تعتبر منطقة الاوراس التي تضم كلا من ولايات باتنة، خنشلة، ڤالمة وأم البواقي، من بين أغنى المناطق الجزائرية وأكثرها تنوعا من حيث العادات والتقاليد، وإن تميزت كل ولاية عن الأخرى بعادات وتقاليد شعبية من أفرشة، وحلي شاوي تقليدي ومختلف الألبسة التي تميز المرأة الشاوية.
بالإضافة إلى عديد الأكلات الشعبية التي تتفنن هذه الأخيرة في إعدادها، معتمدة على مواد لها يد في ابتكار مكوناتها، ومن بين هذه الأكلات الشعبية التقليدية التي بقيت المنطقة تحافظ عليها رغم مظاهر العصرنة التي غزت المطبخ الاوراسي من أكلات سريعة وأخرى جاهزة، تبقى أطباق “المحاجب” و«العيش” و«الشخشوشة الشاوية”، من بين أقوى الأطباق الغذائية التي تعتز بها الأسر الشاوية، خاصة وأنها تقترن أساسا بفصل الشتاء البارد، لأنه حسب سكان المنطقة يكسب الجسم الحرارة وينزع البرودة التي تنخر العظام، وتساعد الجسم على المقاومة . البرد القارص يجبر عائلات الاوراس على العودة إلى حياة زمان أجبرت الاضطرابات الجوية الأخيرة، اغلب العائلات الأوراسية على التفكير في حلول أخرى أكثر جدوى لمقاومة البرد القارس، من خلال تكييف مطبخها مع الاضطرابات الجوية، حيث أكدت لنا الحاجة “صليحة” أنه لا مفر من العودة إلى الأطباق التقليدية خاصة وأنها ليست مكلفة ماديا، كون مكوناتها تتواجد بمطبخ كل عائلة ورغم أن مثل هذه الأطباق قد بدأت بالزوال أو على الأقل تراجعت كثيرا في الأوساط الحضرية، وأصبح تحضيرها مناسباتيا، خاصة “الشخشوخة” التي تستعمل في المناسبات الخاصة، وتختلف من منطقة إلى أخرى و تختلف معها المقادير والكيفية. غير أن الحنين إليها دائما يبقى خاصة إذا ما حل فصل الشتاء، غير أن سكان المشاتي والأرياف سيما بالمرتفعات الجبلية، يعتبر الطبق بالنسبة لهم الأكلة الفاخرة الغنية بكل المكونات والفوائد، وتعتمد المرأة الاوراسية في تحضير هذه الأكلات الشعبية كالعيش بالقديد على مادة الدقيق أو السميد، الذي غالبا ما تقوم هي بتحضيره بطحن القمح خلال موسم الحصاد واستخلاص مادة الدقيق، باعتباره حلو المذاق على عكس السميد الجاهز المتواجد في الأسواق، حسب السيدة “عقيلة” ربة بيت إلتقيناها بسوق الفوالة بوسط مدينة باتنة، حيث أكدت لنا أنه يتم فتل العيش بهذه المادة إلى جانب الماء، بعدها يتم وضعه في كسكاس تحته قدر بها ماء يغلي لتفوير العيش بالبخار المنبعث من القدر، بعدها يتم تجفيفه إذا كانت الكمية المفتولة كبيرة واستعماله لعدة مرات، ومازالت نساء الشاوية يعتمدن في فتل الكميات الكبيرة على “اللمّة”، وهي تعاون عدة نساء في فتل العيش خاصة في فصل الصيف، فيما تفضل اغلب السيدات الموظفات خاصة فتل العيش عند الحاجة إليه لأن هناك فرقا في النكهة بين المحضر في حينه وبين القديم الذي مرت عليه أيام أو حتى شهور من فتله، وعند الانتهاء من تحضير العيش يتم تحضير المرق الذي سينضج فيه وتكون المرأة هنا قد وفرت كل المكونات التي تلزم الطبق التي يتم إعدادها خلال الفصول التي تسبق فصل الشتاء. أي كل حسب موسمها بدءا بالحمص إلى مادة الكليلة التي يتم تحضيرها من اللبن بعد طهيه واستخلاصها منه إلى جانب الفول والمشمش المجفف أو ما يعرف بالفرماس، ويتم تجفيف جل المكونات في موسمها خصيصا لفصل الشتاء ولطبق العيش، ولا يكتمل الطبق حسب السيدتين “نوال” و«شهرة” تصادف وجودهما معنا في دار الثقافة أثناء إعداد هذا التحقيق إلا بإضافة القديد أو كما يعرف محليا ب«الخليع” الذي يحضّر خصيصا هو الآخر لأكلة العيش من لحم عيد الأضحى. حيث تمتزج نكهته بين حموضة الفرماس وحرارة البهارات، حيث أن المصاب بالزكام سيجد شفاءه على يد الطبق الذي سيخفف وضعه خاصة إذا كان ساخنا وحارا بشرط عدم شرب الماء، وهو ما أكده لنا الحاج “التهامي” الذي اعتبر أن سكان الاوراس قديما كانوا يعالجون أنفسهم من الزكام بطبخ العيش، وقد كانوا في القديم يعتمدون على هذه الأكلة ويلجؤون إليها جراء برودة الطقس، أين تنغلق الطرق ولا يستطيع أهل المناطق الجبلية التنقل إلى الأسواق لجلب المواد الغذائية التي تلزمهم، ليكون العيش البديل “الوحيد” نظرا لاحتوائه على مكونات متوفرة بالمنزل والتي تكون محضرة مسبقا قبل حلول فصل الشتاء ، كما أن الشيء المميز في طبق العيش هو أكلها في طبق مصنوع من مادة الطين الأمر الذي يزيد من حلاوة المذاق عندما يجتمع أفراد العائلة على تلك القصعة وسط جو شديد البرودة تدفئه حرارة الطبق بمكوناته المميزة والتي تبدو في واقعها بسيطة العيش وغيره من الأطباق التي يتم تصنيعها وتحضيرها من مادة الدقيق كالكسكس . إتقان الشخشوخة والمحاجب من أهم شروط الزواج تعتبر أطباق المحاجب و«الشخشوخة” من بين أهم الشروط التي تقترن بجدارة المرأة وفحولتها سيما الشابات المقبلات على الزواج، حيث أن أهل العريس خاصة والدته وأخواته أول ما ينظرن إليه هو مدى إتقان العروس لهذه الأطباق، وإن تراجعت قليلا هذه العادات أو “الشروط” في الوسط الحضري، إلا أنها تبقى الأهم في قرى وأرياف باتنة حسب الأستاذة “نسرين” التي أكدت لنا أنها فسخت خطوبتها بسبب إصرار أهل خطيبها على تعلمها لمثل هذه الأطباق، المهددة الآن بالزوال أمام الأكل السريع الذي يفضله الكثير، وأمام هذه الأطباق التي أصبحت متوفرة في الأسواق رغم اختلاف مذاقها ووجود فرق بينها وبين المصنوعة في المنزل وتنوع مكوناتها . كيفية تحضير طبق الشخشوخة الشاوية لمواجهة البرد القارص وإكرام الضيف ساعدت الاضطرابات الجوية الأخيرة التي شهدتها باتنة، على غرار باقي ولايات الوطن في إكثار عائلات باتنة من طبق مميز وتقليدي مئة بالمئة، كما أنها إذا أرادت أن تكرم ضيفا أو تحتفي بعزيز غال، فالأكيد سيكون طبق “الشخشوخة” هو الاختيار الأمثل والوحيد فهو سيد الموائد في المناسبات وليالي الشتاء. حسب السيدة “دريس مسعودة” عضو بالمجلس الشعبي لباتنة، والتي قدمت لنا كيفية تحضيره .