الجاليات العربية في أوروبا تخشى (دفع) ثمن دماء الفرنسيين *** معارضة فرنسا تطالب بإجراءات ضد مسلميها! -- من المتوقّع أن تكون لاعتداءات باريس تداعيات وارتدادات ستأتي في حجم الزلزال الدموي الذي أحدثته في الشارع الفرنسي وذاكرته الجماعية ولن تقتصر على الداخل الفرنسي بل من المرتقب أيضا أن تكون لها تداعيات على السياسة الخارجية الفرنسية. ق.د / وكالات أولى هذه التداعيات ستخصّ الجاليات العربية والمسلمة التي دائما تدفع الثمن الأوّل فور وقوع اعتداءات إرهابية يكون منفّذوها من أصول عربية أو إسلامية. ولن يشفع حتما لهذه الجاليات احتمال أن يكون من بين ضحايا هذه الاعتداءات عدد لا يستهان به من العرب والمسلمين الفرنسيين وهو ما تأكّد مع إعلان الجزائر عن ضحيتين وأيضا السفير التونسي في فرنسا الذي أعلن بدوره عن وجود تونسيين اثنين من بين ضحايا الاعتداءات. وبالفعل أثارت هجمات باريس ردود فعل عنيفة لدى بعض الأوروبيين إذ أنهم تظاهروا وطالبوا في مدينة ليل الفرنسية بطرد المسلمين من فرنسا كما أنهم قاموا بإحراق مساجد في إسبانيا وهولندا. ورفع عشرات المتظاهرين في مدينة ليل الفرنسية لافتات كتب عليها (فليطرد المسلمون) في مسيرة غاضبة تنديدا بالأحداث الدامية التي عاشت على وقعها باريس الجمعة 13 نوفمبر والتي راح ضحيتها 129 شخص من المدنيين. إلى ذلك أضرم مجهولون النّار في أحد المساجد عن طريق إلقاء عبوات حارقة في إسبانيا دون أن تتمكّن الشرطة من تحديد الجهة المسؤولة أو القبض على أيّ من تلك العناصر المشاركة في الجريمة. وفي هولندا أيضا حاول مجهولون في مدينة (روزندال) التابعة لمقاطعة شمال برابنت مساء الجمعة 13 نوفمبر إحراق مسجد يرتاده المغاربة القاطنون في المنطقة. وقد أعلنت الشرطة الهولندية أن محاولة الحرق ألحقت تدميرا بالمسجد مؤكّدة أنها تجري التحقيقات اللاّزمة بشكل جدّي للكشف عن هوية الفاعلين. وكانت محكمة هولندية غرّمت الشهر الماضي ثمانية أشخاص دعوا عبر الأنترنت إلى القيام بأعمال عنف وحرق المساجد في البلاد. * لوبان.. الرابحة الأكبر كان من الطبيعي أن يبادر المجلس التمثيلي للديانة الإسلامية في فرنسا إلى إدانة هذه الاعتداءات بأشد العبارات ووصفها ب (المخزية والوضيعة) لأن المجلس يعي جيّدا أن ثمّة أصواتا ستتعالى قريبا للدعوة إلى طرد المسلمين والعرب واعتبارهم السبب الرئيسي لكوارث الإرهاب والقتل. والواقع أن هذه الاعتداءات ستزيد من مشاعر الكراهية اتجاه الجاليات العربية والمسلمة في أوساط الشرائح المجتمعية الفرنسية التي تتفشّى فيها سلفا أفكار اليمين المتطرّف. ولقد انتقدت المعارضة اليمينية المتطرّفة في فرنسا آداء الحكومة الاشتراكية عقب هجمات باريس وطالبت بتحرّك (قوي وصارم) وحظر المنظّمات الإسلامية وغلق (المساجد المتشدّدة) بينما أكّد رئيس الوزراء الفرنسي مانويل فالس أن بلاده تعيش حالة حرب مع تنظيم الدولة الإسلامية. وقالت رئيسة الجبهة الوطنية اليمينية المتطرّفة مارين لوبن إن التحرّك القوي الصارم هو الذي يحمي الفرنسيين (الذين لم يعودوا في أمان) معتبرة أن (اتّخاذ إجراءات عاجلة أمر يفرض نفسه) وأضافت أن الهجمات أضعفت فرنسا وأن عليها (أن تعيد تسليح نفسها وحظر المنظّمات الإسلامية وغلق المساجد المتشدّدة وطرد الأجانب الذين يدعون إلى الكراهية على أرضنا). من جهته قال رئيس الوزراء فالس في تصريحات لقناة (تي إف 1) المحلّية: (نحن في حرب سنتحرّك ونضرب هذا العدو من أجل تدميره في فرنسا وأوروبا وسوريا) مؤكّدا أن الردّ الفرنسي سيكون (بالمستوى نفسه لهذا الهجوم) وأن (هذه الحرب تخاض على التراب الوطني وفي سوريا). ونبّه فالس إلى أن على فرنسا (أن تتوقّع ردودا أخرى من الإرهابيين) وأن عليها أن تقضي على أعداء الجمهورية (ونطرد كلّ هؤلاء الأئمة المتطرّفين وهو أمر نقوم به وننتزع الجنسية من أولئك الذين يهزأون بما تمثّله الرّوح الفرنسية وهذا ما نقوم به أيضا). * عدوى الكراهية تنتشر غير أن الخطر الآن يكمن في احتمال انتقال عدوى هذه الأفكار إلى صفوف شرائح مجتمعية أخرى لم تكن لديها مواقف سلبية من الإسلام والمسلمين من قبل أو حتى تلك التي كانت تدعو إلى قيم التسامح والعيش المشترك بين الفرنسيين والجاليات المهاجرة. وسيبقى الرابح السياسي الأكبر من هذه الاعتداءات هو زعيمة حزب (الجبهة الوطنية) مارين لوبان وأيضا الجناح المتطرّف في اليمين التقليدي المحافظ. ولا شكّ أن سقف مطالبات هؤلاء ضد الإسلام والمسلمين سيرتفع في الأيّام القليلة المقبلة وقد تظهر من جديد اللاّزمة القديمة حول ضرورة مكافحة العدو الداخلي و(الطابور الخامس) الذي يشكّله المسلمون الفرنسيون. وستتعزّز هذه الفرضيات إذا ثبت أن منفّذي الاعتداءات الأخيرة فرنسيون من أصول عربية ومسلمة وهذا أمر محتمل جدّا لكون العديد من الشهود أكّدوا أن منفّذي هذه الاعتداءات شبان يتحدثون الفرنسية بطلاقة وأن أحد مرتكبي مجزرة مسرح (باتاكلان) -حسب بعض الشهود- برّر فعلته ب (ما تفعله فرنسا في سوريا). بوادر هذا الأمر بدأت تظهر عبر بعض الصحف الفرنسية إذ كتب مدير صحيفة (ليبراسيون) لوران جوفران أنه (من المستحيل عدم ربط هذه الأحداث الدامية بالمعارك الجارية في الشرق الأوسط فرنسا تقوم بدورها هناك ويجب أن تواصل عملها من دون أن تتأثّر) فيما رأت صحيفة (لا شارانت ليبر) المحلّية أن ضحايا الاعتداءات (هم الشاهد الفظيع الذي لا يحتمل على حرب عالمية تتحوّل فرنسا رغم إرادتها إلى إحدى ساحات معاركها الرئيسية). * اللاّجئون الجدد في عين الإعصار كذلك لن ينجو من تداعيات هذه الأحداث اللاّجئون الجدد القادمون إلى فرنسا هرباً من مناطق الحروب خصوصا من سوريا والعراق وأفغانستان ومنطقة القرن الإفريقي الذين عرفوا في الشهور الماضية موجة كبيرة من التضامن الرسمي والشعبي معهم فهؤلاء أغلبهم مسلمون وسبق للعديد من الشخصيات اليمينية المتطرّفة وأن حذّرت من تواجد إرهابيين مفترضين متخفّين بينهم لذا من غير المستبعد أن تضطرّ الحكومة إلى تعديل سياستها اتجاه اللاّجئين في حال تصاعدت النقمة الشعبية اتجاههم. ويبقى السؤال الأساسي الذي تطرحه اعتداءات الجمعة هو مدى تأثيرها على السياسة الخارجية الفرنسية فالجميع يعي أن فرنسا بلد بات يشكّل منذ سنوات الهدف المفضّل الذي تحلم بضربه تنظيمات أصولية متطرّفة سواء في المنطقة العربية أو في أفغانستان أو منطقة الساحل الإفريقي. ولعلّ التحوّل الأساسي الذي قد تتمخّض عنه اعتداءات الجمعة قد يكمن في إحداث تقارب فرنسي روسي مفاجئ بخصوص الأزمة السورية كما يراه بعض المحلّلين تقارب تغذّيه روح الانتقام من تنظيم (داعش) لكن في المقابل فإن ما قد يمنع حصوله هو الموقف الفرنسي الثابت بخصوص رئيس النّظام السوري بشّار الأسد الذي ما تزال فرنسا تصرّ على استبعاده من التسوية السياسية.