غ. د ظاهرة لافتة بدأت تطل برأسها على الساحة الفنية العربية تتمثل في اندفاع الفنانين اللبنانيين إلى تسجيل أغنيات تمجّد الثورة في مصر، ومن المستغرب في هذا المجال أن هؤلاء يقفون في معظمهم على الحياد إزاء الأحداث التي تعصف بلبنان، في المقابل ينقسم الفنانون المصريون بين مؤيد للثورة ومعارض لها. لماذا يخشى الفنان اللبناني الإفصاح عن مواقفه السياسية وانتماءاته وما الفرق بينه وبين الفنان المصري؟ في دردشة مع صحيفة «الجريدة» الكويتية، يوضح الدكتور سالم الخطيب، اختصاصي في الطبّ النفسي العيادي، أن الفنان المصري مسيّس تاريخياً، منذ عهد جمال عبد الناصر أي منذ اندلاع ثورة 23 يوليو 1952، إذ كانت لها أصوات تمجدها وتروّج لها، من بينها: أم كلثوم، عبد الحليم حافظ، محمد عبد الوهاب... وقد ازدادت سطوة تلك الأصوات بعد عدوان 1956 وحربي 1967 و1973، عدا عن الأوبريت التي شارك فيها كبار النجوم في الوطن العربي من بينهم: شادية، نجاح سلام، وردة، صباح، عبد الحليم حافظ، نجاة الصغيرة... وأغنيات تمدح الأنظمة التي تتالت على مصر. ويضيف الخطيب: «في المقابل نجد أن الفنانين اللبنانيين يتغنون بجمال لبنان وطبيعته: «لبنان يا أخضر حلو»، «لبنان يا قطعة سما» لوديع الصافي... ولم يقدموا مجتمعين أو فرادى أغنيات تحمل قضية معينة في طياتها، اللهم قلّة تتغنى بصلابة الجنوب وأهله عندما كان يتعرض للعدوان الإسرائيلي، من بينها: «إسوارة العروس» لفيروز و{الله معك يا بيت صامد بالجنوب» لوديع الصافي وأغنيات أخرى تشد من أزر الجنوبيين». ومن هنا، يستنتج الخطيب أن الفنان اللبناني لم يتخذ موقفاً واضحاً وصريحاً من الأحداث السياسية التي تعصف بلبنان لأنه لم يكن يوماً مسيّساً، والتسييس، برأيه، نتاج تراكم مواقف سياسية على مدى سنوات، وهذا ما يفتقده الفنان اللبناني ويتمتع به الفنان المصري. ويلاحظ الخطيب أن الفنان اللبناني يركّز، باستمرار، على ما يسمى بالعامية اللبنانية «خط الرجعة « أو «شعرة معاوية» بينه وبين الآخرين، لذا يحسب ألف حساب قبل اتخاذ أي موقف مع هذه الجهة السياسية أو تلك، كي لا يلومه الجمهور عليه أو يحاسبه، «لذا نادراً ما نجد أصواتاً يمكن أن نطلق عليها «أصوات السلطة» أو «أصوات النظام» ربما لأن النظام اللبناني لا يخضع لقواعد الحكم المركزي والقبضة الحديدية، ما يجعل الفنان اللبناني أحد أكثر الفنانين حرية في الوطن العربي، وحذراً في الوقت نفسه». ملك الشعب الفنان ملك الشعب في عرف الفنانين اللبنانيين، لذا نأوا بأنفسهم، منذ اندلاع الحرب في لبنان، عن الانزلاق في المستنقع السياسي، وزاد تحفّظهم بعد الأحداث التي وقعت على أثر استشهاد الرئيس رفيق الحريري عام 2005 وأدت إلى الانقسام في الشارع السياسي اللبناني، فلم تصرّح نجوى كرم، على سبيل المثال لا الحصر، أنها مع هذه الجهة أو تلك، إنما تشدّد على الدوام على ولائها للجيش اللبناني. بعد تعيينه سفيراً للنوايا الحسنة للحفاظ على البيئة في الأممالمتحدة، يركز راغب علامة هجومه على الطبقة السياسية عموماً، أما عاصي الحلاني، فعلى رغم قربه من قوى 8 آذار، إلا أنه يمسك العصا من النصف ويؤكد أن إسرائيل عدوه الوحيد، والحال نفسها مع وليد توفيق الذي لا يوفر فرصة وطنية إلا ويطلق أغنية يعبر فيها عن حبه لوطنه من جنوبه إلى شماله، وهيفا وهبي التي تفتخر بانتمائها إلى الجنوب اللبناني وتؤيد السيد حسن نصر الله بوصفه مقاوماً لإسرائيل، أما نانسي عجرم فلا تقترب من السياسة من قريب أو من بعيد، فيما أعلنت إليسا صراحة وبوضوح تأييدها لحزب القوات اللبنانية وللدكتور سمير جعجع، فشذت بذلك عن القاعدة مع فنانين لا يتجاوزون ربما عدد أصابع اليد. قائمة العار قبيل اندلاع الثورة في مصر، صرّح خالد أبو النجا أنه مع التغيير وضد التوريث وكان أحد الفنانين الذين استقبلوا محمد البرادعي، فدفع ثمن هذا الاستقبال استبعاده عن أي برنامج فني أو حواري في التلفزيون المصري الرسمي، إنما اختلف الوضع بعد الثورة بالتأكيد. أما المخرج خالد يوسف فترجم سخطه على السلطة وتنبأ بما حصل عبر سلسلة أفلام: «هي فوضى؟»، «حين ميسرة» و «دكان شحاته»، وكان الفنان خالد الصاوي على رأس تظاهرة مؤلفة من 25 ألف شخص، وبسبب ثقل وزنه لم يستطع الشعب حمله فحمل الفنان عمرو واكد الذي نادى بضرورة سقوط النظام، بالإضافة إلى فنانين آخرين نادوا بالتغيير من دون أن يخشوا على شعبيتهم سواء نجحت الثورة أو فشلت. هكذا، يبدو أن الجمهور اللبناني عاجز عن تقسيم فنانيه بين موالين ومعارضين عكس الجمهور المصري الذي قسّم فنانيه إلى قائمتين: قائمة العار وقائمة الشرف، تضم الأولى أسماء الذين ناهضوا الثورة والثانية أسماء الذين وقفوا إلى جانبها. لا يعبأ الفنانون المصريون بردة فعل الجمهور كأن يقاطع أعمال هذا الفنان أو ذاك بسبب موقفه السياسي، ربما لإيمانهم بأن الشعب المصري يفرّق بين موقف الفنان وبين الأعمال التي يقدّمها، عكس الفنان اللبناني الذي يخشى تأثر شعبيته بأي شكل من الأشكال، ويظن، ربما هو على يقين، بأن الشعب اللبناني يتأثر بمواقف الفنان السياسية، وخير دليل على ذلك تجربة جوليا بطرس (تميل إلى الحزب القومي السوري) التي تأثرت شعبيتها في الأوساط الموالية لقوى 14 آذار بعد إعلانها الشهير أمام الإسكوا أن حذاء أي مقاوم أشرف من أي مناوئ للمقاومة.