إصلاح ذات البين أي إزالة أسباب الخلاف والفرقة بين الناس فرادى أو جماعات، بالعفو والمسامحة وبذل المال بكل طريق يوصل إلى التسامح والتآلف وإزالة أسباب البغضاء والفرقة. وهي من أعظم القربات، وأفضل الطاعات، فبها تزول الأحقاد والضغائن، وبها توصل الأرحام، وتأتلف القلوب، وبها يندحر الشيطان الذي آلى على نفسه التحريش بين عباد الله المؤمنين. وهذا باب عظيم، فلنتذاكر بعض ما جاء فيه. قال الله تعالى: (وَلَا تَجْعَلُوا اللَّهَ عُرْضَةً لِأَيْمَانِكُمْ أَنْ تَبَرُّوا وَتَتَّقُوا وَتُصْلِحُوا بَيْنَ النَّاسِ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ) (البقرة: 224). وقال تعالى: (لَا خَيْرَ فِي كَثِيرٍ مِنْ نَجْوَاهُمْ إِلَّا مَنْ أَمَرَ بِصَدَقَةٍ أَوْ مَعْرُوفٍ أَوْ إِصْلَاحٍ بَيْنَ النَّاسِ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ مَرْضَاةِ اللَّهِ فَسَوْفَ نُؤْتِيهِ أَجْرًا عَظِيمًا) (النساء: 114). وقال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) (الحجرات: 10). وقال صلى الله عليه وسلم: (تفتح أبواب الجنة يوم الاثنين، ويوم الخميس، فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئاً، إلا رجلاً كانت بيينه وبين أخيه شحناء، فيقال: أنِظروا هذين حتى يصطلحا. انظروا هذين حتى يصطلحا. أنظروا هذين حتى يصطلحا) رواه مسلم. وقال صلى الله عليه وسلم: (ألا أخبركم بأفضل من درجة الصيام والصلاة والصدقة ؟ قالوا: بلى، قال: صلاح ذات البين، فإن فساد ذات البين هي الحالقة) رواه الترمذي.ولقد رخص النبي صلى الله عليه وسلم في الكذب لمريد الإصلاح، وهذا تشوف من الشارع للإصلاح بين الناس والتأليف بين المتخاصمين ولو كان بطريق الكذب وهو كذب محمود. قال صلى الله عليه وسلم: (ليس الكذاب الذي يصلح بين الناس، فينمي خيراً أو يقول خيراً) متفق عليه. وقد أثر عن رسول الله صلى الله عليه وسلم عدة مواقف في الإصلاح بين الناس وسعيه صلى الله عليه وسلم لذلك، فمن ذلك ما رواه سهل بن سعد رضي الله عنه قال: (إن ناساً من بني عمرو بن عوف كان بينهم شيء فخرج إليهم النبي صلى الله عليه وسلم في أناس من أصحابه يصلح بينهم.. الحديث) متفق عليه. ومن ذلك قول صلى الله عليه وسلم لكعب بن مالك لما تقاضيا هو وابن حدرد في دين كان له على ابن حدرد، فقال: (يا كعب، قال: لبيك يا رسول الله، فأشار بيده أن ضع الشطر. فقال: كعب: قد فعلت يا رسول الله، فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: قم فاقضه) متفق عليه. ومن أقوال أهل العلم في الإصلاح بين الناس: عن عبد الله بن حبيب بن أبي ثابت قال: كنت جالساً مع محمد بن كعب القرظي، فأتاه رجل فقال له القومُ: أين كنت؟ فقال: أصلحتُ بين قوم، فقال محمد بن كعب: أصبتَ. لك مثل أجر المجاهدين، ثم قرأ: (لا خير في كثير من نجواهم...). وقال الطبري عند قوله تعالى: (أو إصلاح بين الناس) هو الإصلاح بين المتباينين أو المتخاصمين بما أباح الله الإصلاح بينهما ليرجعا إلى ما فيه الأُلفة واجتماع الكلمة على ما أذن الله وأمر به).اللهم اسلل سخائم قلوبنا، وطهرها من البغضاء والحقد والحسد، اللهم اغفر لنا ولإخواننا الذين سبقونا بالإيمان و لا تجعل في قلوبنا غلاً للذين آمنوا، اللهم ألف بين المسلمين، واجمعهم على الحق المبين.