بقلم: أمجد عرار * ليس ثمّة غرابة في أن تقود تحقيقات في بلد ما بشأن فضيحة مصرفية إلى تزوير شهادات مدرسية أو جامعية أو حتى شهادات روضة، والحديث يدور حول رئيس وزراء مولدوفا كيريل غابوريتشي الذي قدّم استقالته قبل يومين بعد خضوعه لاستجواب يتعلّق بتزوير شهاداته المدرسية. الاستقالة جاءت بعد مرور مائة يوم على تسلّمه منصبه رئيساً لحكومة مولدوفيا التي كانت إحدى جمهوريات الاتحاد السوفييتي، وفي خضم تحقيقات في اختفاء مليار دولار من ثلاثة مصارف أساسية في البلاد. الفضيحة تسببت بغليان في البلاد التي تشهد جدلاً محوره تجاذب بين مؤيدين للتوجه نحو الغرب الأوروبي ونزوع نحو الشرق الروسي، وهو نزوع لا يعوزه الحنين لأيام الهيبة والاستقلال الوطني، وإنما بلقمة عيش مغمّسة بالعرق ونكهة الفقر. ما جرى أن الأموال المختفية من البنوك الثلاثة تعادل ثمن الناتج المحلي الإجمالي، ما يدفع أشخاصاً وأحزاب للقلق ليس على مقدرات البلد، إنما على وضعهم على أبواب الانتخابات المحلية المزمعة خلال أيام، ومصدر قلق البعض وفي الوقت ذاته ارتياح البعض الآخر أن الانتخابات ربما تسفر عن ترجيح كفّة الأحزاب الموالية لروسيا في مواجهة حكومة غابوريتشي المكونة من ائتلاف أقليات ومدعومة من حزبين مؤيدين للتوجه الأوروبي. ثمّة شهادات ووقائع غزيرة تظهر حنين أبناء جمهوريات الاتحاد السوفييتي السابق لتلك الأيام التي ينتمون فيها لبلد تهتز تحته الأرض حين يخطو وينفتح أمامه الفضاء حين يصعد متسلّحاً بنفس المحلّق الأول في التاريخ، يوري غاغارين. ولم تعد مشاعر الحنين للماضي الأجمل حكراً على كبار السن، بل أصبحت تتملّك حتى الشباب، وليس أدل على ذلك من الاستطلاع المثير الذي أظهر الشعبية الكبيرة لجوزيف ستالين في روسيا. قد لا يكون الحنين للماضي خياراً جيداً دائماً، لكنّه خيار من يفقدون الأمل بالحاضر وينعدم يقينهم بالمستقبل. فالجمهوريات السوفييتية السابقة لم تمنح لشعوبها (السمن والعسل) بعدما افترقت عن روسيا وذهبت في الطريق الأوروبي، أو حتى لحلف الأطلسي. وإذا بدأ بعضها يعود للإمساك بذيل الثوب الروسي، فذلك لأنه تاريخياً، لا يصح إلا الصحيح.