بقلم: الشيخ أبو إسماعيل خليفة لن أقوم بسرد تفاصيل غزوة بدر فقد تناولها الكثيرون بالبحث والتأليف والتصنيف وما أظنني سأضيف شيئا وإن الدروس المستفادة من غزوة بدر لا تنتهي ولكن ليس الغرض كثرة الكتابة وإنما كثرة الاستفادة نعم كثيرة هي تلك القيّم الحضارية التي ظهرت في غزوة بدر كأحداث رئيسة في المعركة ولكن في هذه العجالة أريد أن أقف معكم حول هذه اللطيفة التي ذكرها ابن إسحاق في سيرته فقال: حدثني حبان بن واسع عن أشياخ من قومه: أن رسول الله {صلى الله عليه وسلم} كان يوم بدر يعدّل صفوف أصحابه يوم بدر بقدح كان في يده فمر بسواد بن غزية حليف بني النجار وهو مستنتل من الصف فطعن رسول الله في بطنه بالقدح وقال: استو يا سواد فقال: أوجعتني يا رسول الله وقد بعثك الله بالحق فاقدني فكشف رسول الله عن بطنه فقال: استقد فأعتنقه وقبّل بطنه فقال رسول الله: ما حملك على ما صنعت؟ فقال: يا رسول الله حضر ما ترى ولم آمن من القتل فأردت أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك فدعا له رسول الله بخير أيها القراء الأعزاء: إنها ساعة الحسم في المعركة وفي أجوائها وبين صهيل الخيول وصليل السيوف والخطب شديد ولكن حقوق الناس أولى وما أدراك ما حقوق الناس؟ أي عظمة هذه سيّدي يا رسول الله؟ يا سيدي يا رسول الله معذرةً * إذا كبا فيك تِبياني وتعبيري ماذا أُفيكَ من حقّ وتَكْرُمة * وأنت تعلو على ظني وتقديري كيف بالله لا يحبه أتباعه أكثر من أولادهم وأنفسهم ويفدونه بأموالهم ويهجرون من أجله بيوتهم وقراهم بحيث يكون مسّ جسده الشريف أكبر أمنية لهم قبل لقاء العدو وقد يكون فيه موتهم في سبيل الله تعالى بعد أن جاءهم بهذه المفاهيم العظيمة ورسخها في مجتمعهم بدءا من نفسه إيه أيها القراء العزاء: إنه لا نصر بدون عدل وإنصاف فبالعدل قامت السموات والأرض وبالعدل يصلح أمر الدنيا ومتى لم تقم بعدل لم تقم العدل أساس البناء السليم والركيزة الحقيقية للعدل هي الإنصاف والإنصاف أن تحب لغيرك من الحق مثل ما تحب أن تناله أنت لو كنت مكانه فيا ليت قومي يعلمون أو يفيقون فيعقلون بل أيها القراء الأعزاء إن حياة النبي {صلى الله عليه وسلم} كلها وسيرته مدرسة زاخرة بالمواقف التربوية التي يستلهم منها المسلمون الأخلاق الفاضلة والأحكام العادلة التي تصل بهم إلى السعادة في الدنيا الآخرة ذلك كان رسول الله {صلى الله عليه وسلم} وقد غفر الله له ما تقدم من ذنبه وما تأخر أوَلسْنا أحوج إلى هذا من نبينا {صلى الله عليه وسلم}؟ فهل يا تُرَانا نحن نصنع هذا مع من نخطئ معهم في حياتنا؟! ألا إن سنّة التحلل من المظالم سنّة متروكة فهل أحييناها قال {صلى الله عليه وسلم} فيما رواه البخاري: (من كانت عنده مظلمة لأخيه من عرضه أو من شيء فليتحلله منه اليوم قبل ألا يكون دينار ولا درهم إن كان له عمل صالح أخذ منه بقدر مظلمته وإن لم يكن له حسنات أخذ من سيئات صاحبه فحمل عليه) ألا فلنتدارك أنفسنا فالدُّنيا تمرُّ وتزول ويوم القيامة يوم العدل والحساب والذي لا يُؤدِّي الحقوق في الدُّنيا فسيؤديها يوم القيامة