من رحمة الله _ تعالى - أن شرَّعَ لنا النَّوافلَ لتكملَ ما في الفرائض من نقص ولتزيد في الموازين من الحسنات فجعل اللهُ للفرائض من جنسها نوافل فالصلاةُ - وهي عمود الدين - جعلَ اللهُ لها نوافلَ تكملها فأفضلُ الصَّلاة بعدَ المكتوبة قيامُ اللَّيْل ومن الذي يدَّعي أنَّ فرائضَه قد كمُلت حتى يستغني عن التَّنَفُّل ؟! فعن أبي هريرة - رضي الله عنه - قال: سمعتُ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم يقول إنَّ أولَ ما يُحاسب به العبدُ يوم القيامة من عمله صلاتُه فإنْ صلحت فقد أفلحَ وأنجحَ وإن فسدت فقد خاب وخسر فإن انتقص من فريضته شيءٌ قال الرَّبُّ - عزَّ وجلَّ: انظروا هل لعبدي من تَطَوُّع فيكمل بها ما انتقص من الفريضة ثمَّ يكونُ سائر عمله على ذلك (رواه التِّرمذيُّ وأبو داود وابن ماجه وصحَّحه الألبانيُّ). وقال صلى الله عليه وسلم فيما يرويه عن ربِّه - عَزَّ وجلَّ: وما تَقَرَّبَ إليَّ عبدي بشيء أحبّ إليَّ مما افترضتُ عليه وما يزال عبدي يتقرَّبُ إليَّ بالنَّوافل حتى أحبَّه فإذا أحببتُه كنتُ سمعَه الذي يسمع به ... (رواه البخاري). وقد افترض اللهُ - سبحانه وتعالى - في أَوَّل الأمر قيامَ الليل فقام النبيُّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً وذلك في قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ الليْلَ إِلَّا قَلِيلًا) [المزمل: 1 2]. كما قالت عائشةُ - رضي اللهُ عنها: (فإنَّ اللهَ افترض قيامَ اللَّيل في أَوَّل هذه السورة فقام نبيُّ الله صلى الله عليه وسلم وأصحابه حولاً وأمسك اللهُ خاتمتَها اثني عشر شهرًا حتى أنزل اللهُ في آخر هذه السُّورة التَّخْفيفَ فصار قيامُ اللَّيْل تَطَوُّعًا بعدَ فريضة (رواه مسلم). وقال تعالى: (أَقِمِ الصَّلَاةَ لِدُلُوكِ الشَّمْسِ إِلَى غَسَقِ الليْلِ وَقُرْآنَ الْفَجْرِ إِنَّ قُرْآنَ الْفَجْرِ كَانَ مَشْهُودًا * وَمِنَ الليْلِ فَتَهَجَّدْ بِهِ نَافِلَةً لَكَ عَسَى أَنْ يَبْعَثَكَ رَبُّكَ مَقَامًا مَحْمُودًا) [الإسراء: 78 79] بعد الأمر بالصَّلوات الخمس ذكر اللهُ الأمرَ بالتَّهَجُّد في الليل أي: قم بعد نومك والتَّهَجُّدُ لا يكون إلا بعدَ النَّوم نَافِلَةً لَكَ: أي: زيادةً لك يريد: فضيلةً زائدةً على سائر الفرائض فرضها اللهُ عليك وذهبَ آخرون إلى أنَّ الوجوبَ صار في حقِّه منسوخًا كما في حقِّ أمَّته فصارت نافلةً وهو قولُ مجاهد وقتادة لأنَّ اللهَ قال: نَافِلَةً لَكَ ولم يقل: عليك (مختصر تفسير البغوي). وقال تعالى: (وَمِنَ الليْلِ فَسَبِّحْهُ وَإِدْبَارَ النُّجُومِ) [الطور: 49] وقال تعالى: (وَمِنَ الليْلِ فَاسْجُدْ لَهُ وَسَبِّحْهُ لَيْلًا طَوِيلًا) [الإنسان: 26] هذه كلُّها أوامر للنَّدْب في قيام الليل كما دلت عليه السنة المطهرةُ فعليك أن تسارعَ إلى القيام بما أوجب اللهُ عليك فإنَّه أحبُّ ما تقربتَ به إليه وأنتَ عبدٌ ضعيفٌ فقيرٌ إلى عفو ربِّك وغناه وجزائه ومثوبته فبادر إلى التَّنَفُّل في جوف الليل فإنه أفضلُ الصلاة بعدَ الفريضة وتَذَكَّرْ أنَّ قيامَ اللَّيْل صفةُ عباد الله المؤمنين الذين امتدحهم وأثنى عليهم ووصفَ ما أعدَّه الله لهم من نعيم وما لهم من ثواب في محكم كتابه في آيات متعدِّدة منها قوله تعالى: (تَتَجَافَى جُنُوبُهُمْ عَنِ الْمَضَاجِعِ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ خَوْفًا وَطَمَعًا وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ) [السجدة: 16] هذه صفتُهم وهذا عملُهم أما جزاؤهم فإنَّه أعظمُ ممَّا قَدَّموا: (فَلَا تَعْلَمُ نَفْسٌ مَا أُخْفِيَ لَهُمْ مِنْ قُرَّةِ أَعْيُن جَزَاءً بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).