ما أعجب حب الصحابة الكرام للحبيب صلى الله عليه وآله وسلم؟! .. تلك المحبة التي تجعل الإنسان يتوقف عندها ويتأمل فيها تأمل المحتار في عظمة أولئك الصحب الكرام وحبهم للنبي صلوات الله وسلامه عليه وعلى آله لدرجة أن يؤثر هذا الحب على أجسادهم وأرواحهم، فتعالوا نتأمل سويًا مشاهد عجيبة من حب سيدنا أبو بكر الصديق رفيق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم في الهجرة وأول الخلفاء الراشدين للنبي صلى الله عليه وآله وسلم. فهذا سيدنا أبو بكر الصديق رضي الله عنه حين مرض النبي صلَّى الله عليه وآله وسلم فرقد منطرح الفراش، مستلقيا ببدن منهك، فذهب إليه سيدنا أبوبكر رضي الله عنه يزوره، فلما رآه منطرحا في فراشه حزن عليه حزنًا شديدًا.. وعندما رجع أبوبكر رضي الله عنه إلى بيته وقع مريضًا حزنا على رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم، ولما شفي النبي صلى الله عليه وآله وسلم من مرضه وعلم بمرض الصديق زار النبي أبا بكر رضي الله عنه، وعندما رآه تهلل وجه الصديق، وانبسطت أساريره فرحًا بشفاء النبي صلى الله عليه وآله وسلم فقام واقفًا وقد شفى لرؤيته، وأنشد الصديق رضي الله عنه شعرًا معبرًا عن هذا الحب المنقطع النظير: مرض الحبيب فعدته .. فمرضت من أسفي عليه شفي الحبيب فزارني .. فشفيت من نظري إليه ويحكي لنا سيدنا أبو بكر موقفا آخر كان في الهجرة الشريفة، فيقول سيدنا: كنا في الهجرة وأنا عطشان جدا، فجئت بمذقة لبن فناولتها للنبي صلى الله عليه وآله وسلم، وقلت له: اشرب يا رسول الله، يقول سيدنا أبو بكر: فشرب النبي صلى الله عليه وآله وسلم حتى ارتويت !! هكذا يفعل الحب بأصحابه .. إذا شرب الحبيب يرتوي المحب. وفي يوم فتح مكة أسلم أبو قحافة والد سيدنا أبي بكر الصديق رضي الله عنه، وكان إسلامه متأخرا جدًا وكان قد عمي، فأخذه سيدنا أبو بكر وذهب به إلى النبي صلى الله عليه وآله وسلم ليعلن إسلامه ويبايع النبي، فقال له النبي صلى الله عليه وآله وسلم بقلب رحيم: يا أبا بكر هلا تركت الشيخ في بيته، فذهبنا نحن إليه؟، فقال أبو بكر: لأنت أحق أن يؤتى إليك يا رسول الله، وأسلم أبو قحافة.. فبكى سيدنا أبو بكر الصديق، فقالوا له: هذا يوم فرحة، فأبوك أسلم ونجا من النار فما الذي يبكيك؟ فقال أبو بكر: لأني كنت أحب أن الذي بايع النبي الآن ليس أبي ولكن أبو طالب، لأن ذلك كان سيسعد النبي صلى الله عليه وآله وسلم أكثر.