بقلم الداعية: محمد بن عبد الرحمن العريفي قال تعالى: {يُرِيدُونَ لِيُطْفِؤُوا نُورَ اللَّهِ بِأَفْوَاهِهِمْ وَاللَّهُ مُتِمُّ نُورِهِ وَلَوْ كَرِهَ الْكَافِرُونَ. هُوَ الَّذِي أَرْسَلَ رَسُولَهُ بِالْهُدَى وَدِينِ الْحَقِّ لِيُظْهِرَهُ عَلَى الدِّينِ كُلِّهِ وَلَوْ كَرِهَ الْمُشْرِكُونَ} [الصف:8-9]، وقال سبحانه: {وَلَقَدْ سَبَقَتْ كَلِمَتُنَا لِعِبَادِنَا الْمُرْسَلِينَ. إِنَّهُمْ لَهُمُ الْمَنصُورُونَ. وَإِنَّ جُندَنَا لَهُمُ الْغَالِبُونَ} [الصافات:171-173]، وقال عز وجل: {وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا مِنكُمْ وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَيَسْتَخْلِفَنَّهُم فِي الْأَرْضِ كَمَا اسْتَخْلَفَ الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ وَلَيُمَكِّنَنَّ لَهُمْ دِينَهُمُ الَّذِي ارْتَضَى لَهُمْ لَيُبَدِّلَنَّهُم مِّن بَعْدِ خَوْفِهِمْ أَمْناً يَعْبُدُونَنِي لَا يُشْرِكُونَ بِي شَيْئاً وَمَن كَفَرَ بَعْدَ ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ} [النور:155]. هذه كلها وعود جازمة بالنصر والتمكين، وعدنا بها من بيده ملك السماوات والأرض، وعدنا بها من قلوب العباد، وعقولهم، ونواصيهم، وقواتهم، وأسلحتهم، وتخطيطاتهم، بيده وحده لا شريك له.. فهل تنكر من ذلك شيئا؟.. ثم لا تنبهر عينك من كثرة الكافرين وتألبهم على المسلمين، ولا تخش من أسلحتهم، وتطورهم، وظهورهم، فإن كيدهم مهما عظم فهو ضعيف: {إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً. وَأَكِيدُ كَيْداً. فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً} [الطارق:15-17]، نعم {أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً}.. وقد يكون هذا الرويد سنة أو سنتين أو عشرأ أو عشرين أو ألفاً.. لكنه رويد مهما طال، وهم مع اجتماعهم، واتفاقهم على حربنا، إلا أنهم والله يوشكون أن يختلفوا ويقتتلوا، ويكفي الله المؤمنين القتال {تَحْسَبُهُمْ جَمِيعاً وَقُلُوبُهُمْ شَتَّى} [الحشر من الآية:14]. بشائر عن تميم الداري رضي الله عنه قال: سمعتُ رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (ليبلغن هذا الأمر ما بلغ الليل والنهار، ولا يترك الله بيت مدرٍ ولا وبرٍ إلا أدخله الله هذا الدين بعزِّ عزيز، أو بذُلِّ ذليل، عِزاً يُعِزُّ الله به الإسلام، وذُلاً يُذلُّ الله به الشرك) (أخرجه أحمد والحاكم، وصحّحه الألباني). وعن حذيفة بن اليمان رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (تكون النبوة فيكم ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافة على مِنهاج النبوة، تكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً عاضَّاً، فيكون ما شاء الله أن يكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون مُلكاً جبرياً، فتكون ما شاء الله أن تكون، ثم يرفعها الله إذا شاء أن يرفعها، ثم تكون خلافةً على مِنهاج النبوة" (أخرجه أحمد، وصححه العراقي، والألباني). وعن أبي بن كعب رضي الله أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (بشّر هذه الأمة بالسناء، والنصر، والتمكين، ومن عمل منهم عمل الآخرة للدنيا؟ لم يكن له في الآخرة نصيب) (أخرجه أحمد، والحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي والألباني). هل تعلم؟!! سوف نقاتل اليهود! نعم اليهود، الذين نجري الآن وراءهم نستجديهم السلام! سوف نقاتلهم، بل سوف نقتلهم، ويقاتلهم معنا كل شيء حتى الحجر والشجر! عن أي هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (لاتقوم الساعة حتى يُقاتِل المسلمون اليهود، فيقتلهم المسلمون، حتى يختبأ اليهودي من وراء الحجر والشجر! فيقول الحجر أو الشجر: يامسلم! يا عبد الله! هذا يهوديٌ خلفي تعال فاقتله، إلا الغرقد فإنه من شجر اليهود) (رواه البخاري ومسلم). وسوف نفتح مأزر النصرانية، ونُسيطر على أرض الفاتيكان، سوف نملك (روما) ونحكمها بالإسلام، نعم.. النصارى الذي كانوا يرسمون الصلبان بالسكاكين على صدور المسلمين في كوسوفا، وقبلها في البوسنة، وقبلها في بقاع كثيرة.. سوف يؤدون لنا الجزية عن يدٍ وهم صاغرون، إلا أن يدخلوا في الإسلام. عن عبد الله بن عمرو بن العاص رضى الله عنه قال: بينما نحن عند رسول الله صلى الله عليه وسلم نكتب، إذ سُئِلَ: أي المدينتين تُفتح أولاً: أقسطنطينية، أم رومية؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: (مدينة هرقل تُفتح أولاً)، يعني القسطنطينية. (أخرجه أحمد والحاكم وصحّحه ووافقه الذهبي والألباني). أمّا ما نشاهده اليوم من اضطهادٍ، وقتلٍ، وتشريدٍ للمسلمين، فهو لا يعني أن الأمة سيستمر حالها هكذا، لا، بل سيأتي يوم ينتصر فيه الإسلام، وعندما يأتي ذلك اليوم، فماذا يعني عمر جيل من البشر؟ أو أجيال؟ النصر قادم.. ليس المهم متى سيأتي النصر، لكن المهم أنه سيأتي، مهما وقع من المصائب والآلام.. سيأتي {وَكَانَ حَقّاً عَلَيْنَا نَصْرُ الْمُؤْمِنِينَ} [الروم من الآية:47]. التاريخ يعيد نفسه ولو قلّبت صفحات التاريخ، لرأيت أنه قد حل بالمسلمين في أزمان مضت، مذابح، ومصائب، تشيبُ منها مفارق الولدان!! ثم لمّا حاسب المسلمون أنفسهم، ولجأوا إلى ربهم، كشف الله كربتهم، وأبدل خوفهم أمناً، وذُلّهم عزاً.. ومن ذلك: ما حل بالمسلمين عام 656 ه لما نزل التتار ببلاد الإسلام، وانتهبوها، حتى وصلوا إلى بغداد -عاصمة الخلافة وقتئذ- فحاصروها، ثم قتلوا الخليفة، وجنده، وحاشيته، واستباحوا بغداد أربعين يوماً يقتلون ما نالته أيديهم من الرجال والنساء والصبيان.. لم يكن لجنود التتار شغل إلا: القتل.. القتل.. أتدري كم قُتِلَ من المسلمين خلال أربعين يوماً؟ ذبحاً بالسكاكين، وطعناً بالرماح، وتغريقاً في دجلة؟! إليك ما ذكره الإمام ابن كثير في تاريخه، واصفاً الحال كله، قال رحمه الله: (ومالوا على البلد فقتلوا جميع من قدروا عليه من الرجال، والنساء، والولدان، والمشايخ، والكهول، والشبان، ودخل كثير من الناس في الآبار، وأماكن الحشوش، وفى الوسخ، ومكثوا كذلك أياماً لا يظهرون، وكان الجماعة من الناس يجتمعون إلى الخانات، ويغلقون عليهم الأبواب، فتفتحها التتار إما بالكسر وإما بالنار، فيهرب الناس إلى السطوح، فيقتلونهم هناك حتى جرت الميازيب بالدماء في الأزقة!! وقُتِلَ خلال الأربعين يوماً ألف ألف وثمانمائة ألف!! فإِنَّا لِلَّهِ وَإِنَّا إِلَيْهِ رَاجِعُونَ.. وكان الرجل يُستدعى فيخرج بأولاده ونسائه فيُساقون إلى المقبرة ثم يُذبحون ذبح الشياه، ويُؤسر من يختارون من بناته وجواريه).. (ولما انقضت الأربعون خرج التتار من بغداد، وبقيت خاوية على عروشها، القتلى في الطرقات كالتلال، وسقط عليهم المطر فأنتنوا، وتغير الهواء، ووقع بسبب ذلك وباء مات بسببه خلق في الشام من سريان الهواء الفاسد إليهم)!! (أما من كان مختبئاً في المقابر والمطامير، فخرجوا بعد الأربعين يوماً كأنهم موتى نُشِروا من قبورهم.. قد أنكر بعضهم بعضاً.. لايعرف الوالد ولده.. ولا الأخ أخاه.. فلم يلبثوا أن أصابهم الوباء فتصرّعوا، ولحقوا بمن مضى، واجتمعوا تحت الثرى، بأمر الذي {يَعْلَمُ السِّرَّ وَأَخْفَى. اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلاَّ هُوَ لَهُ الأَسْمَاء الْحُسْنَى} [طه من الآيات:7-8](ا. ه ([ج 215/13] بتصرُّف). وبعد هذه المحنة العظيمة، كشف الله تعالى الكربة، ورفع البلاء، وراجع المسلمون دينهم، وعاد لهم عِزَّهم ومجدهم: {وَمَا أَصَابَكُم مِّن مُّصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَن كَثِيرٍ} [الشورى:30]. ووقوع ذلك البلاء عليهم، بل ووقوع غيره قبله وبعده إلى زماننا هذا، لا يعني أن الله تعالى يُبغِض المسلمين، أو يفضل عليهم الكافرين، ولكن {قُلْ هُوَ مِنْ عِندِ أَنْفُسِكُمْ} [آل عمران من الآية:165]، {إِنَّ اللّهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ} [الرعد من الآية:11]. النصر لنا ولعله يسأل سائل فيقول: كيف يكون المستقبل للإسلام؟ والأعداء قد اجتمعوا عليه وتكالبوا من كل جهة؟ وقد سلّطوا عذابهم ونيرانهم على المسلمين عامة، وعلى الدعاة إليه والمتمسكين به خاصةً؟ كيف والأعداء يملكون القنابل النووية، والأسلحة الفتاّكة، والمسلمون عُزّل من السلاح؟ إن هذا السائل لينسى أن الذى ينصر المسلمين هو الله جل شأنه لا جهدهم ولا قوتهم: {قَاتِلُوهُمْ يُعَذِّبْهُمُ اللّهُ بِأَيْدِيكُمْ} [التوبة من الآية:14]، فالمسلمون سبب لتحقيق قدر الله وإرادته: {فَلَمْ تَقْتُلُوهُمْ وَلَكِنَّ اللّهَ قَتَلَهُمْ وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ وَلَكِنَّ اللّهَ رَمَى} [الأنفال:17]. وينسى هذا السائل أن الله يُسبّح له من في السموات ومن في الأرض، ومما يسبح له قنابل هؤلاء وأسلحتهم وسجونهم ومعتقلاتهم. وينسى هذا السائل أن الله إذا أراد أمراً فإنما يقول له: كن فيكون: {وَمَا أَمْرُنَا إِلَّا وَاحِدَةٌ كَلَمْحٍ بِالْبَصَرِ} [القمر:50]. وينسى هذا السائل أن الإسلام الذي انتصر -أول ما ظهر- على الرغم من كيد قريش واليهود ومشركي العرب، بل بالرغم من كيد فارس والروم، والصليبيين والتتار، هو الذي تواجهه الآن القوى المختلفة المتنازعة فيما بينها، من النصارى واليهود، {كَتَبَ اللَّهُ لَأَغْلِبَنَّ أَنَا وَرُسُلِي إِنَّ اللَّهَ قَوِيٌّ عَزِيزٌ} [المجادلة من الآية:21]، وصدق الله إذ يقول: {وَقُل لِّلَّذِينَ لاَ يُؤْمِنُونَ اعْمَلُواْ عَلَى مَكَانَتِكُمْ إِنَّا عَامِلُونَ وَانتَظِرُوا إِنَّا مُنتَظِرُونَ . وَلِلّهِ غَيْبُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَا رَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ} [هود:121-123]. أسأل الله تعالى أن ينصر دينه ويُعلِي كلمته.. آمين.