إحصاء 16 ألف وقف بالجزائر    زيت زيتون ولاية ميلة يظفر بميدالية ذهبية وأخرى فضية في مسابقة دولية بتونس    اللقاء الجهوي الأول للصحفيين و الإعلاميين الجزائريين: ورشات تعنى بواقع الصحافة والممارسة الصحفية    وزير الاتصال يعلن عن استكمال النصوص التنظيمية لتأطير العمل الصحفي    الاتحاد العربي لكرة السلة: انتخاب الجزائري مهدي اوصيف عضوا في المجلس و إسماعيل القرقاوي رئيسا لعهدة رابعة    دربال يؤكد على ضرورة إنجاز محطة جديدة لتصفية المياه المستعملة بتمنراست    حج 2025: اجتماع اللجنة الدائمة المشتركة متعددة القطاعات    ترياتلون/كأس افريقيا المفتوحة : الجزائر تشارك بستة عناصر بتيبازة    طيران الطاسيلي تنال للمرة الثامنة شهادة "إيوزا" الدولية الخاصة بالسلامة التشغيلية    سعداوي يؤكد التزام الوزارة بدعم ومرافقة المشاريع والأفكار المبتكرة للتلاميذ    المديرية العامة للضرائب: تمديد أجل اكتتاب التصريحات السنوية للنتائج إلى غاية 1 يونيو    وقفة احتجاجية الأربعاء المقبل أمام البرلمان الأوروبي للمطالبة بإطلاق سراح الأسرى المدنيين الصحراويين في السجون المغربية    استثمار اجتماعي: سوناطراك توقع عدة اتفاقيات تمويل ورعاية    وهران : الطبعة الأولى للمهرجان الوطني "ربيع وهران" من 1 الى 3 مايو المقبل    وزارة التربية تلتقي ممثّلي نقابات موظفي القطاع    تحقيق الأمن السيبراني أولوية جزائرية    اتحاد الجزائر وشباب بلوزداد وجهاً لوجه    توفير الحماية الدولية للشعب الفلسطيني    بنو صهيون يستهدفون النازحين في غزّة    الأمم المتحدة: 500 ألف فلسطيني نزحوا من منازلهم بغزة منذ منتصف مارس الماضي    والي العاصمة يستعجل معالجة النقاط السوداء    منارات علمية في وجه الاستعمار الغاشم    معارك التغيير الحضاري الإيجابي في تواصل    هذه وصايا النبي الكريم للمرأة المسلمة..    مزيان يُشرف على تكريم صحفيين    اجتماع بين زيتوني ورزيق    نرغب في تعزيز الشراكة مع الجزائر    مؤامرة.. وقضية مُفبركة    تراث الجزائر.. من منظور بلجيكي    سوناطراك توقّع مذكرتين بهيوستن    بن سبعيني يمنح برشلونة رقما استثنائيا    في اختتام الطبعة ال1 لأيام "سيرتا للفيلم القصير    الوزير الأول, السيد نذير العرباوي, ترأس, اجتماعا للحكومة    الجزائر قامت ب "خطوات معتبرة" في مجال مكافحة الجرائم المالية    إحباط محاولات إدخال قنطارين و32 كلغ من الكيف المغربي    فرنسا تعيش في دوامة ولم تجد اتجاهها السليم    "صنع في الجزائر" دعامة لترقية الصادرات خارج المحروقات    التكنولوجيات الرقمية في خدمة التنمية والشّمول المالي    اجتماعات تنسيقية لمتابعة المشاريع التنموية    الرياضة الجوارية من اهتمامات السلطات العليا في البلاد    آيت نوري ضمن تشكيلة الأسبوع للدوريات الخمسة الكبرى    السوداني محمود إسماعيل لإدارة مباراة شباب قسنطينة ونهضة بركان    عين تموشنت تختار ممثليها في برلمان الطفل    الطبخ الجزائري يأسر عشاق التذوّق    استبدال 7 كلم من قنوات الغاز بعدة أحياء    بومرداس تعيد الاعتبار لمرافقها الثقافية    مشكلات في الواقع الراهن للنظرية بعد الكولونيالية    أيام من حياة المناضل موريس أودان    نافذة ثقافية جديدة للإبداع    صناعة صيدلانية : قويدري يتباحث مع السفير الكوبي حول فرص تعزيز التعاون الثنائي    سانحة للوقوف عند ما حققته الجزائر من إنجازات بالعلم والعمل    حجز الرحلات يسير بصفة منظمة ومضبوطة    التنفيذ الصارم لمخطط عمل المريض    20 رحلة من مطار "بن بلة" نحو البقاع المقدسة    ما هو العذاب الهون؟    عربٌ.. ولكنهم إلى الاحتلال أقرب!    كفارة الغيبة    بالصبر يُزهر النصر    







شكرا على الإبلاغ!
سيتم حجب هذه الصورة تلقائيا عندما يتم الإبلاغ عنها من طرف عدة أشخاص.



ثوار الربيع ضحايا خديعة كبرى أم أبطال في قضية؟
نشر في أخبار اليوم يوم 02 - 09 - 2015


بقلم: مطاع صفدي*
هل هو زمن الاضطراب الأعظم هذا الذي يحياه مئات ملايين العرب وهم لا يكادون يتفقون على اسم معين له هل هو ثورة شعبية أم مؤامرة دولية. وإذا كان ثورة فإنه لن يكون إلا خليطاً من معظم نماذج الثورات المتعارضة فيما بينها كأسباب ونتائج وعلاقات وأهداف. هل هي عينة رهيبة عن الفوضى الكونية. هل هي التمارين الأولية عن فوضى القيامة التي ستحل بالبشرية جمعاء يوماً ما.
صعوبة تحديد هوية هذا الحدث المرعب ليست آتية فقط عن فظاعاتها غير المسبوقة في عداد قاموس الأهوال البشرية المتداولة بل هي الصعوبة الناجمة عن استحالة فهمها عن انكسار ثقافة المعقولات المشرعة تجاه لامعقولها شبه الجنوني أو بالأحرى ما فوق الجنوني.
مصطلح مشوه
لم يعد (الربيع العربي) سوى مصطلحا تائها بين أنداد شوهاء عنه لا تشبهه إلا بادعاء انتماء إلى اسمه فحسب وبالتالي ليست المسألة متعلقة بالتسميات وإنْ انْقاد الرأي العام غالباً وراء الكلمات مع تناسي أفعالها لكن الحاجة إلى الفهم لا غنى لها عن استعمال الكلمات. يبقى على العقل الواعي أن يعيد اكتشاف مرجعيات الكلمات في عظم الواقع ولحمه كلما أراد أن يُلحق كلماته بأفعالها المؤثرة. وهذه هي لغزية الحضارة المستدامة وتميزها عن الحضارة الفاشلة فالأولى هي تلك الحضارة التي أثبتت ثقافتْها وقدرتهَا على عدم القطع مع جدلية العلاقة الحيّة بين كلماتها وأشيائها وتحديداً في أوقات أزماتها المصيرية أما الحضارة الفاشلة فهي التي تظل سجينة كلماتها بإرادتها لا تعرف كيف الخروج منها إلا للتوجه نحو أنساق من كلمات أخرى تجدّد فيها سجنَها القديم الأزلي.
بعد هذه السنوات الأربع الخمس بات السؤال عن (الربيع) كالبحث عن الشيء في وكر من الأفاعي. ومع ذلك فهذا الشيء هو موجود بطريقة ما وإن كان مفقوداً بطرق ملتوية كثيرة.. فلقد أحب الناس جميعهم تقريباً في بلادنا حادثة بوعزيز التونسي. إذ تفتحت صدورهم جميعاً لاستقبال أول انتفاضتين لتونس ومصر وبعد أن تكللتا بالنجاح السريع مع إسقاط رمزين كبيرين لنوع الاستبداد البوليسي اللصوصي السائد في دنيا العرب.. لم تنل الانتفاضتان محبة شعوبهما وحدهما. بل إن الغرب الأهلي هنا رحَّب بالمفاجأة الديمقراطية الشعبية الجديدة أو الصاعدة.
هذه البدايات ما بين تونس والقاهرة وطرابلس ارتفعت سريعاً إلى مستوى (ظاهرة) اجتماعية تاريخية كبرى. وقد استشعرتها عقول وأقلام النُخب الثقافية والشبابية في كل مكان. إذ كان إسقاط الديكتاتوريات العربية أبعد ما كان منتظراً في السياسة الدولية المستقرة والتي كان الاستبداد العربي يشكل أحد أعمدة أركانها الأساسية. فحين أُطلق اسم الربيع العربي على هذه الظاهرة لقي المصطلح تقبلَّه الفوري عربياً وعالمياً. تأمل المتفائلون بهذا الربيع كفاتحة لموجة تغيير كونية سيكون لها جولاتها في ميادين مختلفة. إنها مؤشر موضوعي أُممي على إمكانية أن يخرج عالم السياسة الدولية من جموده الطويل. أن يعيد إلى الحراك الإنساني بعضَ قوى اندفاعه منافساً لتسلط الحراكين الآخرين الاقتصادي والعسكري المتحكمين وحدهما بأقدار البشرية جمعاء.
المنعطف الأخير
هذا التقييم في فهم مغزى الربيع سوف يشكل فورياً حافزَ المنعطف الأخطر للاستراتيجية الحضارية (العميقة) للعلاقات الدولية السائدة. لكن لن يكون مقبولاً ولا مسموحاً أن يستعيد الحراك البشري استقلاله. أن تعود إليه مبدئية الحرية الذاتية ما قبل وما فوق الأنظمة والشرائع فالظاهرة الربيعية عابرة للحدود. إنها نوع من الزلزال الاجتماعي الذي يهدد كل بناء فاسد بالانهيار على رؤوس مستغليه. إنها تعيد أسطورة الثورة الأممية قد تسترجعها تنبشها من تحت ركام تجاربها الماضية المهولة بكل معاركها الشمولية بخيرها وشرها قد تستأنف مسيرة التاريخ لتأتي هذه المرة مُصحِّحةً لمفاهيمها ومُصوِّبة أكثر لقراراتها ومواقفها.
اليوم الفكرُ العالمي هو في أعلى مراحل حاجته الأنطولوجية إلى التغيير. وقد بات يعاني هذه الحالةَ درامياً كأنه لم يتغير لمرة واحدة طيلة تاريخه الحافل بأعنف القطيعات وأروعها.. كأنه لم يتغير أبداً ولذلك تلقَى فكرة ثورة الحرية العربية بحماسة غير معروفة عنه سابقاً إزاء أحداث العالم الثالث. بل أصبحت هذه الحالة الثورية الجديدة أشبه بظاهرة كونية تثير عقول الطلائع النخبوية في شتى المجتمعات الغربية بالرغم من نماذجها العالمثالثية أو تلك البعيدة عنها ذلك أن أهمية هذه الظاهرة وانفتاح الفكر الإنساني عليها هو كونها أنها أعادت إلى الحرية مبدئيتها الخالصة من أية تشابكات أخرى مع المفاهيم الاجتماعية المتكالبة عليها من كل حدب وصوب تلك (المذهبيات) العديدة التي تصيّدت تأويلات متعارضة حاولت كل منها اعتقاَل الحرية داخل شرنقتها العقائدية الخاصة بها. الأمر الذي جعل تاريخ التغيير حتى في أرقى مجتمعاته تصاب حركاتُه الثورية بأمراض من الإعاقة الذاتية إذ كانت تتكشّف دائماً عن أعطال متنامية في أجهزتها الوطنية قبل أن تحقق نضجها المسوّغ لمشروع وجودها أصلاً.
فالحرية المطهرة من الأدلجات حتى من ذاكرتها وبقايا أوثانها المحطمة. تلاقيها صيغة الشبيبة غير الملوثة بعدُ بأمراض بيئاتها الموبوءة بحيث يبدو أن كل مجتمع معاصر يمكن لهذه الصيغة أن تولِّد نسخةً حية عنها. هكذا تكتمل عناصر الصيغة عندما تحوز على توصيفها العام كظاهرة استثناء غير مسبوقة في النظرية السياسية. ما يمكن أن يمتد تأثيرها من الواقع اليومي حتى إلى الجامعات حيثما تتابع انقلابات منهجية رأساً على عقب في فروعها الاجتماعية والفلسفية.
إذن ثورة الحرية هي الأساس وكل ما عداها في النظرية السياسية هوامش نافلة. أما تجارب (الربيع العربي) فهي في جملتها لم تستطع أن تقدم إلا عينات كبرى مضادة صارخة عن كل ما كان يؤمل منها ولم تنتج إلا كل ما هو منحرف عن معانيها أو قاضياً عليها كلياً. فقد انهارت وسائل العمل الجماعي ليبقى العنف وحيد الساحة. فالوحش التاريخي المتصدي للحرية في مختلف الظروف هو العنف المحض. إنه العدو الدهري للحرية. وإذا كان لأحداث المشرق المنتحلة لاسم الربيع والمغتصبة لأهم مفرداته إذا كان لها ما تدعيه تخصيصاً لها فهي أنها كادت أن تخلع من قلوب الناس محبَة الحرية عفوياً وبدون أية فذلكة مكتسبة أو مزروعة تربوياً أو توجيهياً أيديولوجياً. هذا الكنز من محبة الحرية والتعلق بها هو آخر زاد متبق لشعوبنا الفقيرة لإبقائها على قيد الحياة.
هل نقول إن معظم الشبيبة كادت تكره الحرية تحملّها مسؤولية تحولها إلى الوحشية الكاسرة التي قامت الثورة أصلاً من أجل انقاذ مجتمعاتها من أهوالها. لكن في المآل الأخير فإن الواقع (السياسوي) أصبح هو الكاسب الأول هو الأسرع في توظيف حتى أعدائه لخدمة أغراضه. فلماذا لا يشعر الكثيرون من ثوار الأمس واليوم أنفسهم في نهاية الدروب المغلقة أنهم كانوا ضحايا خديعة أكثر من كونهم أبطالاً في قضية.


انقر هنا لقراءة الخبر من مصدره.