* الشيخ قسول جلول إن الله سبحانه يخلق ما يشاء ويختار فقد خلق الكون كله علوية وسفلية.. واختار من ذلك ما شاء من الأمكنة والأزمنة ففضل بعضها عل بعض.. فاختار من الأزمنة شهوراً وأياماً وساعات معينة فضلها بمزيد من الفضائل فمن الشهور شهر رمضان والشهور الأربعة الحرم: ذو العقدة وذو الحجة ومحرم ورجب. ومن الأيام يوم عرفة ويوم الجمعة ومن الليالي ليلة القدر. ومن الساعات: آخر ساعة من يوم الجمعة والثلث الأخير من الليل وما إلى ذلك من الأزمنة الفاضلة. واختار من الناس الأنبياء والرسل ومن الرسل أولي العزم ومن أولي العزم محمداً صلى الله عليه وسلم..وكما فضل بعض الأزمنة على بعض فقد فضل بعض الأمكنة على بعض ومن هذه الأمكنة التي فضلها الله على سائر الأماكن: المساجد فهي أحب البقاع إلى الله لما جاء في الحديث الذي أخرجه مسلم عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: (أحب البلاد إلى الله مساجدها وأبغض البلاد إلى الله أسواقها). من هذالمسحد الحرام المسجد الأقصى المسجد النبوي لحديث النبي صلى الله عليه وسلم : لاتشد الرحال إلا لثلاث ذكرها النبي صلى الله عليه وسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ: (لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إِلا إِلَى ثَلاثَةِ مَسَاجِدَ : الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ وَمَسْجِدِي هَذَا وَالْمَسْجِدِ الأَقْصَى). ونحن في شهر شعبان فإن فيه فضل كبير وخير عميم وأعمال البر فيه مطلوبة.. أخرج الإمام النسائي في سننه عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم أي أنه شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وفيه: دليل على استحباب عمارة أوقات غفلة الناس بالطاعة وفي إحياء الوقت المغفول عنه وحكمته أنه يكون أخفى وإخفاء النوافل وإسرارها أفضل سيما الصيام فإنه سر بين العبد وربه. ليس فيه رياء. وقد صام بعض السلف أربعين سنة لا يعلم به أحد ومعه رغيفان فيتصدق بهما حتى يظن أهله أنه غير صائم. ... ومن حكمته أنه أشقّ على النفوس وأفضل الأعمال أشقها على النفوس فالنفوس تتأسى بما تراه من الناس من صوم وغيره ولهذا المعنى قال النبي: (للعامل منهم أجر خمسين منكم إنكم تجدون على الخير أعوانا ولا يجدون). كما أن المفرد بالطاعة من أهل المعاصي والغفلة قد يدفع البلاء عن الناس كلهم فكأنه يحميهم .. قال العلماء: ورفع الأعمال على ثلاث درجات: رفع يومي ويكون ذلك فى صلاة الصبح وصلاة العصر لما رواه أبو هريرة قال النبي: يتعاقبون فيكم ملائكة بالليل وملائكة بالنهار ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر ثم يعرج الذين باتوا فيكم فيسألهم وهو أعلم بهم: كيف تركتم عبادي ؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلون وأتيناهم وهم يصلون .... رفع أسبوعي ويكون في يوم الخميس: إن أعمال بني آدم تعرض كل خميس ليلة الجمعة فلا يقبل عمل قاطع رحم. رفع سنوي ويكون ذلك في شهر شعبان وذلك لما رواه النسائي عن أسامة بن زيد قال: قلت: يا رسول الله لم أرك تصوم شهرا من الشهور ما تصوم من شعبان قال: ذلك شهر يغفل الناس عنه بين رجب ورمضان وهو شهر ترفع فيه الأعمال إلى رب العالمين فأحب أن يرفع عملي وأنا صائم. واعلم أن الأوقات التي يغفل الناس عنها معظمة القدر لاشتغال الناس بالعادات والشهوات فإذا ثابر عليها قيل في صوم شعبان أن صيامه كالتمرين بل تمرن على الصيام واعتاده ووجد بصيام شعبان قبله حلاوة ولما كان شعبان كالمقدمة لرمضان شرع فيه ما يشرع في رمضان من الصيام وقراءة القرآن ليحصل التأهب.: شهر شعبان شهر القراء وكان حبيب بن أبي ثابت إذا دخل شعبان قال: هذا شهر القرّاء وكان عمرو بن قيس الملائي إذا دخل شعبان أغلق حانوته وتفرّغ لقراءة القرآن وحتى عندنا في الجزائر تجري تحضيرات ومسابقاتاستعدادا لقراءة القرآن واختيار الحافظين لكتاب الله وأحسنهم تلاوة ليقوموا بصلاة التراويح وفقا للخريطة المسجدية التي تنظمها وزارة الشؤون الدينية والأوقاف ... كثرة الصيام في شعبان لنبينا محمد صلى الله عليه وسلم قال الإمام ابن القيم -رحمه الله- وفي صومه -صلى الله عليه وسلم- أكثر من غيره ثلاث معان: أنه كان يصوم ثلاثة أيام من كل شهر فربما شُغِل عن الصيام أشهراً فجمع ذلك في شعبان ليدركه قبل الصيام الفرض. أنه فعل ذلك تعظيماً لرمضان وهذا الصوم يشبه سنة فرض صلاة قبلها تعظيماً لحقها. أنه شهر ترفع فيه الأعمال فأحب النبي -صلى الله عليه وسلم- أن يُرفعَ عملُه وهو صائم ...ليس الصيام فقط وإنما هناك أعمال يقوم بها وهي كثيرة ومتعددة ومتنوعة قال الإمام ابن رجب الحنبلي رحمه الله: فإن قيل: فكيف كان النبي صلى الله عليه وسلم يخص شعبان بصيام التطوع فيه مع أنه قال: (أفضل الصيام بعد شهر رمضان شهر الله المحرم) ؟هل صيام الأشهرالحرم أفضل من شعبان الصيام أفضل بعد رمضان ؟ قال: (شعبان تعظيما لرمضان). هذا حال النبي صلى الله عليه وسلم في شهر شعبان وذكر شيء من فضائله: عائشة رضي الله عنها قالت: لم يكن النبي (ص) يصوم شهرا أكثر من شعبان فإنه كان يصوم شعبان كله قال: (الصيام والقرآن يشفعان للعبد يوم القيامة يقول الصيام: أي رب منعته الطعام والشهوة فشفعني فيه ويقول القرآن: رب منعته النوم بالليل فشفعني فيه قال: فيشفعان عن معاذ بن جبل رضي الله عنه. عن النبي صلى الله عليه وسلم قال: ((يطلع الله إلى جميع خلقه ليلة النصف من شعبان فيغفر لجميع خلقه إلا لمشرك أو مشاحن)) ولنا مع هذا الحديث الذي يتعلق بالنصف من شعبان ثلاث وقفات مهمة: أن الله يغفر فيها لكل عباده إلا المشرك يقول الله تعالى ((وَلَقَدْ أُوحِيَ إِلَيْكَ وَإِلَى الَّذِينَ مِن قَبْلِكَ لَئِنْ أَشْرَكْتَ لَيَحْبَطَنَّ عَمَلُكَ وَلَتَكُونَنَّ مِنَ الْخَاسِرِينَ )) الآية 65 من سورة الزمر. فإذا كان أبو الأنبياء وإمام الحنفاء خليل الرحمن يخشى على نفسه الشرك بل إبراهيم عليه واجنبني وبنيّ أن نعبد الأصنام وقد بين إبراهيم ما يوجب الخوف من ذلك فقال: رب إنهن أضللن كثيراً من الناس. ولهذا قال صلى الله عليه وسلم: ((أخوف ما أخاف عليكم الشرك الأصغر فسئل عنه؟ فقال: الرياء)) وكل الأنبياء من الشرك وأوصي إليهم بأن أعمالهم تحبط إن أشركوا وهم الصفوة من الخلق فقال تعالى: ولقد أوحي إليك وإلى الذين من قبلك لئن ثم يقول له: بل الله فاعبد وكن من الشاكرين. خطورة الشحناء والبغضاء بين الناس وأن الله لا يغفر للمتشاحنين والشحناء هي: حقد المسلم على أخيه المسلم بغضا له لهوى في نفسه فهذه تمنع المغفرة في أكثر أوقات المغفرة والرحمة كما في صحيح مسلم عن أبي هريرة: ((تفتح أبواب الجنة يوم الإثنين والخميس فيغفر لكل عبد لا يشرك بالله شيئا إلا رجلا كانت بينه وبين أخيه شحناء فيقول: انظروا هذين حتى يصطلحا)) وقد وصف الله المؤمنين عموما بأنهم يقولون: ربنا اغفر لنا ولاخواننا الذين سبقونا بالإيمان ولا تجعل في قلوبنا غلاً للذين ءامنوا ربنا إنك رؤوف رحيم. قال بعض السلف: أفضل الأعمال سلامة الصدور وسخاوة النفوس). والنصيحة للأمة وبهذه الخصال الحميدة بلغ من بلغ من العلا والرضوان وسيد القوم من يصفح ويعفو فاغتنموا هذه الأيام المباركة ...لعلكم تفلحون ...