باتت البطالة آفة تهدد المجتمعات الإسلامية والعربية بعد الزيادة المستمرة في نسبة العاطلين عن العمل، والتي قدرت في عام 2010 بحوالي 32 مليون عاطل. والعاطل هو كل من هو قادر على العمل وراغب فيه، ويبحث عنه، ويقبله عند مستوى الأجر السائد، ولكن دون جدوى، بهذه الكلمات استهلت الدكتورة علبة الكحلاوي الداعية الإسلامية حلقتها من برنامج »الدين والحياة« على قناة الحياة الفضائية، والتي تناولت فيها البطالة وأنواعها وطرق علاجها. وأوضحت الدكتورة الكحلاوي أن الله خلق الإنسان وكرَّمه وأحسن خلقه، وأمده بالعقل، ليستعين به في البحث عن الطرق المشروعة التي يحصل من خلالها على رزقه، إلا أن هناك بعض الفترات التي لا يستطيع بعض الناس -وبصفة خاصة الشباب- أن يجدوا عملاً يتكسَّبون منه، فيتعرضون لما يسمى بظاهرة البطالة. وأشارت الداعية الإسلامية إلى أن الشهادة والتخرج هاجسان يسعى الشباب لتحقيقهما أملا في الحصول على وظيفة، والعمل من أجل تحقيق الذات والوصول إلى أعلى المراتب، لكن هذه الأيام يصدم الشباب بالبطالة ولا يجدوا فرص عمل. ويضطر الشباب بعد التخرج إلى التسكع في الطرقات العامة أو المقاهي بانتظار فرص العمل التي قد لا تأتي بعد أعوام يعيش خلالها الشاب حالة من الفراغ قد تؤدي به إلى انحرافات عدة يحاسبه عليها القانون ومن ثم المجتمع. واعتبرت الكحلاوي أن البطالة قد تؤدي إلى الانتكاسات النفسية عند الشباب وتدفع البعض أحيانا إلى الانتحار لشعورهم بالفشل وإحساسهم بعدم أهميتهم في المجتمع، كما أن الكثيرين منهم يتجهون إلى الهجرة والبحث عن فرص العمل خارج حدود البلاد. البطالة تدمر الشباب واعتبرت أن انتظار التعيين من أهم المعضلات والصعوبات التي يمر بها الشاب فقد ينتظروا أعواما دون أن يحظوا بفرصة عمل تخرجهم من الضياع الذين وجدوا نفسهم فيه، خاصة أن نسب البطالة في صفوف الشباب العربي تعتبر هي الأعلى عالمياً، وهي مرشحة للتصاعد في الكثير من الحالات. في المقابل، نصحت الداعية الإسلامية الشباب الذين وجدوا فرص عمل أن يتقنوا عملهم، وأن يجتهدوا فيه لأنهم سوف يُسألون عن ذلك يوم القيامة ويُحاسبون عليه، وقد يكون اجتهادهم في عملهم وإتقانهم له سبباً في دخول الجنة. وأوضحت أن العامل المخلص المتقن هو ذلك الإنسان الحاذق لصنعته وحِرفته، والذي يقوم بما يُسنَد إليه من أعمال ووظائف بإحكام وإجادة تامة، مع المراقبة الدائمة لله في عمله، وحرصه الكامل على نيل مرضاة الله من وراء عمله. وأشارت الدكتورة الكحلاوي إلى أن هذا النوع من العمال والموظفين لا يحتاج إلى الرقابة البشرية، والفرق شاسع بين من يعمل خوفًاً من إنسان، يغيب عنه أكثر مما يوجد، وخداعه ما أيسره، وبين آخر يعمل تحت رقابة من لا يغيب عنه لحظة، ومن لا تُخفى عليه خافية في الأرض ولا في السماء. وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: »إن الله يحب إذا عمل أحدُكم عملاً أن يتقنه«. العمل الحلال واشترطت الداعية الإسلامية أن يكون العمل حلالاً ولا يضر المواطنين أو المجتمع، مثل المتاجرة في الخمر أو السلاح أو صناعة الأفلام المسيئة أو الفاضحة التي تضيِّع شبابنا بذريعة أن هذا هو »الفن«. وشددت على ضرورة ألا يكون العمل فيه إيذاء للنفس البشرية، مثل الذي يعمل طوال الليل والنهار، مشيرة إلى أن الرسول صلى الله عليه وسلم قال »إن لبدنك عليك حقا«. كما حذرت من أن يكون العمل ضد أمن الأمة الإسلامية أو الدولة، التجسس الذي قد يظهر بصورة كبيرة أوقات الحروب، معتبرة أن مثل هذه الأمور تعد خيانة ويُحاسب عليها صاحبها وقد تدخله النار. وشددت الدكتورة الكحلاوي على ضرورة أن يكون العمل حلالاً، موضحة أن الرسول صلى الله عليه وسلم خير خلق الله وأفضل الناس أجمعين كان يعمل في رعي الأغنام. أنواع البطالة وأوضحت الداعية الإسلامية أن صور البطالة وأنواعها متعددة، فمنها البطالة الصريحة وهي التي لا يجد فيها الإنسان عملا يعمله ويكسب قوته منه. والبطالة المقنعة وهي عبارة عن وجود عدد كبير من الموظفين والعاملين في مؤسسات الدولة بصورة تزيد عن حاجة هذه المؤسسات إلى هذا الكم الهائل من الموظفين، ومن ثم نجد كثيرا منهم ليس له عمل ولا يترتب على وجوده زيادة إنتاج. والبطالة النسبية وهي صورة من صور البطالة المقنعة، ولكنها أخف حدة منها، حيث يعمل الإنسان في مكان ولكن إنتاجه يقل بكثير عن حاجة العمل، فالعمل الذي يقوم به خمسة عمال يقوم به عشرة أو عشرون، أي أن حجم العمالة يزيد عن حاجة العمل. والبطالة الإجبارية حيث لا اختيار للإنسان فيها، وهذه الحالات تنطبق على من لا يجيد مهنة أو لاندثار مهنته لعدم الحاجة إليها. أما البطالة الاختيارية والتعبدية، فالإسلام يحاربها ويمنعها، بل يمنع الزكاة والمساعدة عن العاطلين باختيارهم، لكيلا نشجِّعهم على الاستمرار فيها. وأشارت الدكتورة الكحلاوي إلى أن البطالة قد تمتد لفترات طويلة، وقد تكون في فترات زمنية محددة، وقد تكون مستترة يزيد فيها حجم العمالة عن حاجة العمل، وقد تكون ناشئة في بعض الأحيان عن امتناع الشباب عن العمل نتيجة عدم تعودهم عليه. وشددت على أن البطالة ينتج عنها العديد من الآثار الضارة، فمن الناحية الاقتصادية خسرت الدول جزءًا هامًا من ثرواتها نتيجة عدم استغلال طاقات الشباب. أما من الناحية الاجتماعية فقد انقسم المجتمع إلى أغنياء يزدادون غنى وإلى متعطلين فقراء يزدادون فقرًا، فثارت الأحقاد، وانتشرت الجرائم. ورأت أن أخطر نتائج البطالة تكون من الناحية النفسية حيث أن الشباب فقدوا الثقة في أنفسهم وقدراتهم، فانعزلوا عن المجتمع، ولم يجدوا طريقًا إلاَّ الاكتئاب أو الانحراف. الرسول يعالج البطالة ودعت الدكتورة الكحلاوي بالاقتداء بالرسول (ص) في مواجهة بالبطالة ومحاربتها، حيث كان يسعى دائما لاعتماد كل شخص على نفسه من خلال عمل يكسب به قوت يومه ويطعم به أسرته ويكفيهم عن الحاجة. وقد جاء رجلٌ من الأنصار إلى النبي (ص) يسأله -يطلب منه مالاً- فقال له:»أما في بيتك شيء؟« قال: »بلى، كساء نلبس بعضه، ونبسط بعضه، وكوب نشرب فيه الماء. فقال: احضره لي، فأتاه بهما. فأخذهما رسول الله بيده، وقال من يشتري هذين؟ قال رجل: أنا أخذهما بدرهم. فقال الرسول: من يزيد على درهم، قال رجل: أنا أخذهما بدرهمين. فأعطاهما الرسول إياه، وأخذ الدرهمين وأعطاهما الأنصاري، وقال: (اشترِ بأحدهما طعامًا فانبذه إلى أهلك، واشتر بالآخر قدومًا فأتني به). فأتاه به، فشد فيه رسول الله عودًا بيده، ثم قال له اذهب فاحتطب وبعْ، ولا أرينك خمسة عشر يومًا. وذهب الرجل يحتطب ثم يبيع، فجاء لرسول الله وقد أصاب عشرة دراهم، فاشترى ببعضها ثوبًا وببعضها طعامًا، فقال رسول الله هذا خير لك من أن تجيء المساءلة نكتة في وجهك يوم القيامة، إن المساءلة لا تصلح إلا لثلاثة: لذي فقر مدقع، أو لذي غرم مفظع، أو لذي دم موجع. وأوضحت الداعية الإسلامية أن النبي (ص) عالج البطالة من خلال هذا الموقف العملي، لذلك يجب على كل إنسان أن يقتدي برسول الله وأن يجتهد ما استطاع في البحث عن عمل يفي بحاجاته وحاجة من يعولهم. كما يجب أن يرفع المتعطل شكواه إلى ولي الأمر إذا لم يوفق في البحث عن عمل، حتى توجه الدولة العامل لعمل يناسبه ويلائم حاجات المجتمع.