قلما نرى في تاريخ الحروب صورة تعبر عن العدل بيت القادة والجنود، فالتاريخ الإنساني حافل بصور استبداد القادة العسكريين وظلمهم للجنود.. أما محمد صلى الله عليه وسلم فنراه في أرض المعركة يقف أمام جندي من جنوده لَيَقتص الجندي منه.. أما الجندي فهو ِسَوَادِ بْنِ غَزِيّةَ، لما اسْتَنْتِل من الصف، غمزه النبي – صلى الله عليه وسلم - غمزة خفيفة في بَطْنِهِ - بالسهم الذي لا نصل له - وقال: "اسْتَوِ يَا سَوّادُ!".. قال: يا رسول الله! أوجعتني! وقد بعثك الله بالحق والعدل؛ فَأَقِدْنِي! فكشف رسول اللّهِ - صلى الله عليه وسلم- عَنْ بَطْنِهِ، وَقَالَ: "اسْتَقِدْ".. فَاعْتَنَقَهُ فَقَبّلَ بَطْنَهُ! فَقَالَ النبي- صلى الله عليه وسلم-: "مَا حَمَلَك عَلَى هَذَا يَا سَوّادُ؟"، قال: حضر ما ترى، فَأَرَدْتُ أن يكون آخر العهد بك أن يمس جلدي جلدك! فدعا له رسول الله بخير [ابن هشام 1 / 626].
دعاء القائد لجنده :
لما عَدّلَ رَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - الصّفُوفَ وَرَجَعَ إلَى مقر القيادة، فَدَخَلَهُ وَمَعَهُ فِيهِ أَبُو بَكْرٍ الصّدّيقُ ، لَيْسَ مَعَهُ فِيهِ غَيْرُهُ، إذا بَرَسُولُ اللّهِ - صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ - يُنَاشِدُ رَبّهُ مَا وَعَدَهُ مِنْ النّصْرِ وَيَقُولُ فِيمَا يَقُولُ : " اللَّهُمَّ أَنْجِزْ لِي مَا وَعَدْتَنِي .. اللَّهُمَّ آتِ مَا وَعَدْتَنِي.. اللَّهُمَّ إِنْ تُهْلِكْ هَذِهِ الْعِصَابَةَ مِنْ أَهْلِ الإسلام لا تُعْبَدْ فِي الأرْضِ!!"[مسلم ( 3309)].. وبالغ في الابتهال، فَمَا زَالَ يَهْتِفُ بِرَبِّهِ مَادًّا يَدَيْهِ مُسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةِ، حَتَّى سَقَطَ رِدَاؤُهُ عَنْ مَنْكِبَيْهِ، فَأَتَاهُ أَبُو بَكْرٍ فَأَخَذَ رِدَاءَهُ فَأَلْقَاهُ عَلَى مَنْكِبَيْهِ، ثُمَّ الْتَزَمَهُ مِنْ وَرَائِهِ، وَقَالَ : "يَا نَبِيَّ اللَّهِ ! كَفَاكَ مُنَاشَدَتُكَ رَبَّكَ، فَإِنَّهُ سَيُنْجِزُ لَكَ مَا وَعَدَكَ" ... ثُمّ انْتَبَهَ فَقَالَ " أَبْشِرْ يَا أَبَا بَكْرٍ ! أَتَاك نَصْرُ اللّهِ ! هَذَا جِبْرِيلُ آخِذٌ بِعَنَانِ فَرَسٍ يَقُودُهُ، عَلَى ثَنَايَاهُ النّقْعُ" [السهيلي 3 / 68] وكان من دعاء النبي- صلى الله عليه وسلم - ما ذكره علي بن أبي طالب، حيث قال: "لما كان يوم بدر قاتلتُ شيئًا من قتال، ثم جئتُ مسرعًا إلى النبي - صلى الله عليه وسلم -لأنظر ما فعل، فإذا هو ساجد يقول: " يا حي يا قيوم "، لا يزيد عليهما، ثم رجعت إلى القتال ثم جئت وهو ساجد يقول ذلك، ثم ذهبت إلى القتال.ثم رجعت وهو ساجد يقول ذلك. " [الصالحي 4 / 37]. و نظر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إلى المشركين وتكاثرهم وإلى المسلمين فاستقلهم، فركع ركعتين، وقام أبو بكر عن يمينه، فقال رسول الله- صلى الله عليه وسلم- في صلاته: " اللهم لا تودع مني، اللهم لا تخذلني، اللهم أنشدك ما وعدتني "[ الصالحي 4 / 38] وكان من دعائه كذلك لجنوده : " اللهم إنهم حفاة فاحملهم، اللهم إنهم عراة فاكسهم، اللهم إنهم جياع فأشبعهم " [أبو داود:( 2747 )، وحسنه الألباني]. قال عبد الله بن عمرو : ففتح الله له يوم بدر فانقلبوا حين انقلبوا وما منهم رجل إلا وقد رجع بجمل أو جملين واكتسوا وشبعوا.