بقلم: عصام نعمان* عوّد تنظيم (الدولة الإسلامية في العراق والشام داعش) أعداءه والعالم على ضرب كيانات ومكوّنات ومساجد شيعية أو محسوبة عليهم وإذ به يخالف مؤخراً تقليده الأثير بضربه مسجداً تابعاً لقوات الطوارئ السعودية في منطقة عسير. الهدف المضروب سعودي عسكري سنّي وهابي فما سر هذا التغيير المفاجئ في التقليد العريق المتّبع وفي الاستهداف الواضح للدولة السعودية؟ في المسألة قولان: بعض المحللين والخبراء الإستراتيجيين يقول إن (داعش) هو مجرد أداة امريكية وإن ما فعله في أبها هو بأمر من وكالة الاستخبارات المركزية الامريكية C.I.A لتسريع انضمام السعودية إلى سياسة الولاياتالمتحدة (الجديدة) بعد توصلها مع إيران إلى الاتفاق النووي الأخير. بعضهم الآخر يقول إن في (داعش) جناحين أو أكثر وإن أحدهما فعل فعلته في أبها ليحذرالسعودية من مغبة الانخراط في السياسة الأمريكية (الجديدة) المكلفة لها حكومةً وشعباً. لستُ من القائلين إن (داعش) هو مجرد أداة أمريكية. إنه كيان مذهبي سياسي عسكري قائم بذاته له عقيدته وهيكليته وبرنامجه السياسي واستراتيجيته الخاصة به وإنه أضحى (دولة) من طراز لا يشبه إلاّ نفسه. ولأن للدولة هذه مصالح تحميها وأخرى تسعى إلى امتلاكها فهي تتعاون أو تتصارع مع غيرها من الدول والكيانات من أجل تحقيق مصالحها والدفاع عنها. توسع (داعش) أزعج الأمريكيين الذين يساندون الأكراد السوريين ويريدون أن يكون لهم دور في التسوية المقبلة في سوريا بين أطراف الصراع. حتى تركيا انزعجت من (داعش) بعد اكتشافها نجاحه في بناء بنية تحتية واسعة داخل المدن التركية وتخوّفت من إمكان استخدام هذه البنية مستقبلاً في تنفيذ عمليات إرهابية داخلها. مع الاتفاق النووي بين الولاياتالمتحدةوإيران وصلت علاقات واشنطن مع (داعش) إلى ما يشبه الافتراق. فقد تبيّن أن لأمريكا مخططاً لإعادة ترتيب أوضاع المنطقة يتعارض مع سياسة (داعش) وتحركاته على الأرض ولاسيما شقه الذي يتعلق بالأكراد السوريين. هذا التطور المستجد استوجب أمرين: اجتذاب تركيا إلى (التحالف الدولي) وتفعيل مشاركتها في المواجهة مع (داعش) وإقناع السعودية بضرورة إعادة النظر بسياستها الراهنة في سوريا واليمن على نحو يُتيح إجراء تسويات سياسية وجيوبوليتيكية تحمي مصالح الولاياتالمتحدة وحلفائها في المنطقة. بين واشنطن وداعش يبدو أن واشنطن نجحت جزئياً مع كل من أنقرة والرياض لكنها ما زالت تريد منهما المزيد. فقد وافقت تركيا على وضع قاعدة (انجرليك) الجوية بتصرفها في حربها المحدودة على (داعش) مقابل منحها (حق) إقامة (منطقة آمنة) في شمال سوريا لتركّز فيها مجاميع من اللاجئين السوريين إلى أراضيها ولا سيما التركمان منهم الأمر الذي يمكّنها من منع الأكراد السوريين من التمدد على طول الحدود السورية -التركية من عين العرب (كوباني) في الشرق إلى عفرين في الغرب. غير أن التباين ما زال قائماً بين واشنطنوأنقرة حول مساحة (المنطقة الآمنة) وحدودها والغاية النهائية من وراء إقامتها. في ضوء هذه الواقعات والتطورات يمكن الاستنتاج أن ضربة (داعش) في أبها كانت بعلم الولاياتالمتحدة بل ربما بأمر منها أيضاً وأنها بموافقة جناحي (داعش): الأول الممالئ للأميركيين والآخر الأكثر استقلالاً ولكن المتعاون معهم بالتأكيد وأن القصد من الضربة الضغط لتسريع انضمام السعودية إلى سياسة أمريكا في المنطقة. فالجناح الممالئ لأمريكا لا يمانع في إسداء هذه (الخدمة) لها مقابل ثمن ما يقبضه في زمان ومكان. والجناح الأكثر استقلالاً لا يمانع في إعطاء السعوديين انطباعاً بأنه قادر على الرد والاقتصاص وإن من مصلحتهم والحال هذه ألاّ يتورطوا كثيراً مع الأمريكيين. ماهية الثمن المراد دفعه لِ داعش ؟ لا معلومات موثوقة بعد إنما تكهنات شتى لعل أخطرها الحديث عن صفقة تُرضي في الوقت نفسه تركيا و(إسرائيل). فالأمريكيون قد لا يتورعون عن تقديم وعد لِ(داعش) بأن تبقى له اليد العليا في محافظاتالعراق الغربية (نينوى وصلاح الدين والأنبار) لإقامة كيان داخل الفيدرالية العراقية أو في إطار علاقة كونفدرالية مع حكومة بغداد. كل ذلك بقصد أن يكون هذا الكيان بمثابة اسفين يفصل سوريا عن العراق وبالتالي عن إيران. تركيا لا يضيرها هذا الترتيب الخبيث خصوصاً إذا تعهدت لها أمريكا بأن محافظة الحسكة ستبقى في إطار دولة سوريا المعاد تنظيمها وأنها لن تكون مرتبطة بكردستان العراق ذي الحكم الذاتي. متى يتصالح العرب مع أنفسهم ليتفادوا مبضع الغرب الجارح؟