لم يعد المواطنون يخشون من اللصوص الذي يعتدون على الناس في الطريق، أو صاروا يحتاطون لهم، فيتفادون السير في الأماكن المشبوهة، ولكن هناك نوعاً آخر من اللصوص، صاروا يُشكِّلون مجموعات مُنظمة، وصار لا ينفع معهم الاحتياط، او لا يكفي أن نتفاداهم، ولكنهم يسطون على الناس في الشوارع الرئيسية العامرة. مصطفى مهدي أجل، بعض اللصوص لم يعد يردعهم تواجد الناس في الشارع، وإمكانية كشفهم، او الدفاع عن الضحية، ذلك أنّ الخطط التي ينسجونها عادة ما تكون محكمة لا ينتبه إليها لا الضحيّة، ولا المواطنون كذلك، والذين يبقون يشاهدون عمليات السرقة دون أن يجرؤوا او دون أن يستطيعوا التفريق بين الضحيّة والمعتدي، إلى أن يصرخ احدهم أن انجدوني لقد سُرقت. ما وقع في شارع العربي بن مهيدي يشبه هذا الموقف، حيث أنّ أحدهم اختلق شجارا مع رجل كان خارجا من أحد المحلات، ورغم أن الرجل حاول تهدئة الوضع، إلاّ أنّ ذلك الشخص أصرّ على أن يتشاجر معه، او كان يفتعل الأسباب افتعالا لذلك، فدخل الاثنان في صراع بالأيدي، وتدخل الجمهور الذي كان حاضرا للحيلولة بينهما، ولم كان الحاضرون إلاّ رفقاء وشركاء لذلك الشخص المعتدي، وكانوا يترقبون أن تحدث فوضى فيستولون على مال وهاتف الضحية وأي شيء يمكن أن يمدوا يدهم إليه لأخذه، وعوض أن يكون الضحية واحدا، فانه حتى المواطنون الآخرون، يمكن أن يكونوا ضحايا، بعد أن يشتركوا في المعركة بنية التهدئة، ورغم دناءة هذا الفعل، إلاّ أنّ نهاية احد هؤلاء اللصوص كانت مثيرة للضحك، حيث انه وفي خضم المعركة و بينما كان يمدّ يده إلى جيوب الآخرين، فان احدهم استولى على هاتفه النقال، قد يكون شريكه في السرقة، او لصا آخر مرّ من المكان فاستغل الفوضى فراح يسرق البشر ووقعت يده في جيب ذلك اللص. حيل كثيرة يستعملها بعض اللصوص لكي يحتالوا على البشر، ويستولوا على ممتلكات الغير، وفي العادة يستعملون أساليب ملتوية لا يمكن معها أن يتفطن الضحيّة إلى الأمر، ولا يشاهد لا من استولى عليه ولا الأشخاص الذين وقفوا لمساعدته وهو ما وقع لأحمد، والذي اختلق معه بعض اللصوص شجارا، فاشتبك بعضهم معه ووقف بعضهم الآخر إلى جانبه، وهو الأمر الذي احتار له احمد، ولم يدر ما يفعل، وفي خضم الفوضى سرقت منه محفظة كان يحملها معه، بعد أن سقطت منه، وعندما انفضّ الناس من حوله لم يجد أحدا ليتهمه إلاّ مواطنا كان يحاول تهدئة الأوضاع، فاتهمه احمد بالسرقة، ووصل بهما الأمر إلى مركز الشرطة، ولما علم أنّ المواطن بريء اعتذر له، خاصة وأنّ الفوضى جعلته لا يفرق بين صديق وعدو، فقبل الآخر الاعتذار، وقال لنا احمد إننا في زمن لا يمكن فيه أن يحتاط الإنسان لهؤلاء اللصوص، والذين يأتونك، يصفهم احمد، مثل الكاميرات المخفية، يختلقون في كلّ مرّة سيناريو جديداً، ولا يتفطن المواطن لما وقع له إلاّ متأخرا. ولكن هذه الظاهرة لا تقتصر على اللصوص من جنس الرجال، فحتى النساء يُمارسن هذا النوع من اللصوصية، وفي كلّ مكان كذلك، في الأسواق والحمامات والشوارع العامة، وكل مكان كذلك، تحكي لنا نسرين عما وقع لها في إحدى الأسواق، حيث راحت عجوز في الخمسين تتحرش بها، إلى أن دخلت معها في اشتباك فالتفت حولها نساء كثيرات، ولم يشأ الرجال التدخل، وبعد دقائق معدودات اكتشفت نسرين أنّ محفظتها سُرقت منها، ولم ينفعها لا صراخ ولا شيء، فالكل كان ملتفا حولها، ولم تعرف كيف تتعامل مع الموقف.