زيارة غير متوقعة من خير خلق الله إلى صديقه ورفيق هجرته أبو بكر الصديق وفي وقت لم يعتد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أن يزوره فيه فهو وقت القيلولة حيث يستريح الناس في بيوتهم.. إلا أن الأمر أهم من أن يؤجَّل. تقول السيدة عائشة رضي الله عنها بينما نحن جلوس في بيت أبي قال قائل لأبي بكر هذا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم بالباب فقال والله ما جاء به في هذه الساعة إلا أمر. قالت فجاء رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم فاستأذن فأذن له فدخل فقال النبي صلى الله عليه وآله وسلم لأبي بكر أخرِج من عندك فقال أبو بكر إنما هم أهلك بأبي أنت يا رسول الله. قال النبي (إن الله قد أذن لي بالخروج) فقال أبي بكر (الصحبة بأبي أنت يا رسول الله!) قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم (نعم). وهنا فاضت عيني الصديق بالدموع .. إنها دموع الفرح .. وأي فرح أجمل من صحبة النبي صلى الله عليه وآله وسلم في هجرته إلى المدينة لتأسيس دولة الإسلام؟! تقول أم المؤمنين السيدة عائشة: (فو الله ما شعرت قط قبل ذلك أن أحدًا يبكي من الفرح حتى رأيت أبا بكر يبكي يومئذ). تأملوا كيف بكى الصديق ولم يستطع حبس دمعته وهو يرى منة الله عليه باختياره الحبيب لصحبته. فجاءت دمعات سيدنا أبو بكر الصديق لترسم خطوات رحلة الحياة من الأخذ بالأسباب ثم التوكل على الله ثم الحيطة والحذر والمضي إلى الغاية رغم العقبات ثم الاستعانة بالله وحده بخطة مرسومة الخطوات. وفي الغار جاء الرد الإلهي على دمعات سيدنا أبو بكر الصديق الصادقة وذلك عندما قال سيدنا رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم له: (يا أبا بكر ما ظنك باثنين الله ثالثهما؟!). ما أجملها من صحبة نبي وصديق يصحبهما الله بعنايته وتأييده وحفظه. إن أبا بكر رضي الله عنه بكى من فرحته بصحبة النبي صلى الله عليه وسلم في رحلة الهجرة وذلك رغم علمه بأن في هذه الرحلة من المخاطر والتضحيات ما لا يمكن أن يحتمل وكلنها صدق النية والثقة في نصر الله وتوفيقه بعد الأخذ بالأسباب.