تنشر خطبة جمعة في نصرة الجيش والتحذير من المخاطر : ** هنيئا لمن بات بعيدا عن أهله يسهر الليل لينام الناس.. ** مساهمة: الشيخ أبو إسماعيل خليفة يُنتظر أن تكون مساجد القطر الوطني يوم غد الجمعة على موعد مع (خطبة استثنائية) يُلقيها الأئمة والخطباء في نصرة الجيش الوطني وفي الدعوة إلى اليقظة وتفويت الفرصة على المتربصين باستقرار وأمن الجزائر وذلك استجابة لدعوة وزارة الشؤون الدينية والأوقاف التي طلبت من أئمة المساجد تخصيص فقرات من خطبة الجمعة القادمة لدعوة المواطنين بدون تهويل إلى إدراك ما يحيط بالبلاد من مخاطر وحثّهم على الدفاع عن الوحدة الوطنية . وزارة الشؤون الدينية دعت الأئمة أيضا إلى بث رسائل واضحة وقوية يرفعون من خلالها معنويات قوات جيشنا الوطني الشعبي المغوار وكل أسلاك الأمن الساهرة على الاستقرار والطمأنينة وأن يدعوا لهم ولولي الأمر بأن يحفظهم الله ويثبت أقدامهم ويسدد رميهم ويحميهم من كل سوء . وضمن المساهمة في هذا الجهد النبيل تتشرف أخبار اليوم بنشر خطبة نموذجية خطتها أنامل الشيخ الفاضل أبو إسماعيل خليفة مسلم وهو أحد الأئمة والخطباء المتميزين للغاية بسيدي بلعباس والذي دأبت أخبار اليوم على نشر مساهماته المتميزة وتضع بين أيديكم هذه الخطبة الاستثنائية .. الأمن والإيمان قرينان الحمد للّه الكريم المنان الذي أنعم علينا بنعمة الإيمان والأمن في الأوطان والعافية في الأبدان وأشهد أن لا إله إلا الله العظيم الكريم الرحيم الرحمن وأشهد أن سيدنا ونبيّنا محمدا عبد الله ورسوله علّمنا حب الوطن فقال عند هجرته من بلده: {مَا أَطْيَبَكِ مِنْ بَلَد وَأَحَبَّكِ إِلَيَّ وَلَوْلاَ أَنَّ قَوْمِي أَخْرَجُونِي مِنْكِ مَا سَكَنْتُ غَيْرَكِ }. رواه الترمذي. اللّهم صل على سيدنا محمد وعلى آله وصحبه وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين. أما بعد فأوصيكم ونفسي بتقوى الله التي لا يقبل غيرها ولا يرحم إلا أهلها ولا يثيب إلا عليها الواعظون بها كثير والعاملون بها قليل جعلنا الله وإياكم من المتقين. واعلموا عباد الله أن الله ركّز في جبلّة البشر حبُّ الأوطان والشغَف بالمنشأ وهذا الحب فطرةٌ ثابتةٌ في حنايا النفوس متجذِّرةٌ في شغاف القلوب وما من إنسان إلا ويعتز بوطنه وإن أمْنَ الأوطان مَطلَبٌ تَصغُر دُونه كثيرٌ من المطالب وتهون لأجله كثيرٌ من المتاعب فهو لا يُشتَرى بالأموال ولا يُبتاع بالأثمان ولا تفرضه القوَّة ولا يُدرِكه الدهاء وإنما هو منَّة ومنحَة من الملك الديَّان قال تعالى: {فَلْيَعْبُدُوا رَبَّ هَذَا الْبَيْتِ الَّذِي أَطْعَمَهُمْ مِنْ جُوع وَآمَنَهُمْ مِنْ خَوْ}. قريش: 3-4. والأمن في البلد مع العافية والرِّزق هو الملك الحقيقي والسعادة المنشودة قال -صلَّى الله عليه وسلَّم: {مَن أصبح منكُم آمنًا في سِربِه مُعافًى في بدنه عنده قُوتُ يومه فكأنما حِيزَتْ له الدنيا بِحَذافِيرها}. ألا وإن الأمن والإيمان قرينان فلا يتحقق الأمن إلا بالإيمان قال تعالى: {الذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلم أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}. وقال الشاعر: إذا الإيمان ضاع فلا أمان * ولا دنيا لمن لم يُحيِ دينا ومن رضي الحياة بغير دين * فقد جعل الفناء لها قرينا. نعمة عظيمة ونحنُ الجزائريين ولله الحمد والمنة في نعمة عظيمة في بلدنا حيثُ نعيش الأمن في ديارنا وفي بيوتنا وفي أسفارنا لا نخافُ إلا الله سبحانه وتعالى وهذه نعمةٌ عظيمة حقيقٌ بأن تُذكَر ويذكَّر بها وأن يُحافَظ عليها قال سبحانه: وَاذْكُرُوا إِذْ أَنْتُمْ قَلِيلٌ مُسْتَضْعَفُونَ فِي الأَرْضِ تَخَافُونَ أَنْ يَتَخَطَّفَكُمْ النَّاسُ فَآوَاكُمْ وَأَيَّدَكُمْ بِنَصْرِهِ وَرَزَقَكُمْ مِنْ الطَّيِّبَاتِ (الأنفال:26]. وإنها لنعمةُ تُقابَل بالذكر والشكر قال تعالى: {فَإِذَا أَمِنتُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَمَا عَلَّمَكُمْ مَا لَمْ تَكُونُوا تَعْلَمُونَ} [البقرة:239]. وإن ديننا أيها المسلمون يدعو إلى كلِّ عمل يبعَث على الأمن والاطمِئنان بين صفوفِ أفراده وينهى عن كل ما من شأنه زرعَ الخوف والفزَع في المجتمع والإخلال بوحدة الوطن. ألا وإن الإخلال بوحدة الوطن وأمنه قد يقع من الطيبين خطأ أو جهلا كما يقع من الأعداء المتربصين الذين يظهرون حب الأوطان ويبطنون الغش والكفران والإخلال أو الفساد الذي يرتكبه الفرد لا يصيب صاحبه فقط بل يصيب المجموع. قال صلى الله عليه وسلم: {مَثَلُ القَائِم في حُدُودِ اللَّه والْوَاقِع فيها كَمثل قَوم اسْتَهَموا على سَفِينَة فَأَصابَ بَعْضُهم أعْلاهَا وبعضُهم أَسْفلَهَا فكان الذي في أَسفلها إذا استَقَوْا من الماء مَرُّوا على مَنْ فَوقَهمْ فقالوا: لو أنا خَرَقْنا في نَصِيبِنَا خَرقا ولَمْ نُؤذِ مَنْ فَوقَنا؟ فإن تَرَكُوهُمْ وما أَرَادوا هَلَكوا وهلكوا جَميعا وإنْ أخذُوا على أيديِهِمْ نَجَوْا ونَجَوْا جَميعا}. رواه البخاري عن النعمان بن بشير. ففي هذا الحديث يشبّه صلى الله عليه وسلم المجتمع بأفراده بأناس ركبوا سفينة واقتسموا الأمكنة فيها فصار نصيب بعضهم أعلاها ونصيب آخرين أسفلها وهؤلاء الذين هم في الأسفل أرادوا أن يخرقوا نصيبهم للحصول على الماء كانت نيتهم حسنة وعذرهم مقبولا فهم يريدون الحصول على الماء بطريقة سهلة ومسيرة كما حال من هم في أعلى السفينة هم لا يريدون الإكثار من الصعود إلى سطح السفينة والنزول حتى لا يتأذّى من هم في أعلى السفينة ولكن قد غفل هؤلاء على أن هذا الخرق الصغير سيؤدي إن تُركوا إلى هلاك الجميع وهنا تظهر القيادة الحكيمة الرحيمة التي تحل المشاكل قبل أن تغرق السفينة قال صلى الله عليه وسلم: {إن أخذوا على أيديهم نجَوا ونجُوا جميعاً} إنه إلغاء للغة الجاهلين الذين إذا أنكر عليهم مُنكِر قالوا: هذه حرية شخصية ولا تتدخل في شؤون الناس وخصوصياتهم وما أشبه ذلك.. إخلال أمني.. لقد تكاثرت في هذه الآونةِ حلقاتُ الإخلال الأمنيّ في كثير من المجتمعات وقلَّت في واقعنا هيبةُ الدم المسلم وحرمتُه وعصمتُه ولقد أشار المسلم بالسِّلاح على أخيه المسلم بل وأفرَغ حشوَه فيه وإن القلبَ ليحزن وإن العقلَ ليذهَل حين يرقُب المسلم هذه الأحداثَ التي ابتُليت بها بعض بلاد المسلمين ففي سوريا وفي اليمن وفي العراق وفي ليبيا وفي غيرها يعيش الناسُ المأساة في أحلَك فصولها وأوضَح صُوَرها تدميرٌ وقتلٌ وإبادة جماعية وإن من يقرأ المشاهد قراءة صحيحة ولو على عجل يعرف أن أعداءً كثيرين لا يريدون لنا ولا لبلدنا أمانًا ولا استقرارًا ولا رخاء ولا ازدهارًا. يحركون مَا ومَن يستطيعون لإحداث فتنة أو ثورة لإحداث الخلل وزعزعة الأمن ليسهل التآمر والتفكيك لوحدة وطننا وزعزعة أمننا هم يرغبونها فوضى ويبغونها عوجًا. ولكن الله المستعان وهو أعلم بما يصفون. فيجب على الجميع أن يعي السبل القويمة لحراسة أمن الوطن ولا بدّ من الحزم اللازم لتشديد المراقبة والمحاسبة حتى لا يغرق الجميع ويهلكوا. ففي الأزمات تزيغ قلوب أقوام وتزول أحلام أقوام وتتزلزل عقائد أقوام ولكن بالمقابل: يربط الله على قلوب أقوام فيزدادون إيماناً مع إيمانهم وثباتاً إلى ثباتهم وتسليماً على تسليمهم فاحذروا ذلك واعلموا أن الأمن والاستقرار ليس مسئولية الحاكم وحده ولا مسئولية رجال الأمن وحدهم بل مسئولية الجميع وإننا بهذه المناسبة نتقدم بالشكر والعرفان إلى كل رجال مصالح الأمن المشتركة على الإحترازات الأمنية المتخذة من أجل حفظ أمن وسلامة الوطن والمواطنين ونعلن عن بالغ تقديرنا واعتزازنا بالجهود التي بذلوها ويبذلونها. وإنها حقا لمسؤوليةٌ ملقاة على عاتقهم تجاه أمن الوطن تستدعي منهم يقظة لا تعتريها غفلة وعزما لا يعرف الوهن وهذا ما نراه متجسدا فيهم وان ذلك دليل ساطع على أنهم أقدر على حمل الأمانة بكل اقتدار وإننا لنفخر بهم وتعتز بتضحياتهم وهنيئاً لهم شرف الدنيا وثواب الآخرة. عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: عينان لا تمسُّهما النارُ: عينٌ بكت من خشية الله وعين باتت تحرس في سبيل الله . أخرجه الترمذي. هنيئا لحرّاس الوطن.. حراسة الوطن منزلة لا توازيها منزلة فعن ابن عمر عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ألا أنبئكم بليلة أفضل من ليلة القدر حارس حرس في أرض خوف لعله لا يرجع إلى أهله . فهنيئا لمن بات بعيدا عن أهله يسهر الليل لينام الناس ويكابد البرد ليستقر أهله ووطنه. هذا وستظلُّ الجزائر بحول الله وقوته ثم بعزَمات رجالها وإيمان أهلها رغم المؤامرات والدعوات المُغرِضة بلدَ إسلام وسلام وخير وإحسان آمنةً مطمئنة ساكنةً مستقرة ورحم الله العالم الرباني سيدي عبد الرحمن الثعالبي فخر الجزائر المحروسة وصاحب تفسير الجواهر الحسان رحمه الله إذ قال: إنّ الجزائر في أحوالها عجب * ولا يدوم بها للناس مكروه ما حلّ عُسر بها أو ضاق مُتسع * إلا ويُسر من الرحمن يتلوه فالله دوما بفضله يعمر الجزائر بدوام الذكر ويؤمنها كل مكر. قال اللهُ تعالى فِي سورة يس: وَجَاء مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَى قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبِعُوا الْمُرْسَلِينَ (6). ألم يكن فِي تلك المدينة غير هذا الرّجل؟!. بلى.. ولكنَّهم عجزوا عن مثل هذا الجميل من الفعل فأَثنى القرآن الكريم على مؤمن آل (يس) وخلَّد ذكره لأَنّه أخلص لوطنه وساكنيه وعاش همومَ مواطنيه فكونوا كذلك وليقم كل واحد منكم بمسؤوليَّته وواجبه في المحافظة على وطنه فالأمنُ نعمةٌ للجميع التاجر والطبيب والفلاح والمعلّم والمُفكِّر والإعلاميًّ وغيرهم من جميع أطياف الوطن. فالأمنُ واللحمةُ الوطنية وتماسكُ المجتمع وحمايةُ المُقدَّسات هي أعلى وأغلى ما نملِك بعد عزِّ الإسلام وحفظ الدين وأن هذا الوطن بعون من الله شارك في صنعه آباؤنا وأجدادنا ويسهر عليه بتوفيق من الله رجال من أبناء هذا الوطن يحفظون أمننا ومقدَّساتنا وسعادتنا وأحوالنا وأموالنا وأنفسنا وأهلينا. والسّاحة للصادقين المخلصين والانتماء الوطني هو الأغلى وتيّار الحقّ والكرامة هو الأقوى في عدالة سائدة وحرية منضبطة وشعور جماعيّ بالحفاظ على الوطن والممتلكات والمكتسبات والبعد والتصدّي لكلّ فتنة أو مسلك أو دعوة تهدّد الوطن ووحدته والمجتمع وعيشه. ألا فكونوا صفّا واحدا في كتيبة واحدة متراصّة لمواصلة الطريق متعاونين على البرِ والتّقوى لا على الإثم والعُدوان واشكروا الله على نعمه يزدكم واتقوا الله لعلكم تفلحون. اللهم بارِك فِي الجزائر أَرْضِها وسمائها وأكثر خيرها في بَرِّها ومائِها واحفظ اللهم أمنها وعقيدتها من كيد الأعداء ودسائس المغرضين اللهم احفظها وأكرم حماتها وحراسها وكن لهم وليا وحافظا ونصيرا اللهم أصلح نياتهم وادخل الطمأنينة في قلوبهم واجزهم عنا أتمَّ الجزاء وأوفاه. اللهم اجعل الجزائر بلدا آمنا مطمئنا وسائر بلاد المسلمين برحمتك يا أرحم الراحمين.