الشيخ: قسول جلول يقول الله تعالى: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلًا مِنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الْأَقْصَى). (وما جعلنا الرؤيا التي أريناك إلا فتنة للناس) ...الآية 60 من سورة الإسراء. تشير الآية الأولى إلى رحلة الإسراء وتشير الآية الثانية إلى المعراج وكلا الرحلتين جعلهما الله تبارك وتعالى فتنة للناس: فالإسراء والرؤيا التي أراها الله لرسوله أي في المعراج إن هاتين الحادثتين تبعثان في العقل الذهول فهل من تفسير منطقي يريح العقل من ذهوله ؟!! كما أنه ورد في سبب تسمية أبي بكر الصديق بالصديق قال مالك: قال المشركون لأبي بكر: إن صاحبك- يعنون رسول الله صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ يزعم أنه أسري به في ليلة من مكة إلى بيت المقدس ورجع من ليلته وأنه رأى عيرا على بعير منها غرارتان إحداهما سوداء والأخرى بيضاء فقال أبو بكر: إن كان قاله فصدق فبذلك سمي الصديق. والمنكرين لهذالرحلة بعدما تحدّوا النبي صلى الله عليه وسلم أن يثبت صدقه في أنه أسري به إلى بيت المقدس ثم رجع في ليلة فأخذ النبي صلى الله عليه وسلم يصف لهم بيت المقدس وصفاً دقيقاً وهم يعلمون أنه لم يره وأخبرهم بعيرهم التي في الطريق وهذه آية عظيمة تستوجب من كفار مكة الإيمان بصدق نبوته صلى الله عليه وسلم ولكنهم مع هذا كله قالوا: نحن لا نصدق محمداً بما يقول فبدلاً من الإيمان ارتدّوا إلى كفرهم. هذه الرحلة التكريمية الخارقة وهذه المعجزة الربانية زلزلت عقول الناس وهي فتنة عقلية !!... فكيف بعقولنا نحن ؟ وعقول أبنائنا!! في وقت تشعبت الأفكار وتشتت العقول!! مما يسهل التشكيك في المعجزة وفي أحكامها وحكمها !!! هل تساءلنا يوما كيف يمكن لنا أن نثبت في عقولهم وقلوبهم هذه المعاني العظيمة لأن الإسراء والمعراج له من العضات والعبرالكثير ومناسبة لربط الخلف بالسلف والانتقال من عالم المادة إلى عالم الروح والعيش مع الصفوة الأولى مع محمد صلى الله عليه وسلم وأصحابه !!.... المعجزة الخارقة المعجزة تخرج عن الأسباب والمسببات العقلية حيث تبدأ السورة بكلمة سبحان ... إعلانا وإعلاما بأن ما ستسمعونه هو فعل من أفعال الله ... وكلمة سبحان مصدر من فعل سبح .. (سبح لله سورة من القرآن الكريم) يسبح لله سورة من القرآن الكريم) . (سبح اسم ربك) سورة من القرآن الكريم فيها التنزيه والتعظيم والإجلال لصاحب هذه المعجزة من ألفها إلى يائها فهذا الفعل ليس بشريا أي الإسراء والمعراج...معجزة قام بها رب العالمين وفعله لا يشبه الأفعال (ليس كمثله شيء) فكانت المعجزة كلها بقدر الله وبقدرة الله عز وجل فلا تتعجبوا ولا تؤولوا ولا ينظر بعضكم لبعض ...أحقا هذه !! فالمعجزة فعل خارق لما اعتاده الناس فالماء سيال بطبيعته لكن عندما يكون معجزا بتأييد الله لأنبيائه موسى عليه السلام.. (فأوحينا إلى موسى أن اضرب بعصاك البحر فانفلق فكان كل فرق كالطود العظيم وأزلفنا ثم الآخرين وأنجينا موسى ومن معه أجمعين ثم أغرقنا الآخرين..)الآية 63من سورة الشعراء فمعجزة الله لسيدنا إبراهيم أن النار لا تحرق بل تكون بردا وسلاما كما قال تعالى (قُلْنَا يَا نَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَاماً عَلَى إِبْرَاهِيمَ (69)). فكيف تكون معجزة إذا لم تكن خارقة للعادة!! وماذا نستفيد نحن من هذه المعجزة !! قبل هذا يجب أن نعرف الأحداث التي أحاطت بالنبي- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- مقدمةً لمعجزة الإسراء والمعراج فكانت هذه المعجزة تسرية وتسلية لرسول الله واحتفاء به في ملكوت السموات بعدما لاقى من عنت القوم ووفاة زوجته وعمه ولجوئه إلى الله مناجيًا لما يلقاه من أهل الأرض فيقول له ربه: (وَلا تَكُ فِي ضَيْق مِمَّا يَمْكُرُونَ إِنَّ اللَّهَ مَعَ الَّذِينَ اتَّقَوْا وَالَّذِينَ هُمْ مُحْسِنُونَ) الآية 128سورة النحل وهذه إشارة لرسول الله- صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم- أنَّ ربَّه الذي كلَّفه بهذه الرسالة السامية بلا شك سينصره رغم هذه الشدائد فهل تعلمنا نحن من رسولها صلى الله عليه وسلم. أن الحديث عن الإسراء لا نريد به القصة بقدر ما نريد منه الدروس والعبر فالأحداث العظيمة تتم وتقع لنتعلم منها ونخرج منها بالدروس والعبر التي نسير عليها أولاً جعل الله لهذه الحادثة العظيمة والمعجزة الكبرى سورة في القرآن الكريم تسمى سورة الإسراء. حتى نتعلم درس التسبيح والتعظيم والتمجيد لله عز وجل وأن نعيش مسبحين أن يعيش المجتمع لسان كل فرد فيه رطب بذكر الله. فلعل في حدث الإسراء والمعراج الذي جعله الله تكريماً لنبيه المصطفى ومسحاً لجراح الماضي وتثبيتاً لقلب النبي الكريم وتطميناً على مستقبل الدعوة وتعويضاً عن جفوة الأرض بحفاوة السماء وعن قسوة عالم الناس بتكريم الملأ الأعلى. لعل في حدث الإسراء والمعراج الذي يعد من أضخم أحداث الدعوة الإسلامية حيث سبقته البعثة وجاءت من بعده الهجرة دروساً بليغة للمسلمين في حاضرهم وفي مستقبلهم. الإسراء والمعراج معجزتان عظيمتان واعتقاد حدوث حقيقتهما لا بد منه في شرع الله وقد أكرم الله بهما رسول الله محمدا صلى الله عليه وسلم وخصّه بهما دليلا على أفضليته عمن سواه من الخلق وأنه حبيب الحق. وقد بيّن الله تعالى سبب الإسراء بقوله تعالى: {سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ ءايَاتِنَا} فالإسراء كان ليرى رسول الله من آيات الله. وبين لنا ربنا ما حصل لنبينا صلى الله عليه وسلم في المعراج بقوله تعالى: لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى} لنعلم بأنّ السبب المذكور في رحلة الإسراء هو السبب للمعراج من حيث كون الإسراء مبدأ له فالسبب مستفاد له أيضا وهو ما بينه الله بقوله: ((لَقَدْ رَأَى مِنْ ءايَاتِ رَبِّهِ الْكُبْرَى)). ومن جملة ما أُمر به النبي صلى الله عليه وسلم في معراجه فرضية الصلوات الخمس. دروس من الإسراء والمعراج يعلمنا أن من أراد العروج إلى الله فعليه بالصلاة ولن تكون الصلاة قرباً وخشوعاً ووعياً وعقلاً وعروجاً ومناجاةً إلا إذا بنيت على معرفة الله تعالى فكيف تذكر وتناجي من لا تعرفه ؟ ومن أراد مناجاة الله.. فعليه بالقرآن ... يعلمنا أن للمحن والمصائب حكماً جليلة منها أنها تسوق أصحابها إلى باب الله تعالى وتلبسهم رداء العبودية وتلجئهم إلى طلب العون من الله إن الإسراء والمعراج يعلمنا أنه لا ينبغي أن تصدنا المحن والعقبات عن متابعة السير في استقامة وثبات. إن الإسراء والمعراج يعلمنا أنه مادام الله هو الآمر فلا شك أنه هو الضامن والحافظ والناصر. إن الإسراء والمعراج يعلمنا أنه لولا الجهاد والصبر ما عُبد الله في الأرض ولا انتشر الإسلام في الخافقين ولما قمنا في هذا المكان نوحد الله ونسبحه وندعو إليه. إن الإسراء والمعراج يعلمنا أن اليسر مع العسر وأن النصر مع الصبر وأن الفرج مع الكرب.