رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين بوهران الشيخ منير صغير ل"أخبار اليوم": * "عزتنا في الإسلام.. وهذه رسالتي للجزائريين" * "فكّ الارتباط بالفرنسية.. أول مراتب إصلاح المنظومة التربوية" * "أنا متفائل جدا بمستقبل الجزائر والأمة الإسلامية" يرى الشيخ منير صغير (أبو إسلام) رئيس شعبة جمعية العلماء المسلمين الجزائريينبوهران أن أول مراتب إصلاح المنظومة التربوية بالجزائر هو فك ارتباطها باللغة الفرنسية (لغةً وتلقيًّا وتنسيقًا إداريًا وفنّيًا والقطيعة مع التيّارين اليساري واللائكي). ويشير الشيخ (أبو إسلام) إلى أننا (في مفترق الطرق... ولا عصمة إلا بالقرآن والسنّة ولزوم غرز العلماء حقا في الشريعة وغيرها فكلها علوم وكلهم علماء.. وبالعمل الدؤوب والبذل والعطاء.. وبالوعي وتصحيح المفاهيم، والسعي نحو وحدة الصف حول المشترك من المحكمات والقطعيات ومدافعة الباطل والكفر والفساد بالعلم والعدل والحكمة والذكاء..). ويتأسف الشيخ منير صغير لعدم قيام غالبية أئمة المساجد بدورهم المطلوب في إنكار كثير من المنكرات، مشيرا في المقابل إلى أنه مما لا طائل من ورائه مطالبة وزارة الشؤون الدينية بما لا تستطيعه أو لا تريده، ويتطرق محدثنا خلال إجاباته إلى مسائل أخرى، مثل التقريب بين السنة والشيعة والربيع العربي والسبيل إلى إصلاح المنظومة التربوية وإطفاء نار فتنة غرداية، وغير ذلك من الأمور الهامة التي تكتشفونها في هذا الحوار الخاص الذي نضع بين أيديكم حلقته الثانية والأخيرة.. * أجرى الحوار: الشيخ بن خليفة * * كيف ترى واقع المنظومة التربوية عموما والمدرسة الجزائرية بوجه خاص؟ أين مواقع الخلل؟ وما سبيل الإصلاح؟ ** المنظومة التربوية جزء من الواقع، تستقيم باستقامته وتفسد بفساده، والمدرسة الجزائرية تشهد حالة من الغموض والاضطراب يقرّ بها حتى المسؤولون الرسميون عنها، فضلا عن غيرهم من الخبراء والملاحظين المستقلّين، ولا أحسب أن جوابا مقتضبا من حوار مطوّل يفي بغرض تشريح واقع المدرسة الجزائرية ومواقع الخلل وسبل الإصلاح فيها، فقط أذكّر أن جمعية العلماء قد نظّمت في السنوات الثلاث الأخيرة عددا من الملتقيات والندوات والأيام الدراسية حضرها من لا يُشكّ في خبرتهم وتمكّنهم في مسائل التربية والتعليم، ولكن التوصيات تحتاج إلى سلطة وإلى قوة تنفيذ لا تمتلكها الجمعية ولا غيرها من الجمعيات، وأشير سريعا إلى أن أول مراتب الإصلاح هو فكّ الارتباط بالفرنسية لغةً وتلقيًّا وتنسيقًا إداريًا وفنّيًا والقطيعة مع التيّارين اليساري واللائكي الذين استحوذا زمنا طويلا على كل ملفّات التعليم في جميع مستوياته، وهو أمر تقتضيه طبيعة التدافع بين الحق والباطل والفساد والإصلاح، وأن يُفتح نقاش مجتمعي عميق وجادّ بعيدا عن السياسة وعن الديماغوجية حول المنظومة التربوية بدون أية طابوهات أو قيود مسبقة إلا قيود انتماء هذا الشعب إلى الإسلام: عقيدة وشريعة وأخلاقا وانتماء وهويّة. * مازال جرح منطقة ميزاب ينزف، ومازالت الفتنة الطائفية تنغّص حياة أبناء غرداية. ما هو السبب الحقيقي للفتنة؟ وما هو علاجها المناسب في رأيكم؟ ** الأحداث هناك يلفّها قدر غير يسير من الغموض والضبابية، وقد حاولت أطراف كثيرة منها جمعية العلماء المسلمين أكثر من مرّة وكادت المياه أن تعود إلى مجاريها ثم فجأة يحدث ما ليس في الحسبان!! من يقف وراء ذلك؟ من يؤجج النار وينفخ فيها لتزداد اضطراما؟ من المستفيد من تعفّن الوضع هناك؟ هذا لا يمكن الإجابة عنه إلا عبر مسارات متعددة: الأول: تحقيق أمني نزيه وعادل غير متأثر بحسابات الساسة والمتنفذّين وهو مطلب ليس سهلا على الإطلاق، الثاني: مشاركة المخلصين الذين يبحثون عن مصلحة الجزائريين دون تحيّز أو استثناء من الفقهاء والمؤرخين والمجاهدين والأعيان الحقيقيّين لا المصنوعين على أعين هذه الجهة أو تلك وعلماء السياسة والاجتماع، الرابع: أن ننطلق من أن الجزائر ملك للجزائريّين جميعا فليس من حق أحد أن يمنع جزائريا من السكن والتملّك والتنقل والاستثمار وغيرها من الحقوق في أي شبر من الجزائر ما لم يعتدِ على ملكية غيره، الخامس: أن الجزائريين سواء في الحقوق والواجبات وليس لجهة أو طائفة أو مذهب أو عرق ميزة وأفضلية على غيره تجعل السلطة والمؤسسات الاجتماعية تحابيه وتسترضيه على حساب غيره، السادس: أن تعالج الأسباب والنتائج علاجا يحسمها ويستأصلها لا أن تُقدّم المسكنات والمهدئات والترضيات لهذا الطرف أو ذاك وتُبذل في ذلك الأموال ثم يأتي سفيه أو رويبضة لينسف الجهود كلها بحجرة يرميها أو عود ثقاب يشعل بها متجرا أو بيتا، السابع: أن نعي أن هناك دوائر ومخابر ترقب وتدرس وقد تعمل لتأجيج الوضع في غرداية وفي غيرها وعمل المخابر لا يواجه بالعفوية والارتجال والعواطف.. والحديث ذو شجون. * قبل أسابيع، قررت وزارة التجارة إبطال اشتراط وسم السلع المستوردة باللغة العربية، وهو ما اعتبره البعض إعلان حرب على اللغة العربية وهوية المجتمع الجزائري. ما رأيكم في هذه الخطوة؟ وهل يمكن القول أن مشروع التعريب يحتضر في بلادنا؟ ** باختصار مشروع التعريب لم ينطلق أساسا في الجزائر، وأنا أفضل توجّها آخر هو: مقاومة الفرنسية والفرنسة في الجزائر في الإدارة والتعليم والإعلام، فالفضاءات الحيوية كلها تقريبا استولت عليها الفرنسية، ولن تجد العربية مكانا لها ما لم ُتزحزح الفرنسية عن هذه الفضاءات، وقرار وزارة التجارة خلفيّته ومقررّوه لا يخفون على متابع ذكي فطن، وهو حلقة من حلقات احتقار العربية وإقصائها من حياة الجزائريين وهي خطوة مرفوضة كمثيلاتها ولا فرق، غير أن البكاء على الأطلال لا يجدي، والتنديد لا يُفيد كما علّمتنا التجارب، بل الفعل والفاعلية والتأثير وصناعة الواقع والمدافعة والإصرار والتضحيات هي التي تُثمر في النهاية. * ليست هذه المرة الأولى التي تثير وزارة التجارة مثل هذا الجدل والغضب أيضا، فقد تسبب قرار تحرير تجارة الخمور في (هبّة وطنية) رافضة ومستنكرة. كيف تابعت الموضوع، وما تعليقك على ما حصل؟ ** رغم أنني أراها قضية للإلهاء فقط، ولكن ردة الفعل كانت قويّة خاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، وقد أثمرت تجميد لا إلغاء القرار، واليقظة مطلوبة مع الحذر دائما من الوقوع في فخّ القضايا الصغيرة الجانبية كل أسبوع أو شهر، وإذا كان يُحمد من الجماهير والجموع مثل هذه الهبّات فإن دور العلماء والفقهاء والمصلحين أن يقدموا رؤية شاملة وقراءة بعيدة عن الأحداث اليومية كفيلة بصناعة وصياغة وعي جديد لدى الشعب الجزائري المسلم. * هل يتعرض الإسلام إلى حرب غير معلنة في الجزائر؟ هذا التساؤل يطرحه متتبعون يستفزهم الواقع، وتستفزهم بعض القرارات الرسمية، مثل منع ارتداء الحجاب في بعض المؤسسات كالجمارك، وكذا الإصرار على النسب الربوية المحرمة في القروض الاستهلاكية وغيرها. ما رأيكم؟ ** ومتى توقّفت الحرب على الإسلام في الجزائر وفي غيرها؟ ومسألة الحجاب والقروض الربوية مثلها مثل قضية الخمور، لا يمكن أن يُنظر إليها إلا في إطار رؤية شاملة ومشروع إصلاحي كبير، مع الإنكار عليها والتنديد بها والمطالبة بإلغائها وفضح من يقف وراءها.. ومن يصدر مثل هذه القرارات يملك السلطة ويقبع في مفاصل اتخاذ القرار ومن يندّد ويحتجّ ويرفض لا يملك إلا الشارع أو بعض فضاءات الإعلام الجديد وشتان ما بين الفريقين!! ما أستغربه حقا هو صمت أئمة المساجد - إلا قلة منهم - على مثل هذه المنكرات التي لا اختلاف في تحريمها بالنص الثابت والقطعي وخوضهم في الحديث عن المناسبات الوطنية والدينية والحملات ذات المنفعة العامّة!! * يشكو أئمة المساجد، من خلال نقابتين تتحدثان باسمهم، جملة من المشاكل. من خلال قربك من المؤسسة المسجدية، هل ترى انشغالاتهم مشروعة؟ وما واجب وزارة الشؤون الدينية نحوهم؟ ** هي انشغالات مشروعة حين يتعلّق الأمر بالحقوق التي تكفلها لهم القوانين، ولكن ماذا حين نتحدّث عن واجبات الأئمة ورسالتهم في الإصلاح وتصحيح المفاهيم ومحاربة البدع والمنكرات وصناعة الوعي وربط الناس بالدين وبيان واقع الأمة من الضعف والهوان والفرقة وأسباب ذلك؟ لا شك أن الميزان مختلّ تماما بين الحقوق المشروعة والواجبات المطلوبة.. أما وزارة الشؤون الدينية فهي مصلحة حكومية ومؤسسة من مؤسسات النظام لا يمكنها أن تفعل أو تقول غير ما يُملَى عليها ولا يُطلب منها أن تخرج عن سياسة الحكومة وتوجهاتها الاستراتيجية إن كان لها استراتيجية أصلا فمّما لا طائل من ورائه مطالبتها بما لا تستطيعه أو لا تريده!! * على ذكر وزارة الشؤون الدينية، يسجل متتبعون تحفظات كثيرة على أداء الوزير محمد عيسى، لاسيّما في ظل مواقفه (الباردة) بخصوص قضايا مصيرية مثل التطاول على الدين والتجرؤ على الشريعة من قبل بعض السفهاء. كيف تقيّمون، من موقعكم، أداء هذا الوزير؟ ** لعلّ الجواب عن السؤال السابق يفي بالغرض.. فتلك وزارة وهذا وزير!! * انقسم مفكرو وعلماء الأمة إلى ثلاثة أقسام، قسم (منحاز) للأنظمة يدافع عنها، مع الدعوة إلى إصلاحها، وقسم يضع البنزين على نار ما يسمى بالربيع العربي داعيا إلى ثورات عارمة على الأنظمة، وقسم ثالث يفضل تجنب الخوض في السياسة خشية الوقوع في الخطأ، أو لأسباب أخرى. إلى من يميل الشيخ منير صغير، وكيف يمكن للعامة التمييز بين الحق والباطل في ظل هذا الانقسام وسط من يُفترض بهم أن يكون أئمة وقادة للفكر والرأي؟ ** ليس العلماء هم من يصنعون الواقع ويؤثّرون فيه للأسف إلا قلّة منهم، ولكل طائفة مبرراتها وتأصيلها لما تفعل وتختار، والمعيار هو أن الظلم والاستبداد والطغيان والفساد لا يمكن لمسلم فضلا عن عالم أن يقف معه أو يبحث له عن المبررات ويلوي له أعناق النصوص، والربيع العربي لم يكن شرا كلّه بل صاحبته موجة من الوعي والتحالفات تنسّمت خلاله كثير من الشعوب نسائم الحريّة بعد عقود من الاستبداد وفُتحت ملفات خطيرة واتّضحت رؤى ومواقف وعلاقات ما كان لها أن تظهر في جو الرتابة والاستقرار الكاذب الوهمي، شخصيا لن أدافع عن الظلم لأن ديني يمنعني من ذلك، ولا أدعو إلى اعتزال العلماء حين يكون الحق لائحا ودليله واضحا وللعلماء كلمتهم المسموعة ورأيهم المؤثّر، أما صبّ البنزين على النار فذلك أمر يحتاج إلى السؤال عمّن أوقد النار أوّلا ومن جمع التبن والحطب ومن وفّر الأسباب للنار أن تشتعل.. فالأمر ليس بالبساطة التي تسوّقها وسائل الإعلام التي وراء كل واحدة منها نظام أو مخابر أو أموال واستثمارات أو توجهات معيّنة.. نحتاج قدرا كبيرا من الانتباه والتحرّر من هيمنة وسلطة الصوت والصورة والخبر... * ترى بعض المرجعيات الفكرية والدينية في المشرق، وخصوصا في الخليج العربي، أن الشيعة أخطر من بني صهيون.. هل أنتم مع هذا الطرح؟ وكيف يمكن إحداث التقارب المأمول بين السنة والشيعة؟ ولماذا تتردد بعض المرجعيات الشيعية في إنكار التطاول على الصحابة وأمهات المؤمنين برأيك؟ ** أظن أن مشروع التقريب بين السنّة والشيعة قد فشل فشلا ذريعا وسقط تماما... وهو مشروع كان يحمل بذور فشله من داخله... والمطلوب مشروع للتعايش والحسن الجوار في دائرة الأمة وإطار الإسلام العامّ، وليس مشروعا لتقريب موهوم أو اختراق للنسيج العقدي والفكري لأهل السنّة... والشيعة طائفة من الطوائف بينما أهل السنّة هم سواد الأمّة، والطائفة فيها الغلاة وفيها العقلاء ولكن التشيّع الرافضي الصفوي يبقى انحرافا وضلالا لا يشك فيه من عرف الإسلام وشمّ رائحة السنّة ودرس تاريخ الملل والنّحل والطوائف وتجرّد للحق، أما تردّد مراجع الشيعة في إنكار التطاول على الصحابة وأمّهات المؤمنين فلأن إنكار ذلك يهدم ثلث مذهبهم أو نصفه ويفقدهم مبررات المظلومية التي يدّعونها... وأذكّر هنا بمحبة أهل البيت وتولّيهم وتعظيم حق قرابتهم والإنكار على كل من آذاهم وظلمهم وتطاول عليهم فمحبتهم دين وقربة وبغضهم ضلال وبدعة. * تشتغلون في مجال العمل الخيري من خلال جمعية تشرفون عليها. كيف تقيّمون تجربتكم، ووضع الجمعيات الخيرية في الجزائر؟ وهل تلقى الدعم المفترض، سواء من لدن السلطات أو فاعلي الخير؟ ** الجمعيات الفاعلة في الساحة حقا تتلقّى الدعم من الخيّرين والمحسنين وأهل البذل بينما لا تكاد تتلقى شيئا ذا بال من المال العامّ، وما ضاع من الأموال بالملايير على البايلا المحترقة في وهران دليل لكل ذي بصر وبصيرة، ويجعلنا نفهم قوله تعالى (ولا تؤتوا السفهاء أموالكم التي جعل الله لكم قيما....).. أما تقييم التجربة فأفضّل أن يقيّمها غيرنا حتى لا نحابي أنفسنا ونتشبّع بما لم نُعط ونحمد أنفسنا بما لم نعمل. * هل أنت متفائل بمستقبل الجزائر والأمة الإسلامية؟ ** نعم متفائل جدا... * هل من إضافة تتكرمون بها؟ ** نحن على مفترق الطرق... ولا عصمة إلا بالقرآن والسنّة ولزوم غرز العلماء حقا في الشريعة وغيرها فكلها علوم وكلهم علماء.. وإلا بالعمل الدؤوب والبذل والعطاء.. وبالوعي وتصحيح المفاهيم، والسعي نحو وحدة الصف حول المشترك من المحكمات والقطعيات ومدافعة الباطل والكفر والفساد بالعلم والعدل والحكمة والذكاء... ودعوة إلى كل من يرى من نفسه أهلية وكفاءة فجمعية العلماء وفي وهران خاصة تدعوكم إليها وتفتح أبوابها لكم وترحّب بكل عامل عالم، وفضاءات التدافع وثغور الأمة كثيرة فليحذر أحدنا أن يُؤتى الإسلام من قِبَله. * ما هي رسالتكم للجزائريين.. وللمسلمين عموما..؟ ** أن نفهم جميعا وبعمق وعلم ووعي لا شعارا يُرفع وكلاما يُسمع: أن الإسلام - كلّ الإسلام - دينُنا والعربية - لأنها لغة القرآن والسنّة - لغتُنا والجزائر وطننا. * ما هي كلمتك الأخيرة؟ ** نحن قوم أعّزنا الله بالإسلام فمهما ابتغينا العزّة في غيره أذلّنا الله.