أثار فرض حظر ارتداء الحجاب على الطالبات في أذربيجان مؤخرًا موجةً من الاحتجاجات التي اجتاحت البلاد، حيث تجمَّع الآلاف في قرية ناردران خارج مدينة باكو، معربين عن استعدادهم للموت ذودًا عن دينهم ومعتقداتهم. وكانت مدينة باكو قامت بحظر الحجاب كجزءٍ من محاولتها لاستعادة الزيّ المدرسي الموحَّد، الذي زاد من حدة التوتر مع الحكومة التي صارت على خلاف حاد مع المسلمين الملتزمين المتنامي عددهم في البلاد. غضب عائلي وردًّا على الحظر، توقف المئات من الفتيات عن الذهاب للمدارس، ومنهم كويليفا فوسالا، طالبة 11 عامًا، التي قالت: "لن أتخلى عن حجابي.. إنهم لم يُظهروا لنا أيَّة أوراق رسميَّة تفيد بحظر حجابنا، ولا يمكنني فهم تعليماتهم اللفظيَّة، كما أنني لا أستطيع اتّباع نظامهم". كما أعرب الآباء أيضًا عن استيائهم من القرار، الذي جاء عقب تصريح شفهي لوزير التربية والتعليم ميسير ماردنوف قال فيه: إن ملابس الفتيات يجب أن تتوافق مع القواعد الجديدة للزي المدرسي، فيما فكَّر آخرون في نقل بناتهم إلى مدارس خاصَّة. نظرة قانونيَّة وقد اعترض المحامون ونشطاء حقوق الإنسان على قرار الحظر، مؤكِّدين أن الحكومة ليس لديها الحق في حظر الملابس الدينيَّة في المدارس، حيث أن دستور الدولة لا يفرض أي قيود على ارتداء الحجاب خاصَّة. وفي ظلّ عدم وجود قانون رسمي بشأن هذه القضيَّة، أكَّد الآباء أن القيود الجديدة على الحجاب ليست قانونية، ولا يمكن أن تكون بالإكراه. أما المسئولون في المدارس العامَّة، مثل علي أحمدوف، مدير المدرسة المتوسطة الرئيسيَّة في باكو، في تُرِكوا موقف لا يُحسد عليه يتمثل في فرض مرسوم، لا يحظى بأي شعبية لدى أولياء الأمور الغاضبين، بالقوَّة. وخلال اجتماع عُقد مؤخرًا مع أولياء الأمور، قال أحمدوف: "ينبغي علينا أن نضمن أن الطالبات لن يأتين إلى الفصول الدراسيَّة بالحجاب"، مشيرًا إلى "أنه لا يوجد أي فرق فيما إذا كانت التعليمات شفهيَّة أو مكتوبة"، فردَّ ناظم ماليكوف أحد الآباء الحاضرين للاجتماع، قائلًا: "لكن وزير التعليم لم يقلْ أنه ينبغي حظر الحجاب على الفور"! قيود وتوترات جديرٌ بالذكر أن حدَّة التوتر بين المسلمين والدولة قد تصاعدت في السنوات الأخيرة، في ظلّ رغبة قيادة أذربيجان - إلهام علييف الزعيم الذي يتمتع بالدعم والنفوذ القبلي- في العودة للثقافة العلمانيَّة. وفي تقريرها السنوي عن الحرية الدينيَّة، لاحظت وزارة الخارجية الأمريكيَّة، تزايد القيود المفروضة على الإسلام والأقليَّات الدينيَّة في أذربيجان، وكما هو الحال مع المناطق والبلدان التي نالت استقلالها بعد انهيار الاتحاد السوفيتي والتي يُشكل المسلمون غالبيَّة سكانها، فإن أذربيجان تُخضِع مساجدها والزعماء الدينيين فيها لإجراءات التسجيل الدقيق وتُبقيهم تحت ولاية المجلس الاستشاري للاتحاد السوفيتي. وقد أشار التقرير الأمريكي إلى إغلاق عددٍ من المساجد في العام الماضي، فضلًا عن القيود المتزايدة على الدعوة إلى الدين وتوزيع الكتب الدينيَّة، وأعداد المسلمين الذين يتمُّ دعوتهم للصلاة، إلى جانب شكوى عدد من المسلمين أيضًا من استهدافهم من قِبل الشرطة، حيث قاموا بضربهم وحلق لحاهم بالقوَّة! وبرغم ذلك، وحسب تقرير وزارة الخارجيَّة الأمريكيَّة، فإن عدد المسلمين المتدينين آخذٌ في النمو، رغم حملات الحكومة المتكرِّرة ضد الإسلام والمسلمين. رمز ديني من جانبها حاولت وزارة التربية، مسرح للاحتجاجات، إلى التقليل من شأن الجدل، زاعمين أن عدد الطالبات المرتديات للحجاب قليل نسبيًّا، وأن الكثير منهن قد أذعنوا للقواعد الجديدة وتخلَّين عن ارتداء الحجاب عن طيب خاطر. كما أشارت زامينة عليكيزي المتحدثة باسم وزارة التربية والتعليم في مدينة باكو، إلى أن البنات في سنّ الدراسة بين 6 و 16 هن أصغر من أن يفهمن المغزى من الالتزام بمعتقداتهن الدينية أو ما يعنيه أن يغطين رؤوسهن في المدارس". وقد أثارت الاحتجاجات خارج الوزارة، وحرق صور مديرها، ماردنوف، خلال مظاهرات أخرى، مخاوف ألا تكون الحكومة العلمانيَّة -التي تركِّز على حماية قاعدة سلطتها ونفوذها وتعظيم الأرباح الهائلة من الطاقة في أذربيجان- على دراية كافية بواقع الرأي العام في البلاد، حيث ينظر المواطنون إلى الدين باعتباره شريان الحياة الاجتماعيَّة. أزمة مفتعلة من جانبه أكَّد المحامي انتقام علييف أن حظر الحجاب يعتبر غير قانوني وحيلة على حدٍّ سواء للحفاظ على الجدل الدائر والتركيز بعيدًا عن قضايا مثل الفساد والمستوى المتدني للمعيشة، محذِّرًا من أن هذه الحيلة قد تأتي بنتائج عكسيَّة في نهاية المطاف. وأردف علييف: "إن الحجاب أحد علامات حرية الضمير، كما أعتقد أن مشكلة الحجاب تَمَّ افتعالها، وهدفها الرئيسي هو إلهاء الناس عن المشاكل الاجتماعيَّة والسياسيَّة الخطيرة في البلاد"!