتصد* * كِلا طرفي قصدِ الأمور ذميم فلا بد أن يحدد الزوجان هدفهما من الزواج، ولا يجعلا التوافه تغلبهما عن تحقيق الأهداف الكبرى من الزواج.