عاشوراء نموذجا الأولويات في الإسلام والأولويات عند الجزائريين !! الشيخ: قسول جلول مرت علينا هذه الأيام مناسبة دينية يسن فيها الصيام يوم التاسع والعاشر من شهر ذي الحجة وبدأ الناس يتكلمون حول بداية شهر الله المحرم ..هل نأخذ بقول علمائنا وهل يجوز مخالفتهم وما أعلن عنه ولي الأمر نيابة عنه وزارة الشؤون الدينية بناء على تقارير رؤساء المجالس العلمية ولجان الأهلة عبر الولايات.. في الحقيقة هذا ليس خلاف فقهي إنما هو عصيان أولي الأمر ..((يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنكُمْ فَإِن تَنَازَعْتُمْ فِي شَيْء فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِن كُنتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا))الآية (59) سورة النساء فطاعة ولي الأمر واجبة شرعا وعدم طاعته يعني مخالفة شرعية يعاقب عليها رب العالمين ...!! لا نطيل الكلام حول هذا الموضوع حتى نتمكن من الكلام عن الأولويات في الإسلام والأولويات في واقع الناس كما تتبعتم أن في هذه الأيام كثر النقاش والحديث حول صيام نافلة عاشوراء وغيرها من النوافل والمندوبات والمستحبات وأصبح الكلام عنها أكثر من الأركان والواجبات فتسمع عن صلاة الحاجة وعن صلاة التسبيح الخ.....فأصاب الناس خلل في التفكير حتى في المعاملات !! ومثال آخر من الخلل في التفكير ففي أضحية عيد الأضحى المبارك والأقلام التي كتبت !...والمناقشات حول شروطه وأوصافه (حتى كاد أن يتكلم) والاقتراض لشرائه وحتى كاد أن يتخيل المؤمن أن الأضحية ركن من أركان الأسلام ! بل أكثر من الركن للأهمية الكبرى التي أعطيت لها لكن في المقابل عندما حلت حملة الزكاة وهي ركن من أركان الإسلام كما تعلمون سكت الناس كأن فوق رؤوسهم الطير (فما لي هؤلاء القوم لا يكادون يفقهون حديثا) لا أحد يتكلم لا أحد يسأل ....كأنها من المستحبات يركنون من ليس بركن .؟أي يجتهدون في السنن ويتهاونون في الأركان بل ويهملون الأركان .... فقه الأولويات وقلت لماذا لانتناقش حول الأولويات في الإسلام ؟ هل صيام عاشورء من الأولويات حسب التعبير العصري ؟وهل عاشوراء ركن من أركان الإسلام؟ إن الحديث عن هذه القضية يعتبر من أهم ما يُتكلم عنه إذ أن المسلم والداعية والخطيب جميعاً لا بد أن يفهموا هذا المبدأ وفي الحقيقة أن الجميع محتاج إليه التاجر في تجارته والزارع في مزرعته لا بد أن يفهم ما هو الأولى في هذه المرحلة وفي هذه الأوقات فيقدم الأهم على المهم ويبدأ به حتى ينجح في عمله إن مشكلة تحديد نقطة البدء هي التي يقع فيها كثير من الناس وتقديم الأهم فالمهم فإن ترتيب الأولويات في الشريعة الإسلامية من المواضيع التي يحتاج بسطها والكلام عليها إلى بحث طويل لا يسعنا في التفصيل أكثر في جريدة (أخبار اليوم) أن نحيط به ولكننا نحاول تلخيص أهم الأفكار ونحيل االقارئ إلى الكتب المطولة مثل كتاب الموافقات وغيره من الكتب وحتى يفهم القارئ الكريم ما أردت الوصول إليه نضع بين أيديكم حديث أَبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ أَعْرابِيًّا أَتَى النَّبِيَّ صلى الله عليه وسلم فَقالَ: (دُلَّني عَلى عَمَل إِذا عَمِلْتُهُ دَخَلْتُ الجنة قَالَ: تَعْبُدُ اللهَ لا تُشْرِكُ بِهِ شَيْئًا وَتُقيمُ الصَّلاةَ المَكْتُوبَةَ وَتُؤَدِّي الزَّكَاةَ الْمفْروضَة وَتَصُومُ رَمَضانَ قَالَ وَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ لاَ أَزِيدُ عَلى هذا فَلَمّا وَلّى قَالَ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم مَنْ سَرَّهُ أَنْ يَنْظُرَ إِلَى رَجُل مِنْ أَهْلِ الْجَنَّةِ فَلْيَنْظُرْ إِلى هَذا) متفق عليه. الواضح من هذا الحديث أن الأعرابي سأل عن عظائم الأمور فالقيام بها بدون زيادة ولا نقصان فهي كافية وشافية لدخول الجنة وبشره النبي صلى الله عليه وسلم بذلك فهل نحن قمنا بالأركان فهي مفاتيح الجنة؟ فكثير منا لايفقه ذلك ويفضلون بعض الأعمال على بعض ... ومنهج الإسلام بين قاعدة الأولويات وتقديم الأهم فالمهم فقال (لمعاذ بن جبل رضي الله عنه عندما أرسله إلى أهل اليمن فقال عليه الصلاة والسلام: ((إنك ستأتي قوماً أهل كتاب فإذا جئتهم فادعهم إلى شهادة أن لا إله إلا الله وأن محمداً رسول الله فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله فرض عليهم خمس صلوات في كل يوم وليلة فإن هم أطاعوك لذلك فأخبرهم أن الله قد فرض عليهم صدقة تؤخذ من أغنيائهم وترد على فقرائهم فإن هم أطاعوك لذلك فإياك وكرائم أموالهم واتق دعوة المظلوم فإنه ليس بينها وبين الله حجاب)). الإسلام جاء منظما لحياة البشر مؤكدا على ضرورة الترتيب بين الأشياء بحسب أولويتها وأهميتها بالنسبة للفرد المسلم وللأمة المسلمة قال تعالى: (وَاتَّبِعُوا أَحْسَنَ مَا أُنْزِلَ إِلَيْكُمْ مِنْ رَبِّكُمْ) [الزمر:55] وقال أيضا: (أَجَعَلْتُمْ سِقَايَةَ الْحَاجِّ وَعِمَارَةَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ كَمَنْ آمَنَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ وَجَاهَدَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ لَا يَسْتَوُونَ عِنْدَ اللَّهِ وَاللَّهُ لَا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [التوبة:19] وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم ردا على سؤال حول أي الجهاد أفضل؟ فقال: كلمة حق عند سلطان جائر. (سنن النسائي) إن تنظيم حياة الإنسان أولاه الإسلام أهمية كبرى ينصب في صالح الإنسان مقدم على البنيان كما أن مقاصد الشريعة تحث على أولوية الحفاظ على الإنسان وهي: حفظ النفس والعقل والدين والعرض والمال لذا فترتيب الأولويات من أهم العوامل التي تعمل على حفاظ الإنسان. ولكن عندما ننظر إلى حياتا في جوانبها المختلفة - مادية كانت أو معنوية فكرية أو اجتماعية أو اقتصادية أو سياسية أو غيرها - وجد ميزان الأولويات فيها مختلا كل الاختلال فنجد في كل مناحي الحياة التعبدية والعملية مفارقات عجيبة ما يتعلق بالنوافل والمستحبات مُقدَّم على ما يتعلق بالأركان والواجبات. ؟لذلك كان حديثنا عن ترتيب الأولويات في الإسلام وذلك من خلال: الأولي بمعنى الأحق والأجدر والأقرب.. أو وضع كل شيء في مرتبته فلا يؤخر ما حقه التقديم أو يقدم ما حقه التأخير ولا يصغر الأمر الكبير ولا يكبر الأمر الصغير. من المفاهيم المهمة في ديننا الحنيف هو فقه ترتيب الأولويات وأعني به: وضع كل شيء في مرتبته بالعدل من الأحكام والقِيَم والأعمال ثم يُقدِّم الأَوْلى فالأَوْلى بناءً على معايير شرعية صحيحة يهدي إليها. (نور الوحي ونور العقل والتكاليف متفاوتة في نظر الشرع تفاوتًا بليغًا وليست كلها في رتبة واحدة فمنها الكبير ومنها الصغير ومنها الأصلي ومنها الفرعي ومنها الأركان ومنها المكملات ومنها ما موضعه في الصلب وما موضعه في الهامش وفيها الأعلى والأدنى والفاضل والمفضول. وهذا واضح من النصوص نفسها كما في قول الرسول الكريم: (الإيمان بِضْع وسبعون شعْبة: أعلاها (لا إله إلا الله) وأدناها: إماطة الأذى عن الطريق) وقد كان الصحابة رضي الله عنهم حريصين كل الحرص على أن يعرفوا الأَوْلى من الأعمال ليتقرَّبوا إلى الله تعالى به ولهذا كثرت أسئلتهم عن أفضل العمل وعن أحب الأعمال إلى الله تعالى كما في سؤال ابن مسعود وأبى ذر وغيرهما وجواب النبي صلى الله عليه وسلم ولذا كثر في الأحاديث: أفضل الأعمال كذا أو أحب الأعمال إلى الله كذا وكذا. فعن عمرو بن عَبَسة - رضي الله عنه - قال: قال رجل: يا رسول الله ما الإسلام؟ قال: (أن يسلم لله قلبك وأن يسلم المسلمون من لسانك ويدك؟ قال: فأيّ الإسلام أفضل؟ قال: (الإيمان) قال: وما الإيمان؟ قال: أن تؤمن بالله وملائكته وكتبه ورسله والبعث بعد الموت قال: فأيّ الإيمان أفضل؟ قال: (الهجرة) وقال: وما الهجرة؟ قال (أن تهجر السُّوء) ومن تتبع ما جاء في القرآن الكريم ثم ما جاء في السنة المطهرة في هذا المجال جوابًا عن سؤال أو بيانًا لحقيقة رأى أنها قد وضعت أمامنا جملة معايير لبيان الأفضل والأولى والأحب إلى الله تعالى من الأعمال والقيم والتكاليف وبيان ما بينها من تفاوت كبير الاهتمام بالعقيدة أولا قبل كل شيء:- ونعني بذلك تقديم ما يتصل بالإيمان بالله تعالى وتوحيده والإيمان بملائكته وكتبه ورسله واليوم الآخر وهي أركان لهذا كان الأمر الأحق بالتقديم والأولى بالعناية من غيره هو تصحيح العقيدة وتجريد التوحيد ومطاردة الشرك والخرافة وتعميق بذور الإيمان في القلوب حتى تؤتي أكلها بإذن ربها وحتى تغدو كلمة التوحيد: لا إله إلا الله حقيقة في النفس ونورا في الحياة يبدد ظلمات الفكر وظلمات السلوك. إن الاهتمام بغرس العقيدة أولا كان منهج الأنبياء عليهم الصلاة والسلام والمصلحين من بعدهم ومن ذلك قوله تعالى عن نوح في دعوته لولده وتحذيره من مصاحبة أهل الضلال (يَابُنَيَّ ارْكَبْ مَعَنَا وَلَا تَكُنْ مَعَ الْكَافِرِينَ) [هود: 42]. وكذلك يقول تعالى عن إبراهيم حين وصى بها أبناءه (وَوَصَّى بِهَا إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ يَابَنِيَّ إِنَّ اللَّهَ اصْطَفَى لَكُمُ الدِّينَ فَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [البقرة: 132]. وفي أول وصايا لقمان لإبنه تحذيره له من الشرك قال تعالى (يَابُنَيَّ لَا تُشْرِكْ بِاللَّهِ إِنَّ الشِّرْكَ لَظُلْمٌ عَظِيمٌ) [لقمان: 1]. الفرائض قبل السنن والنوافل يقول النبي صلي الله عليه وسلم: إن الله فرض فرائض فلا تضيعوها..: ومن الخطأ الذي يقع فيه بعض الناس الاشتغال بالسنن والتطوعات من الصلاة والصيام والحج عن الفرائض. ولقد رأينا النبي صلى الله عليه وسلم ينهي المرأة أن تصوم تطوعا وزوجها شاهدا - حاضر غير مسافر - إلا بإذنه لأن حقه عليها أوجب من صيام النافلة. وأيضا نرى الرجل يحج حجة الإسلام ثم نجده يحج ويعتمر مرات عديدة ويتكبد الأموال والوقت والجهد وهناك إخوة يتقاتلون في كثير من الدول ولو فقهوا دينهم وعرفوا شيئا من فقه الأولويات لقدموا إنقاذ إخوانهم المسلمين على صيامهم لعاشوراء والتساؤل الذي حولها ج - أولوية حقوق العباد على حق الله المجرد:- لقد رأينا الشرع الحنيف يؤكد في كثير من أحكامه تعظيم ما يتعلق بحقوق العباد. ففرض العين المتعلق بحق الله تعالى وحده يمكن التسامح فيه بخلاف فرض العين المتعلق بحقوق العباد. فقد قال العلماء: إن حقوق الله تعالى مبنية على المسامحة وحقوق العباد مبنية على المشاحة. كما اقتضت حكمة الله تعالى أن تكون مصالح العباد مصالح عامة ومصالح خاصة. مصلحة يعود نفعها على الفرد ومصلحة يعود نفعها على المجتمع والعباد وقد بنى الإسلام تشريعاته على تأمين المصالح الخاصة والعامة.