* (أنا متأكّد أن موسم الحجّ لن ينجح) * (أنا ضد وضع أموال الزكاة في الصناديق في المساجد) * (سنة 2007 وقع أوّل شرخ بين الشريعة والقانون في قانون الأسرة) * (المجلس الإسلامي الأعلى.. هيكل دون روح) قال الشيخ الأمين ناصري، إمام مسجد (الفتح) بالشرافة، بالجزائر العاصمة، في حوار جمعه ب (أخبار اليوم) إن المجتمع يعيش انحدارا أخلاقيا كبيرا، مستبعدا نجاح موسم الحجّ هذه السنة ومستهجنا فكرة تنصيب تمثال خاص بالشيخ عبد الحميد ابن باديس في تظاهر قسنطينة عاصمة للثقافة العربية، معتبرا إيّاها إهانة له، لأن الشيخ رحمه اللّه كان ضد هذه الأفكار في حياته لأنه كان يعلم لأنها حرام، وأن كلّ ما تعرّض له من إساءة من طرف النّاس سببه المسؤولون عن التظاهر الذين وضعوه لهدف تجاري محض. كما قال ناصري إن أوّل تعارض وقع في قانون الأسرة والشريعة كان سنة 2007، وعبّر عن رأيه في العديد من المسائل الأخرى. حاورته: عتيقة مغوفل * أوّلا شيخ ما تعليقكم على الإهانة التي تعرّض لها الشيخ عبد الحميد ابن باديس في ذكرى يوم العلم من خلال سخرية بعض السفهاء من تمثاله؟ *** لقد أحدث ذاك التمثال الذي نُحت خصّيصا لتظاهر قسنطينة عاصمة للثقافة العربية ضجّة كبيرة واستهتزاء بعض الشباب به من خلال وضع سيجارة في فمه أمر غير معقول ولا يتقبّله العقل، وهو عمل تجاري أكثر منه ثقافي، وربما حتى الشابّ الذي وضع له السيجارة في فمه يعلم جيّدا أن الشيخ عبد الحميد لا يدخّن، لكن يجب أن أذكّركم بشيء مهمّ جدّا وهو أن الإمام علي رحمه اللّه كان يقول العوام هوام، وهذا يعني أنه لا يجب إلقاء اللّوم على النّاس الذين لا ضابط لهم، بل اللّوم يلقى على المسؤولين الذين شيّدوا هذا التمثال. فزيادة على صرف المال دون فائدة هو لا يرمز إلى شيء، وليعلم الجزائريون أن أحياء ذكرى عبد الحميد ابن باديس يكون من خلال إحياء مبادئه والمسائل التي كان يعتني بها، وذلك بإمكانيات بسيطة، فنحن الآن لدينا ترسانة هائلة من الإمكانيات التي لا تستغلّ كما يجب. فالشيخ عبد الحميد ابن باديس ذاع صيته في العالم مع أنه لم يكن هناك لا هاتف ولا أنترنت وللّه الحمد، لأن إيمانه كان قويا، فقد آمن بفكرته وهو ما يغيب عند الكثير من الأشخاص في بلادنا ومن مختلف شرائح المجتمع، سواء كان مسؤلا أو مواطنا. فلو آمن كلّ إنسان بفكره سينجح حتما، أمّا نحن فلم ننجح لا أئمة ولا دعاة ولا مسؤولين سياسيين، وهذا راجع إلى أننا أجساد فارغة دون روح، أمّا الشيخ ابن باديس رحمه اللّه فلو كان موجودا الآن لأسّس قسنطينة عاصمة للثقافة العربية بإمكانيات بسيطة ولكان سيشهد لها التاريخ وعلى مدى سنين طويلة، أمّا اليوم فقد تمّ تخصيص الملايير لها ولن تنجح. أيعقل أن يتمّ استعمال المفرقعات والألعاب النّارية في تظاهرة ثقافية مثل هذه؟ هذه إساءة إلى عبد الحميد ابن باديس واللّه إساءة، فهدف التمثال تجاري محض. * ألا تعتقدون شيخ أن مثل هذه التصرّفات سيكون لها أثر خطير على المجتمع الجزائري، خصوصا وأنه يسير من سيّئ إلى أسوأ أخلاغقيا؟ ومن يتحمّل مسؤولية هذا الانحدار؟ *** صحيح أن المجتمع الجزائري أصبح يعرف في السنوات الأخيرة انحدارا أخلاقيا كبيرا، لكن لا يمكن أبدا أن نحمّل المسؤولية لشخص دون آخر. فالأولياء مسؤولون عمّا يقع بالإضافة إلى المعلّم في المدرسة والإمام في المسجد، فهي مسؤولية مشتركة ولا يمكن أبدا أن نحمّل هذه المسؤولية لضعف الخطاب المسجدي أو تقصير الأئمة في آداء دورهم في التوعية، لأنه ليس كلّ النّاس يصلّون في المسجد حتى ولو كانوا مصلّين قد لا يحبّون الاستماع وإن استمعوا فالعديد منهم لا يطبّقون ما يسمعونه وكأنه بمجرّد خروجهم من باب المسجد يتحوّلون إلى أشخاص آخرين تماما. أمّا الأطفال الذين يذهبون إلى المدرسة فالكثيرون منهم يكتفون فقط بحفظ المقرّرات المدرسية من أجل النجاح في الامتحانات فقط ولا يستمعون أبدا إلى نصائح الأستاذ إلاّ من رحم ربّي، واسألوا أيّ طفل أيّ درس تعلّم السنة الماضية فلن يتذكّر لأنه يهتمّ بالحفظ فقط من أجل الانتقال في الأقسام دون أخذ القيم الحميدة والنبيلة من الأستاذ، وهو نفس الأمر الواقع في الجامعات، بل إنه أخطر منه بكثير. فالطالب يدخل فقط إلى الحصص التطبيقية حتى لا يسجّل عليه الأستاذ الغياب، فحين لا يحضر المحاضرات يكتفي فقط بإحضار الدروس من زملائه، وهنا يتوقّف الأمر. وللأسف الطلبة اليوم لا يهمّهم أن يحتكّوا بالأساتذة والدكاترة حتى ينهلوا العلم والقيم منهم، هذا دون فتح الباب للحديث عمّا يقع من انحلالات أخلاقية في الأقطاب الجامعية، لأن الأمر واللّه كارثي. أيعقل أن التلميذ الذي يرسب في مادة معيّنة يبدأ البحث عن الأستاذ حتى يتحصّل على تلك النقطة؟ وتصوّروا إن كانت فتاة ستحصل عليها بالتأكيد وبطرق غير مشروعة طبعا، وهو ما أطاح بالعلم، وحتى نكون منصفين في طرحنا فإن بعض الأئمة لا يلقون الخطب التي تهدف إلى إصلاح المجتمع، فالبعض منهم لأسف يتكلّمون فقط عن الأخيرة وعذاب القبر مرارا وتكرارا مع أننا نبّهنا عليهم في تنويع الخطاب الموجّه للعامّة. لكن من جهة أخرى هناك أئمة يناقشون مواضيع حيّة، يأتون بالأمثلة ويسقطونها على الواقع، وهذا يعني أن مسؤولية الانحلال الأخلاقي في المجتمع الجزائري مسؤولية مشتركة لا يمكن أن نرجعها إلى شخص دون آخر، وحتى نصلح هذا الاعوجاج وجب تظافر و بين جميع الفاعلين في مختلف المؤسسات. * هناك من يرجع الانحلال الأخلاقي الحاصل إلى جملة من القوانين الوضعية التي لا علاقة لها بالشريعة الإسلامية، كيف تنظرون إلى هذا الطرح؟ *** لا أعتقد هذا أبدا، فالانحلال الأخلاقي أمر والقوانين أمر آخر مغاير له تماما، فما يضبط الإنسان هي أخلاقه، قيمه ومبادئه أكثر ممّا تضبطه القوانين والتشريعات، وقد كثر الكلام عن قانون الأسرة المعدل الذي لم أحصل بعد على نسخة منه، لكن إذا تكلّمنا عن قانون الأسرة بشكل عام ففيه العديد من الثغرات كالطلاق مثلا والوالي والخلع وهي أهمّ المحطات في قانون الأسرة. ففي سنة 1984 كان في القانون الجزائري أنه إذا تقدّمت المرأة بالخلع ولم يوافق الزّوج فإنه لن يقع ذاك الخلع، فقد كان يحتاج إلى موافقة الزّوج، وأحيطكم علما وهو ما يجب أن يعرفه القرّاء الكرام بأن أوّل خلع وقع في الإسلام هو حين جاءت زوجة الصحابي ثابت ابن قيس إلى النبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم وقالت له: (يا رسول اللّه لا أستطيع العيش مع ثابت وأريد الطلاق منه)، وقالت: (واللّه ما أعيب عليه لا خلقا ولا دينا وإنما نفسي لا تريده يا رسول اللّه)، لكن الخلع الواقع الآن أن المرأة تذهب إلى القاضي وتفتري على زوجها أنه ضربها وعذّبها فتخلع منه بسهولة دون أن يتمّ التحقيق في الموضوع، لكن في هذه الحالة يجب أن يقع التطليق لا الخلع ويحقّ للزّوج القَبول أو الرفض، لكن الخلع الذي وقع الآن كثر بعد أن خرجت المرأة للعمل وأصبح لها مال وأصبحت تريد أن تتحرّر من قيود الرجل وقد أصبح موضة منتشرة بكثرة في الأوساط الجزائرية، لكن الذي وقع هو قلّة الثقافة الدينية والنّاس لا يعرفون حتى معنى الخلع والطلاق. في سنة 2007 كان الخلع يقع دون علم الزّوج مع أنه في الشريعة يجب أن يستشار الزّوج قبل أن تطلّقه زوجته، وهذا ما أحدث شرخا بين الشريعة والقانون وهو إجحاف صريح في حقّ الرجل. لكن هناك جلسات الصلح بين الزّوجين، وهذه الأخيرة فيها الكثير من الأخطاء، فالقاضي مثلا يكون صغيرا ولا تكون له خبرة، الأمر الثاني أن القاضي عادة ما يكون مسرعا في مثل هذه الجلسات نظرا لكثرة مشاغله، الأمر الثالث في القرآن الكريم يقول {ابعثوا حكما من أهله وحكما من أهلها}، لكنه هذا الحكم غير موجود في جلسات الصلح في المحاكم الجزائرية، لذلك نحن نطالب بوجود وساطة أسرية في مثل هذه القضايا يكون حاضرا فيها الإمام ومختصّ في علم النّفس إذا فعلا أردنا أن نحافظ على الأسرة الجزائرية وضروري جدا أن تكون جلسة الصلح خارج المحكمة. * ألا تعتقدون شيخ أن مجالس الصلح مثل هذه يجب أن يشرك فيها المجلس الإسلامي الأعلى الذي على ما يبدو أصبح مغيّبا تماما في الواقع؟ *** المجلس الإسلامي الأعلى أصبح هيكلا دون روح، وهو لا ينتمي لا إلى الوزارة ولا إلى الأئمة، بل إن النّاس لا يعرفونه ولا أعرف مهامه، والأدهى من كلّ هذا أننا لا نعرف من هو رئيسه، نعرف اسمه لكننا لا نعرفه شخصيا، فهو يغيب عن كلّ المحافل، لا يحضر الندوات ولا المؤتمرات، ومن باب المنطق أن يتمّ إشراك المجلس في القضايا الجوهرية التي تهمّ الأسرة الجزائرية. * من الأمور التي تعاب على قطاع الشؤون الدينية هو اِلتزام وزير القطاع الصمت حيال العديد من القضايا المصرية، على غرار قضية الخمر التي أحدثت ضجّة، فما هو ردّكم؟ *** منصب الوزير منصب سياسي وليس منصبا دينيا، لكن كان عليه أن يحوّل القضية إلى المجلس الإسلامي الأعلى حتى يخرج من هذا الإشكال ومن هذه القضية بردّ مشرّف ولا يفتح النّار عليه مثلما فعل، وكان عليه أن يراجع عمار بن يونس ليس من المنصب السياسي، بل المنصب الدعاوي، فإن كانت له نيّة في فتح دور العبادة لغير المسلم أفلا ينبغي له أن يراجع عمارة بن يونس؟ وهنا يظهر أنه لا تلاحم بين المجلس الإسلامي الأعلى ووزارة الشؤون الدينية. فبالنّسبة لي المجلس الإسلامي الأعلى غير موجود، وإن دخلنا إليه سنجده خاليا على عروشه. ونحن كمجلس الوطني المستقلّ للأئمة الجزائريين كنّا نحاول أن ننسّق بيننا حتى نتكلّم عن الخمر في كامل القطر الوطن وكنّا سنخرج في وقفة احتجاجية تنديدا بذلك لأن الشعب الجزائري تنقصه الكثير من الأشياء للأسف، فهو غير مؤطّر في مثل هذه الوقفات وعادة ما يذهب إلى التخريب عوض الإصلاح، وهذا راجع إلى غياب التأطير في المجتمع الجزائر، لكن هناك بعض الأطراف دعت إلى مسيرات مليونية ضد تجارة الخمر، وهذه الأطراف تمثّل نفسها ولا تمثّل نقابة الأئمة لا من بعيد ولا من قريب. وفي هذا الباب أيضا فإن الثقافة الدينية غائبة تماما عن الجزائريين، فكيف في ظرف وجيز جدّا يتقدّم لطلب ترخيص لتجارة الخمر أكثر من 1400 شخص؟ فلو كان الشعب واعيا بما فيه الكفاية يجب أن يقاطع كلّ شخص طالب بمثل هذا الترخيص وذلك حتى يؤدّب كلّ من تسوّل له نفسه ممارسة مثل هذه التجارة. * بعد الخمر جاءت وزارة التجارة بفكرة بيع لحوم الخنزير وتصديرها إلى الخارج لتحقيق بعض الأرباح، ما قولكم في هذه الفكرة يا شيخ؟ *** إذا حرّم اللّه شيئا حرّم ثمنه، وهذا يعني أن مال لحم الخنزير حرام ولا يجوز أبدا استعماله، ولا أعرف لماذا يبحث بعض المسؤولين عن الربح في المحرّمات مع أن أبواب الاستثمار كثيرة. فنحن نملك الأرض والشباب، لذلك وجب على الدولة أن تستثمر في هذه الإمكانيات، وبما أننا في ذكرى عبد الحميد ابن باديس لابد لنا الاقتداء به، فقد كان يبني مسجدا من لا شيء ونحن اليوم نملك كلّ شيء ونبحث عن الاستثمار في الحرام. * كلّ هذه المسائل تقودنا إلى معرفة تقييمكم لمحمد بن عيسى بعد عام من تنصيبه على رأس وزارة الشؤون الدينية... *** صحيح كانت للوزير تصريحات وخرجات أكثر منها، لكن لا يمكننا تقييمه إلى حد الآن، لأن الإصلاح يتطلّب وقتا، كما أنه قطع وعودا كثيرة لتعديل القانون الأساسي والرفع من قيمته لأنه يعمل لمدّة 14 ساعة أو أكثر، لكن إلى حد الآن لم نلمس أيّ منها والأئمة لا يزالون ينتظرون تطبيق هذه الوعود إلى حد الساعةو لكن نحن نعلم جيّدا أن طريق الإصلاح صعب. * هناك من ربط تقييم الوزير بنجاح موسم الحجّ لهذه السنة، فهل تثمّنون هذا الطرح؟ *** أنا متأكّد ومن الآن أن موسم الحجّ لهذه السنة لن ينجح، بل ربما قد يكون أسوأ من المواسم الماضية حتى ولو وقف مع كلّ حاجّ شرطي وذلك راجع إلى عقليات الحجّاج الجزائريين الذين رافقتهم من قبل في بعثة الحجّ، فهم لا يملكون أيّ ثقافة، حجّاجنا يتعاركون في الحجّ على الأماكن وغرف النّوم والأكل وغيرها من الأمور التافهة ولا يملكون أيّ ثقافة دينية تجعلهم يترفّعون عن مثل هذه الأمور. أمّا من الناحية التنظيمية فمدراء الحجّ ليس لهم أيّ قابلية للتعامل مع النّاس، والإطارات أيضا ليسوا مؤهّلين للتعامل مع الحجّاج الذين يكونون من كبار السنّ ومرضى وأحيانا حتى مختلّين عقليا، أمّا المرشدون والمرشدات فلا يظهرون إطلاقا، فهم يذهبون للحجّ فقط بالمجّان وهم لا يعملون حتى في المساجد في الجزائر. * هناك بعض الأطراف تقول إن الأئمة الذين يختارون في بعثات الحجّ هم أولئك الذين يجمعون أكبر قدر من الأموال في صندوق الزكاة، فهل هذا صحيح؟ *** فعلا في السنوات الماضية كان هذا الطرح صحيحا وكان من يجمع أكبر قدر من الأموال لفائدة صندوق الزكاة يستفيد من رحلة مجّانية إلى الحجّ، كما تكون له امتيازات وترقيات كبيرة في قطاع الشؤون الدينية، وقد كان هناك أئمة يستحقّون ذلك، لكنّي لا أعتقد أن هذا بقي موجودا وإن كانت هناك امتيازات أخرى فلا أدري، فما أعرفه الآن هو أن الإمام يختار على أساس القدرة البدنية ومدى تمكّنه من التعامل مع الحجّاج. * إن أردنا التكلّم عن صندوق الزكاة كيف يتمّ تقسيم الأموال التي يُتحصّل عليها منه على مستحقّيه بصفتكم واحدا من المسؤولين عنه؟ *** من أموال صندوق هناك نصيب للاستثمار ونصيب لزكاة القوت ونصيب للوزارة ونصيب للّجان القاعدية، ويجب أن تعرفون أن اللّجان القاعدية هم الذي يعملون في الصندوق ونحن نعمل مجّانا ونصيب من المال الذي يقدّم لنا نصبّه في النصيب الخاص بالفقراء. هذه السنة هناك تقسيم جديد، أي أنه ستكون منحة خاصّة وشبه دائمة للفقراء، حيث ستقسّم هذه المنحة على مراحل، دفعة قبل رمضان ودفعة قبل العيد وواحدة قبل الدخول المدرسي، أي سيتمّ تقديم منحة عند كلّ موسم، وقد تمّ وضع قائمة ثابتة بأسماء المعوزين، لكنّي أرى أنه من الأفضل لو تمّ إخراج صندوق الزكاة من المسجد وجعله حسابا بريديا فقط.