جاءت هذه الآية فى سورة النساء للنهى عن خيانة النفس بظلمها وعمل ما حرمه الله عليها كما جاءت ايضا معنى خيانة النفس بسورة البقرة {عَلِمَ الله أَنَّكُمْ كُنتُمْ تَخْتانُونَ أَنفُسَكُمْ} [البقرة:187]..وجاءت تختانون للخاص من الذنوب مما يفعل سراً.. وفي تأويل قوله تعالى: (وَلَا تُجَادِلْ عَنِ الَّذِينَ يَخْتَانُونَ أَنفُسَهُمْ إِنَّ اللَّهَ لَا يُحِبُّ مَن كَانَ خَوَّانًا أَثِيمًا) (107)- سورة النساء قال أبو جعفر: يعني بذلك جل ثناؤه: ولا تجادل يا محمد فتخاصم عن الذين يختانون أنفسهم يعني: يخوّنون أنفسهم يجعلونها خَبوَنة بخيانتهم ما خانوا من أموال من خانوه مالَه وهم بنو أبيرق. يقول: لا تخاصم عنهم من يطالبهم بحقوقهم وما خانوه فيه من أموالهم (إن الله لا يحب من كان خوّانًا أثيمًا) يقول: إنّ الله لا يحب من كان من صفته خِيَانة الناس في أموالهم وركوب الإثم في ذلك وغيره مما حرَّمه الله عليه. وبنحو الذي قلنا في ذلك قال أهل التأويل: وقد تقدم ذكر الرواية عنهم. حدثنا الحسن بن يحيى قال أخبرنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة: (ولا تجادل عن الذين يختانون أنفسهم) قال: اختان رجل عمًّا له درعًا فقذف بها يهوديًا كان يغشاهم فجادل عمُّ الرجل قومه فكأن النبي صلى الله عليه وسلم عذره. ثم لحق بأرض الشرك فنزلت فيه: وَمَنْ يُشَاقِقِ الرَّسُولَ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُ الْهُدَى الآية. وجاء فى فتاوى ابن تيمية عن موقف من يختانون انفسهم ليوضح ما هم عليه: أن نفسه هي التي تختان كما أنها هي التي تضر لأن مبدأ ذلك من شهوتها ليس هو مما يأمر به العقل والرأي ومبدأ السفه منها لخفتها وطيشها والإنسان تأمره نفسه فى السر بأمور ينهاها عنه العقل والدين فتكون نفسه اختانته وغلبته وهذا يوجد كثيراً فى أمر الجماع والمال ولهذا لا يؤتمن على ذلك أكثر الناس ويقصد بالائتمان من لا تدعوه نفسه إلى الخيانة فى ذلك. قال سعيد بن المُسَيَّب: لو ائتمنت على بيت مال لأديت الأمانة ولو ائتمنت على امرأة سوداء لخفت ألا أؤدي الأمانة فيها وكذلك المال لا يؤتمن عليه أصحاب الأنفس الحريصة على أخذه كيف اتفق. وهذا كله مما يبين أن النفس تخون أمانتها وإن كان الرجل ابتداء لا يقصد الخيانة فتحمله على الخيانة بغير أمره وتغلبه على رأيه ولهذا يلوم المرء نفسه على ذلك ويذمها ويقول: هذه النفس الفاعلة الصانعة فإنها هي التي اختانت.