تزامنا مع تساقط الثلوج والبرد القارس المرأة الجلفاوية تستحضر أطباقا تقليدية أصيلة تحبذ المرأة الجلفاوية استحضار أشهى الأطباق التقليدية الخاصة في خضم (القرة) ( بتشديد القاف وجرها) وهو إصطلاح محلي يقصد به حالة الطقس المتقلبة التي تتسم بالبرودة والتساقط الكثيف للثلوج ومن بين الأطباق التي اعتادت على تحضيرها (النايلية) في أيام الشتاء قاسية البرودة وعند تساقط الثلوج الشخشوخة و(البركوكس) الذي يعرف محليا بالمردود (العربي) الذي هو عبارة عن حبات عجين كروية الشكل خشنة وصغيرة الحجم تستخلص من عملية تحضير الكسكسي الذي يصنع يدويا من سميد القمح الممتاز. خ. نسيمة/ ق. م وفي حديث ل(وأج) مع الحاجة فاطمة صاحبة ال 75عاما والتي تقطن مع زوجها الهرم خيمة في بادية صحراء مسعد (80 كلم جنوب الولاية) أكدت أن (المردود) والشخشوخة بالهرماس العربي - وهو المشمش المجفف تقليديا- بالإضافة لعقاقير خاصة من راس الحانوت والزعتر والكليلة (لبن مخثر ومجفف) كلها أكلات لا يمكن الاستغناء عنها في الأوقات العصيبة كما هو الحال أيام الشتاء هذه. وقالت الحاجة فاطمة إن الدفء الذي تحتاجه العائلة في أوقات البرد وتساقط الثلج يتقاسمه المجتمعون على مائدة واحدة حيث تتوسطهم قصعة كبيرة من المردود يطفو عيها مرق دسم (الدهان الغنمي) الذي يضفي هو الآخر مذاقا مميزا وأحيانا أخرى يستعمل فيه زيت الزيتون الخالص الذي يعتبر حضوره ضروريا على المائدة. الخليع عنصر أساسي في الأطباق التقليدية وما تفتقده العائلات حاليا وبدأ في الاندثار مع رياح التطور والعصرنة استنادا للمتحدثة -و لكن بتعبير أهل البداوة وبلغة تحمل الكثير من الأسى والحسرة- هو أن (الخليع) (الذي هو اللحم المقدد الذي يحفظ بطريقة تقليدية ويتم تجفيفه لفترة طويلة في مكان مهوى ويكون له مذاق خاص) قد بدأ يزول تدريجيا وأحيانا غاب فعلا ولم يصبح له وجود. وبالرغم من أن طهو البركوكس بالخليع أصبح في طي النسيان غير أنه لا يزال محفوظا في ذاكرة الحاجة فاطمة ويعد بالنسبة لها طبقا تقليديا ساحرا بمذاقه يشتهيه الرجال ويتلذذ به الصغار ويحلو عند النسوة اللواتي لا يجدن متعة أكثر من متعة طهيه على نار هادئة وعلى بقايا الحطب فتعم رائحته كامل أرجاء الخيمة آنذاك حتى ينسى من فيها هم البرد وقساوة الطبيعة والخوف من هبوب الرياح وهوج العاصفة ومع هذا يجد (الخليع) مكانا له ولكن في أسر البدو الرحل التي مازالت تحافظ على وصفات سحرية للأكل الشعبي التقليدي وفي زوايا العمران يبقى مجرد ذكرى عند الأسر التي جعلت من المدينة ملجآ لها حسب العارفين بخبايا المجتمع المحلي. ازدحام عبر محلات بيع التوابل يلاحظ بولاية الجلفة خلال هذه الأيام الشتوية المصحوبة ببرد قارس حركية غير عادية عند بائعي التوابل والعقاقير النباتية والطلب واحد يتعلق سواء بالمردود المصنوع بطريقة تقيلدية وكذا عن الهرماس (المشمش المجفف في أشعة الشمس) فضلا عن الثوم الأحمر وكذا رأس الحانوت والزعتر والكليلة المصنوعة من اللبن المخثر المجفف وهي كلها مكونات تستعمل في طهو أطباق شتوية يجتمع على تسميتها بالكامل (الحوثة) وهي أطباق البركوكس والشخشوخة وغيرها مما تضفي دفئا خاصا في جو عائلي يجتمع فيه الكل على مائدة واحدة. المعروف لإطعام عابري السبيل تطهو الكثير من النساء الجلفاويات (البركوكس) يضاف له أحيانا قطع من لحم الدجاج وأحيانا أخرى من اللحم الأحمر حسبما هو ميسر من أجل أن يخرج به عند تحضيره إلى الشارع ويأكل منه عابرو السبيل وأبناء الحي وحتى من هم بدون مأوى من المشردين. ويقصد بما يتم تحضيره ب (المعروف) وهو عادة بالنسبة لكثير من الأسر التي تتشبث بهذه الخصلة الحميدة الراسخة في الأذهان ويراج أن فيها (بعد عقائدي) كونه - أي المعروف- فعلا تضامنيا يذهب البأس ويبعد القدر المشؤوم ويصرف البلاء. ويحبذ المعروف عند أصحابه بذلك الذي يخرج في عز أيام الشتاء بحيث يعتبر عند البعض بمثابة شكر الله على النعمة والتصدق بما هو حاضر من هذا الأكل الذي يجتمع عليه الناس ضمن ما يعرف به محليا بالقصعة الكبيرة التي سرعان ما تنفض ويطالبون بالمزيد وهي أساس اللذة التي لا مثيل لها في هذا السلوك التضامني.