** ما حكم السب واللعن الذي يقع من بعض الناس في رموز النظام المصري السابق؟ * يجيب الدكتور محمد سعدي: أولاً نحمد الله العلي القدير أن أذن بصلاح الأحوال بسبب ثورة الشعب المصري لانتزاع حقوقه التي طالما اغتصبت منه أحقابا وأحقابا، كما نحمده تعالى على أن هيأ الأسباب المؤدية لهذا، وصدق الله عندما قال: إِنَّ رَبِّي لَطِيفٌ لِمَا يَشَاءُ إِنَّهُ هُوَ الْعَلِيمُ الْحَكِيمُ [يوسف/100] كما نسأل سبحانه وتعالى أن يتقبل من مات مدافعا عن مصير بلده وأن يتقبله في الصالحين، كما نسأله سبحانه وتعالى أن يستعملنا لخدمة دينه وعباده، وأن يجعلنا من عباده الصالحين. أما ما يقع من سبِّ في رموز النظام السابق فهذا ما نرفضه، ولا نقره، فالإسلام يربي المسلمين على حسن الأخلاق، وحسن الخلق ينأى بالمسلم عن الوقوع في دائرة البذاءة والسب والشتم فالمسلم ليس بطعَّان ولا سبَّاب ولا يجري على لسانه لعنُ الآخرين حتى لو كان الآخر هذا جمادا أو حيوانا فما بالك إن كان إنسانا. قد جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المسلم بلعان ولا طعان ولا فاحش ولا بذيء" وجاء أيضا: سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "لعن المسلم كقتله". وأيضا روى مسلم بسنده المتصل في صحيحه عن عمران بن حصين رضي الله عنه قال: بينما رسول الله صلى الله عليه وسلم في بعض أسفاره وامرأة من الأنصار على ناقة فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة. قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس ما يعرض لها أحد. وعن أبي الدرداء رضي الله عنه قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن العبد إذا لعن شيئا صعدت اللعنة إلى السماء فتغلق أبواب السماء دونها، ثم تهبط إلى الأرض فتغلق أبوابها دونها، ثم تأخذ يمينا وشمالا فإذا لم تجد مساغا رجعت إلى الذي لُعن، فإن كان أهلاً لذلك وإلا رجعت إلى قائلها. رواه أبو داود. وأحاديث النبي صلى الله عليه وسلم هي تطبيق صادق لقول الحق سبحانه وتعالى: ":قال الله تعالى: وَقُل لِّعِبَادِي يَقُولُواْ الَّتِي هِيَ أَحْسَنُ إِنَّ الشَّيْطَانَ يَنزَغُ بَيْنَهُمْ إِنَّ الشَّيْطَانَ كَانَ لِلإِنْسَانِ عَدُوًّا مُّبِينًا" الإسراء:53. والمسلم إذا تعرض لظلم له أن يدفع الظلم عن نفسه بما لا يوقعه في دائرة ظلم الآخرين، ولا يجرُّ ظلما لنفسه بأن يوقعه في معصية والسباب معصية كما أن السباب يتنافى مع حسن الخلق الذي طلبه منا الشرع الحكيم ويروى أن الإمام عليا رضي الله عنه وقد سمع قوما من أصحابه يسبون أهل الشام عندما مرَّ بهم ب"صفين": "إني أكره لكم أن تكونوا سبَّابين، ولكنكم لو وصفتم أعمالهم وذكرتم حالهم كان أصوب في القول وأبلغ في العذر، وقلتم مكان سبكم إياهم: اللهم أحقن دماءنا ودماءهم وأصلح ذات بيننا وبينهم وأهدهم من ضلالتهم حتى يعرف الحق من جهله ويرعوي عن الغي والعدوان مَن لهج به". أما قوله تعالى: "لاَ يُحِبُّ اللهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ" فالجهر بالسوء من القول يكون في حال إظهار الشكوى لا إظهار السب كأن يقول المظلوم ظلمني فلان واغتصب حقي أو يدعو الله عليه لكي يأخذ له حقه. "إلا من" أي جهر من "ظلم" أي كان من أحد من الناس ظلم إليه كائناً من كان فإنه يجوز له الجهر بشكواه والتظلم منه والدعاء عليه وإن ساءه ذلك بحيث لا يعتدي. نظم الدرر للبقاعي - (ج 2 / ص 290) قال الشيخ رشيد: وَقَدْ عُلِمَ مِمَّا قُلْنَاهُ آنِفًا أَنَّ إِبَاحَةَ الْجَهْرِ بِالسُّوءِ لِلْمَظْلُومِ أَوْ مَشْرُوعِيَّتَهُ لَهُ هُوَ مِنْ بَابِ الضَّرُورَاتِ; لِأَنَّهُ ارْتِكَابُ أَخَفِّ الضَّرَرَيْنِ، وَالضَّرُورَاتُ تُقَدَّرُ بِقَدْرِهَا، كَمَا قَالَ أَهْلُ الْأُصُولِ، فَلَا يَجُوزُ لِلْمَظْلُومِ أَنْ يَتَّبِعَ هَوَاهُ فِي الِاسْتِرْسَالِ وَالتَّمَادِي فِي الْجَهْرِ بِالسُّوءِ، بِمَا لَا دَخْلَ لَهُ فِي مَنْعِ الظُّلْمِ وَالتَّفَصِّي مِنْهُ وَأَطْرِ الظَّالِمِ عَلَى الْحَقِّ، وَالْأَخْذِ عَلَى يَدِهِ أَوْ يَنْتَهِي عَنِ الظُّلْمِ أه تفسير المنار- (ج 6 / ص 6) قال الألوسي: إَلاَّ مَن ظَلَمَ" أي إلا جهر من ظلم فإنه غير مسخوط عنده تعالى، وذلك بأن يدعو على ظالمه أو يتظلم منه ويذكره بما فيه من السوء؛ وروي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما وقتادة: هو أن يدعو على من ظلمه، وعن مجاهد أن المراد لا يحب الله سبحانه أن يذم أحد أحداً أو يشكوه إلا من ظلم فيجوز له أن يشكو ظالمه ويظهر أمره ويذكره بسوء ما قد صنعه أه تفسير الألوسي - (ج 4 / ص 287) التفسير المنير للزحيلي- (ج 6 / ص 6) استثنى اللّه تعالى حالة يجوز فيها إعلان السوء من القول: وهي حالة الشكوى من ظلم الظالم لحاكم أو قاض أو غيره ممن يرجى منه رفع ظلامته وإغاثته ومساعدته في إزالة الظلم. والشكوى على الظالم أمر مطلوب شرعا، إذ لا يحب اللّه لعباده أن يسكتوا على الظلم، أو أن يخضعوا للضيم أو أن يقبلوا المهانة ويسكتوا على الذل، روى الإمام أحمد: «إن لصاحب الحق مقالا» . أه تفسير الرازي - (ج 5 / ص 425) المسألة الخامسة: المظلوم ماذا يفعل؟ فيه وجوه: الأول: قال قتادة وابن عباس لا يحب الله رفع الصوت بما يسوء غيره إلا المظلوم فإن له أن يرفع صوته بالدعاء على من ظلمه. الثاني: قال مجاهد: إلا أن يخبر بظلم ظالمه له الثالث: لا يجوز إظهار الأحوال المستورة المكتومة، لأن ذلك يصير سبباً لوقوع الناس في الغيبة ووقوع ذلك الإنسان في الريبة، لكن من ظلم فيجوز إظهار ظلمه بأن يذكر أنه سرق أو غصب، وهذا قول الأصم.أه والآن لا يفيد سب رموز النظام السابق إلا سيئات يضيفها المرء في سجله وإنما العمل الآن يتجه في ظني إلى مسارين: المسار الأول: من تعرض لظلم من رموز النظام السابق عليه أن يرفع مظلمته للقضاء لكي يأخذ حقه بالقانون. هذه واحدة. أما المسار الثاني: فهو أن يتوكل الجميع على بركة الله لكي يصلحوا من أمر بلادهم وأن يعملوا على ما فيه رفعة وعزة لأوطانهم وأن يتراحموا فيما بينهم، وكل مظاهر الفساد والإفساد التي كانت من قبل علينا أن نحاربها ونسأل الله سبحانه وتعالى أن يهيئ لنا من أمرنا رشدا. والله أعلم. * جاء في حديث النبي صلى الله عليه وسلم: "ليس المسلم بلعان ولا طعان ولا فاحش ولا بذيء" وجاء أيضا: سِباب المسلم فسوق وقتاله كفر، وجاء عنه صلى الله عليه وسلم: "لعن المسلم كقتله".