الأخ خيري سليم شاب غيور على أمازيغيته وهذا حقه الذي أحترمه وأفهمه لكن ما لا أفهمه أبدا لماذا يجب أن تكون اللغة الفرنسية هي أداته في التعبير عن وفائه للهوية الأمازيغية ؟ هل اللغة الأمازيغية عاجزة عن الدفاع عن نفسها بنفسها أم أن الأخ سليم يشعر براحة أكثر مع اللغة الفرنسية حتى وهو ينافح عن الأمازيغية في وجه اللغة العربية ؟ أليس هذا نموذج صارخ عن الهوية التي لا هوية لها الهوية التي تنفي ذاتها ابتداء في سعيها لإثبات وجودها من خلال ذوات الآخرين وبالتالي تنتهي كما قلنا إلى (اللاشيء) إلى (اللاهوية) ذلك أنني عندما أحتاج إلى الآخر لأكون أنا فهذا يعني أن أنا هذه لا وجود لها أصلا أنا وهمية ترفض وتنتقم من ذاتها الحقيقية المكتشفة والمتكونة عبر القرون لترمي بنفسها في غياهب المجهول إرضاء للتصورات التي صاغها عنها الآخرون وقد يقول البعض إن الأمر يتعلق هنا برفض العروبة وليس اللغة العربية ولكن لا يوجد ثمة فرق لأن اللغة العربية لسان والعروبة هُوية ومن يتنكر للغة ينكر الهوية والعكس صحيح ولنتصور مواطنا فرنسيا يدافع عن اللغة الفرنسية في وجه اللغة الإنجليزية باستخدام اللغة الألمانية أو اللغة الإسبانية ألن يكون ذلك مشهدا كاريكاتوريا بائسا ؟ والأخ سليم مُنزعج من استخدام يومية الخبر لتعبير المغرب العربي ويعتبر ذلك خطأ لا ينبغي الاستمرار فيه لأنه يحق أيضا للأمازيغ أن يستخدموا تعبير اتحاد المغرب الأمازيغي حسنا لنسلم بعدم مشروعية استخدام كلمة العربي أو الأمازيغي في تسمية اتحاد المغرب وذلك مراعاة لعواطف (المجموعة العربية ) ولعواطف (نحن الأمازيغ) فماذا يقترح علينا الأخ سليم كبديل لأنه لا جدوى من الاكتفاء برفض ما هو موجود دون تقديم البديل لأننا نكون عندئذ كمن يهدم جسرا قديما دون بناء جسر جديد فتنقطع الٌسُبل بالناس وتتعقد أمور حياتهم لمجرد إرضاء نزوات البعض في إلغاء ما هو موجود لا غير. ثم هل تسمية المغرب العربي حالت دون تقدم وتطور تعليم واستخدام اللغة الأمازيغية في الجزائر أو في المملكة المغربية الشقيقة مثلا ؟ كلا فلغتنا الأمازيغية تشهد تطورات واضحة في ميدان التعليم والإعلام ولم أسمع أبدا أي شخص اعترض على تدريس الأمازيغية باسم العروبة أو اللغة العربية بل إن آخر رئيسين للمجلس الأعلى للغة العربية وهما الدكتور محمد العربي ولد خليفة والأستاذ عز الدين ميهوبي وهما من المتضلعين في اللغة والثقافة العربية لم يصدر عنهما إلا المواقف الإيجابية تجاه اللغة الأمازيغية فلماذا يعترض الأخ سليم على كلمة (عربي) باسم الأمازيغية علما وأننا نعيش جميعا في مغربنا الكبير الذي تعد العروبة والأمازيغية والإفريقية من العناصر الأساسية في هويته التاريخية والمستقبلية ؟ ومرة أخرى نفترض أننا جسدنا تسمية اتحاد المغرب الأمازيغي فماذا ستفعل الجمهورية العربية الديموقراطية الصحراوية وهي جزء لا يتجزأ من الاتحاد المغاربي إزاء هذ ا التحول التاريخي الهائل؟ هل سيقوم الشعب الصحراوي الشقيق بتغيير تسمية دولته حتى قبل تقرير مصيره النهائي مع كل ما سينجم عن ذلك من تعقيدات سياسية وقانونية وثقافية ؟ ومن الواضح أن شعب الصحراء الغربية إذا اتخذ مثل هذا القرار سيكون مطالبا بإيجاد تسمية لا تغضب الأمازيغ ولا تغضب العرب من أبنائه وعندها ستقتصر التسمية على الجمهورية الصحراوية؟ أي نعم هكذا أي أن قضية الشعب الصحراوي ستصبح مجرد قطعة أرض في الصحراء ودون هوية أو قضية ؟ وإذا تقرر أن يكون الاتحاد المغاربي اتحادا أمازيغيا فهذا يعني بالضرورة انسحابه من الجامعة العربية وهو ما يضعنا في مواجهة تحديات كبرى تجعلنا فريسة سهلة للمتربصين بنا من وراء البحار أقول ذلك وأنا أعرف جيدا أن انسحاب الجزائر من الجامعة العربية هو ما يتمناه ويطالب به البعض ولكنهم في الواقع لا يقدرون خطورة مثل هذه الاطروحات فالأمور إقليميا ودوليا أكثر تعقيدا مما تبدو عليه والجامعة العربية بكل نقائصها تبقى بيتنا الذي لابديل عنه وإذا كان ثمة بديل نعمل من أجله فلن يكون إلا جامعة عربية أقوى وأفضل من الجامعة العربية الموجودة حاليا. المفهوم الحقيقي لشمال إفريقيا ونقطة أخرى أود الإشارة إليها وهي أن عبارة شمال إفريقيا لا تنطبق جغرافيا على اتحاد المغرب العربي كما يقول الأخ سليم فقد كان ذلك صحيحا في فترة نضال الحركة الوطنية التي رفعت شعار تحرير وتوحيد الشمال الإفريقي وتعني به آنذاك المغرب العربي الخاضع للاستعمار الفرنسي تحديدا ولم تكن مصر وقتها مدرجة ضمن مفهوم الشمال الافريقي سياسيا رغم أنها تنتمي جغرافيا لهذا الشمال وقد تغيرت الأمور اليوم فأصبح الشمال الإفريقي يعني جميع الدول المغاربية بالإضافة إلى مصر أما مفهوم الاتحاد المغاربي الآن -لا أقول العربي حتى لا ينزعج الأخ سليم _ فيشمل جميع الدول المغاربية بما فيها الصحراء الغربية لكن دون مصر فالأمور تتطور وتتغير ولا يكفي مجرد انزعاجنا من شيء لكي نقرر مصيره أو نفصل فيه بحكم قاطع ونهائي ثم هل هزيمة العرب أمام إسرائيل تعطينا الحق في الخروج من دائرة العروبة والانسلاخ منها ؟ لقد هُزم الألمان في حربين عالميتين وقتل وأسر منهم الملايين وقسمت بلادهم وانتزعت منهم مساحات كبيرة (مئة ألف ميل مربع) أُلحقت بدول أخرى لكن لم يوجد من بين الألمان من قال إنه ليس ألمانيا أو طالب بالانسحاب من الاتحاد الألماني بحجة الهزيمة باستثناء محاولة فاشلة انطلاقا من بافاريا بتشجيع من الفرنسيين ثم لابد من التساؤل هنا هل انتماؤنا إلى العروبة مسألة ربح وخسارة عندما ينتصر العرب نكون عربا وعندما ينهزمون لا نكون كذلك؟ وإذا كنا كمغاربيين نعطي لأنفسنا الحق في محاكمة العرب على تخاذلهم في وجه إسرائيل ونعيرهم بذلك أفلا يحق للعرب في المشرق أن يحاكموننا ويعيروننا بالتخاذل والعجز والهزيمة أمام إسبانيا التي تحتل مدينتي سبتة ومليلية وجزر الكناري منذ عدة قرون ؟ أليست سبتة ومليلية مثلا بمثابة إسرائيل المغرب العربي؟ فهل سيتبرأ منا عرب المشرق باعتبارنا بربرا أو أمازيغا نعيش على وقع الهزيمة والعجز أمام إسبانيا التي تحتل جزء غاليا من أرضنا المغاربية السليبة ألا ترى معي أستاذ سعد أننا جميعا كعرب وأمازيغ نشترك في المعاناة من إسرائيل واحدة يهودية صهيونية وأخرى مسيحية كاثوليكية لا تقل تعصبا عن الأولى وإن كانت أكثر تحضرا ؟ ولو كان الأمازيغ في شمال إفريقيا (لا يقبلون الهوان بأي حال من الأحوال) كما يقول الأستاذ سعد فكيف يبقى الاحتلال الإسباني كل هذه القرون ولماذا تبقى فرنسا تحتفظ بكل هذا النفوذ متشعب الجوانب في المنطقة المغاربية ؟ في مقابل النفوذ الأمريكي في المشرق العربي- أو المشرق الكردي بمنطق الأخ سليم - وليس الشرق الأوسط الذي هو مفهوم آخر تماما أُخترع ليبرر وجود إسرائيل في المنطقة وهو التبرير الذي يسقط في حالة الحديث عن المشرق العربي لأن التساؤل عندها يطرح بداهة ماذا تفعل إسرائيل في هذا الوسط العربي؟ لهذا فإسرائيل وجدت أصلا على حساب وضد كل ما هو عربي. ملاحظة: هذا المقال عبارة عن مناقشة وتعقيب على مقال (قول على قول) للأستاذ سعد بوعقبة المنشور يوم 08 سبتمبر بيومية الخبر في الصفحة رقم 24 إطار بمديرية الثقافة لولاية قالمة