تبادرت إلى الأذهان بعد فوز قطر بشرف تنظيم كأس العالم عام 2022 عدّة تساؤلات مفادها: هل ستسمح قطر للنّساء بكشف الصدور وارتداء البيكيني في المدرّجات كما جرت العادة في كلّ مونديال؟ وهل ستتحكّم الدولة الغنية بالغاز في أمزجة المشجّعين وحرّيتهم؟ وسط حالة من الدهشة استقبل الألمان والصحافة الألمانية نبأ فوز قطر باستحقاق تنظيم مونديال كأس العالم لعام 2022 المقبل، وعلى الفور خرجت ردود الأفعال وتباينت وسط طرح العديد من الأسئلة المتعلّقة بنواحي اجتماعية وثقافية يدخل الدين طرفا فيها كون دولة قطر دولة إسلامية بغض النّظر عن النّواحي الرياضية ودور قطر فيها وما حقّقته على الصعيد العالمي من بطولات· إذ أن سجّل قطر الرياضي يخلو من بطولات مؤثّرة، وهو الأمر الذي دفع بالصحافة الألمانية إلى السؤال عن ما هية الاختيار ودوافعه· ** قطر مطالبة بصياغة صورة العرب والمسلمين إن كثيرا من المراقبين الرياضيين الألمان يرون أن احتفالية المونديال الرياضية هي الاحتفالية الأكبر في العالم وفيها تتشعّب وتتعقّد عوامل عدّة منها الأمنية والاقتصادية والتجارية وحتى الجنسية، وتدخل العادات والثقافات للشعوب المختلفة طرفا فيها طوال فترة المونديال التي تجري على أرض الدولة المضيفة· ومن ثمّ فإن الأمر في حال قطر الدولة الإسلامية الأكثر صغرا والأكثر غنى سيضعها أمام تحدّيات كبيرة كممثّلة للعرب والمسلمين ومحاولة إعادة صياغة صورة العرب والمسلمين التي تمّ تشويهها في الآونة الأخيرة بشكل كبير· ** تساؤلات تقول مارينا فورجر طالبة في جامعة ميونيخ: لا نعرف إذا كانت قطر ستسمح للنّساء بكشف الصدور وارتداء البيكيني في المدرّجات كما تعوّدنا أن نرى تلك الصورة الشائعة في مدرّجات المونديال، وتؤكّد أن التشجيع بدأ يأخذ أشكالا مبتكرة كلّ عام وتتساءل هل ستتحكّم قطر في أمزجة المشجّعين وحرّيتهم؟ يقول ديفيد ماكلين أمريكي يعمل في ألمانيا إن تنظيم قطر للمونديال سيعود على الشركات الألمانية العاملة في مجال الطاقة الخضراء بالنّفع العظيم، فهناك تعاون بين قطر وشركات ألمانية في هذا المجال، وعندما نقرأ أن ملاعب الكرة التي ستشيّد لهذا الغرض ستكون مكيّفة باستخدام الطاقة النّظيفة يعطي هذا انطباعا عن مدى تطلّع الشركات الألمانية إلى اقتحام هذا المجال· ويقول أندي مارتن طالب ألماني: هل سيسمحون بتناول البيرّة التي هي مشروب يرافق الشباب في مشاهدة مباريات كرة القدم في المونديال؟، ويرى ماركوس جروبا أن على ألمانيا استغلال الفرصة اقتصاديا وتشييد ملاعب كاملة في مصانعها، ومن ثمّ نقلها إلى قطر· ** مونديال قطر فرصة للغرب والعالم ليتعرّف على العرب وعلى الإسلام من جهة أخرى، ترى الجالية العربية المقيمة في ميونيخ أن هذا الاختيار رغم تكلفته الكبيرة لدولة قطر الصغيرة إلاّ أنه سيكون فرصة للغرب والعالم ليتعرّف على العرب وعلى الإسلام بشكل أكثر واقعية وبعيدا عن وسائل الإعلام الغربية التي طالما أجّجت مشاعر الكراهية بين الطرفين· يقول عبد الرحيم القدسي من المغرب إن اختيار قطر سيسلّط الأضواء مرّة أخرى على العرب والمسلمين لكن بشكل إيجابي هذه المرّة، ويقول: يجب أن يقف العرب متضامنين مع قطر لا أن يصابوا بعقدة الحسد والمنافسة ويتسبّبوا في إفشالها كما فعلوا مرّات عديدة بسبب قناة الجزيرة· ويقول صلاح المهدي من مصر: إننا بدأنا على الفور نشعر بذلك الاختيار هنا في ميونيخ، فكثير من النّقاش بدأ في الصحافة الألمانية عن قطر ومدى إمكانياتها المادية الضخمة، والذي يقرأ الصحف الألمانية يصاب بالذهول من مدى تلك الإمكانيات الهائلة لهذه الإمارة الصغيرة· ** قطر لا تخاف من هيكلة القطاعات المختلفة من البنية الأساسية تقول صحيفة تي تسيت في تقرير لها إنه بعد إعلان قرار اختيار قطر دقّ رنين الهاتف المحمول لأمير قطر وتوالت التهاني من حكّام الخليج واحدا وراء الآخر، وكان حاكم دبي الشيخ محمد بن راشد آل مكتوم من أوائل المهنّئين وأكّد أن اختيار قطر هو انتصار للعرب وللرياضة في الشرق الأوسط كلّه، وقال: إن من شأن ذلك أن يعزّز من طلب الإمارات استضافة أولمبياد 2020، وقال الشيخ طلال الفهد رئيس اتحاد الكرة الكويتي إنه انتصار لكلّ العرب· في سياق متّصل، ذكر تقرير اقتصادي في صحيفة ذي دويتشه تسايتونج أن دولة قطر لا تخاف من هيكلة القطاعات المختلفة من البنية الأساسية، ويرى خبراء الاقتصاد الألمان أن قطر ستمنح الأولوية للمستشارين ورجال البناء والمشاريع وخبراء التنمية وتخطيط الشوارع قبل البدء في أعمال عملاقة· لم تخلُ صحيفة ألمانية واحدة من التعليق على الموضوع وأجمعت الكثيرمن الصحف على أن هذا الاختيار هو إشارة ضمنية إلى الرّغبة في السلام العالمي متّفقة مع رأي اللّجنة المشرفة على الملف، وتتحدّث الصحف عن ليبرالية قطر وأن أمير البلاد يسافر إلى الخارج في بذلة أنيقة غربية الصنع، وأن زوجة الأمير هي متحدّثة لبقة وتلعب دورا في تنمية البلاد وهو أمر غير معتاد في دول الخليج، حيث لا يعرف لزوجات الحكّام أيّ نشاط تحت الأضواء· ** سؤال حيّر الألمان انحصر اندهاش الألمان كثيرا في كيف أن دولة قطر الصغيرة التي لا يتعدّى عدد سكانها 1,6 مليون نسمة ستنظّم هذا المونديال الضخم، لكن الإجابة على ذلك هي التي جاءت في مقال لصحيفة فرانكفورتر الجماينا من أن أحدا لم يكن قبل عشرين سنة يستطيع أن يحلم بأن البحرين أو الإمارات ستتمكّن من تنظيم مسابقات الفورملا 1· يقول الألماني أندرياس بلايشر مدير الأكاديمية الرياضية في الدوحة إن الأمير تميم بن حمد آل ثان يهتمّ بالرياضة بشكل كبير، وأن لا أحد يشكّك في قدرة قطر الكبيرة على بناء أفضل الملاعب المكيّفة، والتي ستكون إنجازا صناعيا كبيرا· أمر هامّ آخر نبّهت إليه الصحافة الألمانية وهو أن هذه الدويلة الصغيرة لا يتهدّدها خطر الإرهاب وعقدت مقارنة سريعة مع جنوب إفريقيا التي استضافت المونديال السابق والبرازيل التي ستستضيف المونديال المقبل، مؤكّدة أن قطر هي الأكثر أمنا من كلّ تلك الدول التي تنتشر الجريمة المنظّمة علي أراضيها، أمّا مشكلة الحرارة الشديدة في قطر فإن التغلّب عليها أمر ممكن في ظلّ تكيف الملاعب· ** ماذا لو تأهّلت إسرائيل إلى مونديال 2022؟ تحدّ آخر قد تقابله قطر في حال تأهّل إسرائيل إلى المونديال وهل سيتمّ استضافتها؟ لا يشكّ أحد من المتابعين لسياسة قطر الخارجية في أن هذا الأمر لن يشكّل عائقا فقطر لها اتّصالات وعلاقات مع إيران ومع إسرائيل، إضافة إلى العلاقات الوثيقة مع أمريكا، لكن السؤال الآخر هل سيقبل الجمهور العربي فريق إسرائيل في ملاعبه؟ وهل سيستطيع التفرقة بين الرياضة والسياسة؟ إن ذلك سيبقي محلّ سؤال دائم، فقبل الإجابة علية يجب الانتظار ربما يتحقّق السلام في المنطقة· وكانت صفحة اللّجنة المنظّمة لملف قطر على الفايس بوك قد زارها أكثر من نصف مليون زائر أبدوا تأييدهم لملف قطر في استضافة المونديال· في السّياق نفسه، يردّ هارولد ماين نيكولز رئيس لجنة التقييم على المزاعم التي ترى قطر بأنها دولة صغيرة قد لا تستطيع الوفاء بعدّتها من أجل إقامة هذا الحدث الكبير فيقول: يجب عدم الخوف وعدم عقد مقارنة بين الدول المنظّمة للبطولة، فأول بطولة في المونديال والتي جرت في الأورغواي لم يكن هناك إلاّ ملعبان فقط وعشرة فرق، والمسافة الزمنية التي تفصل بين قطر وأوّل مونديال في الأورغواي هي 80 سنة تغيّر فيها العالم كثيرا وأصبحت التقنيات خارقة في إنجاز ما لم يكن يعتقد أنه سينجز· ** بلاتر محلّ اتّهامات على صعيد آخر، تعرّض رئيس الفيفا بلاتر اتّهامات وجّهت له بشأن اختيار روسيا وقطر، وذكرت صحيفة بيلد تسايتونغ أنه ربما ساعد في اختيار هاتين الدولتين لأنه يحتاج إلى إعادة ترشيحة للاستمرار في منصبة إلى أصوات جمهوريات الاتحاد الرّوسي، كما أنه سعى من خلال اختياره لقطر إلى أن يتجنّب منافسة محمد بن همام القطري وأكثر منافسيه على منصب رئيس الفيفا·