في غياب هيئة للإفتاء واتّساع نفوذ العالم الافتراضي *** يبحث الجزائريون وبشكل متزايد في الأنترنت بدل بحثهم في المساجد والمجالس الدينية عن أجوبة لأسئلتهم الشرعية المتعلّقة بالحياة اليومية إلى درجة بات فيها (الشيخ غوغل) مفتيا رسميا للكثير من الشباب في غياب هيئة وطنية للإفتاء لكن قليلين فقط يدركون مدى صعوبة الخوض في هذه المسائل الحسّاسة داخل عالم افتراضي يعجّ بفتاوى (الزيف) و(الهوى) واجتهادات علماء البلاط وشيوخ المصالح الضيّقة. ماذا يقول الإسلام في الواقع حول انتعال الكعب العالي؟ أو حول الاحتفال ب (الريفيون)؟ وهل يجوز للمسلمين أن يشاهدوا المسلسلات التركية؟ ما حكم الاستفادة من القروض الاستهلاكية أو قروض وكالة (أونساج)؟ بات الجزائريون يبحثون أقل من ذي قبل في المساجد عن أجوبة على هذه الأسئلة وبالتالي صار (الشيخ غوغل) يكتسب أهمّية متزايدة وسواء تعلّق الأمر بالملابس وبالتعامل مع أمور الدين في الحياة اليومية أو حتى مع الموضوعات الدينية في الحياة السياسة فقد باتت مواقع الأنترنت ووسائط التواصل الاجتماعي تلعب دورا مُهمّا كمنبع للمعلومات بالنسبة للكثير من الشباب الساعين إلى تبادل وجهات النظر والاستفسار حول القضايا الراهنة وحكمها الشرعي. أحكام (فايسبوكية) شرعية! يعجّ الموقع الأزرق في نسخته الجزائرية بالنقاشات الدينية خاصّة تلك المتعلّقة بمسائل حسّاسة وشخصية للغاية حول كيفية التعامل مع التقاليد الإسلامية في الحياة اليومية وفي ذلك تبرز أصوات تحرّم وتحلّل دون وجه صفة مستعينة بأحاديث نبوية وآيات قرآنية (بتصرّف). كما تنتشر تدوينات وصور ذات طابع ديني تغيب عنها صفة الرسمية لعدم ذكر المصادر ما يجعلها عُرضة للمسخ والتحويل والتصرّف في محتواها بشكل يدعّم أفكار وتوجّهات المروّجين لها مثلما هو الحال مع بعض الفتاوى المزعومة لرجال دين جزائريين كالشيخ شمس الدين الجزائري والشيخ فركوس والدكتور كمال بوزيدي والتي يتّضح مع الوقت أنها مجرّد إشاعات وافتراءات لم ينطق بها أيّ من الشيوخ. من جانب آخر يعتبر مبحرون في العالم الافتراضي بعض الصفحات والمجموعات الفايسبوكية مصدرا للفتوى لا بل يوجّهون من خلالها أسئلة واستفسارات شرعية مثلما كان الحال مع موضوع نشرته شابّة في (الفايس بوك) وجّهت من خلاله سؤالا إلى مجموعة (الفايس بوك) تسمّى (حجابي عفتي) (عمّا إذا كان يجوز للمرأة نتف حواجبها) مردفة: (أنا أريد إجابة إسلامية مع حديث نبوي وآية قرآنية). غياب هيئة وطنية للإفتاء رغم إقرار وزير الشؤون الدينية والأوقاف محمد عيسى أكثر من مرّة بحاجة الجزائر الماسّة إلى مؤسّسة فتوى رسمية إلاّ أن هذه الهيئة لم ترَ النور إلى حد الآن ما جعل ظاهرة الاستعانة بالفتاوى الافتراضية الجاهزة واقعا يفرض نفسه في حياة الجزائريين. وقال محمد عيسى في آخر خرجة له إن دائرته الوزارية تفكّر في إحداث مؤسّسة فتوى للحفاظ على المرجعية الدينية الوطنية تعتمد أساسا على علماء الشريعة الإسلامية على أن تتفتّح هذه المؤسّسة على التخصّصات في إطار تشاور متكامل مشيرا في السياق إلى أن المرجعية الدينية الوطنية بحاجة إلى مؤسّسة فتوى لكن ليس بالضرورة لمفتي جمهورية وأوضح أن وزارته تفكّر في إطار مؤسّسي وتقدّر أن الجزائر بحاجة إلى مؤسّسة تعتمد أساسا على علماء الشريعة الإسلامية غير أن هذه المؤسّسة تبقى مفتوحة للتخصّصات كلّها كالتخصّص الاجتماعي النفسي والطبّي وعلم الفلك حتى يكون التشاور متكاملا لتصدر فتوى عن هذه المؤسّسة والذي ينطق بالفتوى يسمّيه الرئيس مفتي الجمهورية أو أمين المجلس العلمي الوطني أو رئيس مجمّع الإفتاء مشيرا إلى أن هذا الأخير يبقى في كلّ الحالات شخصية وطنية ينتخبها أقرانها وتدوم رئاسة هذه المؤسّسة مدّة زمنية ليأتي الدور على انتخاب مؤسّسة أخرى. أين دور المسجد؟ يحذّر عدد من الأئمة والدعاة الجزائريين من المخاطر المترتّبة عن المناقشات الدينية التي تحدث على صفحات الأنترنت مبيّنين أن مثل هذه الأمور ينخرط فيها شباب تدفعهم (الحماسة) إلى الخوض في أمور حسّاسة لا تسعفهم مكتسباتهم العلمية في نقاشها. ويقول إمام مسجد (التوبة) بالعاصمة الشيخ محمد الأمين غزالي إن المتابع لما ينشر في الأنترنت من آراء فقهية بعضها لا يرتكز على رؤية شرعية سليمة كون الإفتاء يحتاج إلى فقيه مُلمّ بالشريعة والحديث وأصول الدين إضافة إلى مراعاة أحوال الزمان والمكان حتى يمكّنه ذلك من الخروج بتصور واضح. وحذّر الشيخ غزالي في تصريح ل (أخبار اليوم) من الأخذ بالفتاوى المنشورة وخصوصا تلك التي تتناقلها المنتديات الالكترونية والصفحات الفايسبوكية للتحجّج برأي على آخر لأن الفتوى لها ضوابط ومراجع عند أخذها فليس كلّ ما ينشر وينسب إلى أيّ من المشايخ الجزائريين والعالميين بالضرورة يكون صحيحا فمن المحتمل أن تكون هذه الفتوى مكذوبة. وفي رده عن سؤال حول دور المساجد في التوعية من مخاطر الفتاوى الالكترونية قال الشيخ إن كثيرا من أئمة المساجد والناشطين في المجال الدعوي وطنيا حرصوا منذ فترة مبكّرة لظهور الأنترنت على تحذير النّاس من تصديق كل ما ينشر ونظّمت الدروس والمحاضرات لهذا الغرض لافتا إلى أن هناك مواقع لعدد من كبار العلماء يمكن الرجوع إليها للتأكّد من الفتاوى المنشورة. من جانبه يؤكّد الشيخ علي عيّة إمام بالمسجد الكبير وشيخ الزاوية العلمية لتحفيظ القرآن وعضو المجلس العلمي أن التطوّر التكنولوجي وتعقيدات الحياة الحديثة جعلت الكثير من الجزائريين يتوهون وراء الفتاوى العشوائية المنتشرة عبر وسائل الإعلام وصفحات الأنترنت والصادرة من بعض الأئمة وقال في تصريحات صحفية سابقة: (حان للوزير محمد عيسى فتح خطوط هاتفية أو رقم أخضر للردّ على انشغالات المواطن).