الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر ضروريان ** بسام ناصر حددت الآية الكريمة من سورة آل عمران الصفات التي بها استحقت الأمة الإسلامية صفة الخيرية فذلك الوصف ليس وصفا مطلقا هكذا بل هو وصف مقيد بشروطه وصفاته فحينما تتحقق الأمة بتلك الصفات فإنها تستحق حينئذ ذلك الوصف التكريمي (خير أمة أخرجت للناس). يقول تعالى: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّة أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَتُؤْمِنُونَ بالله..) (آل عمران: 110). فعناصر الخيرية وصفاتها ثلاثة: أمر بالمعروف ونهي عن المنكر وإيمان بالله فإذا ما تخلف أحد تلك العناصر لم تكن الأمة مؤهلة حينذاك لتتصف بذلك الوصف التكريمي العظيم. يربط الشيخ السعدي في تفسيره بين هذه الآية والتي قبلها بآيات وهي قوله تعالى: {وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (آل عمران: 104) فيقول: لما كانت الآية السابقة (ولتكن منكم..) أمرا منه تعالى لهذه الأمة والأمر قد يمتثله المأمور ويقوم به وقد لا يقوم به أخبر في هذه الآية أن الأمة قد قامت بما أمرها الله بالقيام به وامتثلت أمر بها واستحقت الفضل على سائر الأمم. تلك الصفات في دلالاتها الواسعة تتضمن أعمالا كبيرة تتسع لميادين الخير كلها ولما يقابلها من إخماد أعمال المنكر ومحاربتها بكل صورها وألوانها في ظلال الإيمان بالله والانطلاق من دوافعه الإيمانية في طلب الأجر والثواب منه سبحانه وليس لأي غرض دنيوي يسعى إليه الناس ويتنافسون على تحصيله والظفر به. الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر من أبرز صفات الفاعلية الإنسانية في أوسع مداراتها ونطاقاتها فالمعروف اسم جامع لكل ما يعرفه الناس ويحبونه ويثنون على فاعليه ويشيدون بالقائمين به والمنكر اسم جامع لكل ما يستنكره الناس ويستقبحون فعله ويذمون فاعليه أما الإيمان بالله فهو رأس الأمر كله الذي يحفظ على الإنسان إنسانيته ابتداء إذ هو الطريق الذي به يعرف الإنسان ربه ليكون عبدا ربانيا خاضعا لأوامره وأحكامه وتشريعاته. إصلاح واجب.. حينما تقوم الأمة بعلمائها ودعاتها ورجالاتها الناشطين بفريضة الأمر بالمعروف فإنها تسلك السبيل الذي به ينمو الخير والمعروف في الأمة فيكون أمرهم بالمعروف تنبيها للغافل وتذكيرا للناسي وتشجيعا للمتكاسل فيشيع المعروف بكل صوره وأشكاله وأنماطه في المجتمع وكذلك حينما تنهض الأمة بعلمائها ودعاتها ورجالاتها الفاعلين بالنهي عن المنكر فإنها تحاصر الشر والفساد وتأخذ على أيدي المفسدين والفاسدين. الذين يقومون على واجب الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر هم المصلحون الذين يحققون الصلاح في أنفسهم ثم يسعون لإشاعته في المجتمع وكلما كثر المصلحون في المجتمع كلما زاد المعروف وقل المنكر لأنهم هم الذين يقومون على سد تلك الثغرات والنهوض بواجب الأمر والنهي ليشيدوا بفعلهم ذاك سياج حماية المجتمع من التحلل والتفسخ وشيوع الآفات المهلكة والمنكرات المفسدة. وقد نبه الله هذه الأمة وحضها على تغيير المنكر ومحاربة الفساد لئلا يقع لها ما وقع للأمم السابقة فقال تعالى: }فَلَوْلا كَانَ مِنَ الْقُرُونِ مِنْ قَبْلِكُمْ أُولُو بَقِيَّة يَنْهَوْنَ عَنِ الْفَسَادِ فِي الْأَرْضِ إِلا قَلِيلًا مِمَّنْ أَنْجَيْنَا مِنْهُمْ وَاتَّبَعَ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَا أُتْرِفُوا فِيهِ وَكَانُوا مُجْرِمِينَ} (هود: 116). ثم أتبعها سبحانه بما يصلح أن يكون قانونا عاما وقاعدة مضطردة فقال: (وَمَا كَانَ رَبُّكَ لِيُهْلِكَ الْقُرَى بِظُلْم وَأَهْلُهَا مُصْلِحُونَ).. والمصلحون في هذه الآية في مقابل المفسدين في الآية التي قبلها. فالمفسدون حينما يستشري فسادهم وتشيع منكراتهم في المجتمع فإنهم يظلمون بذلك أنفسهم وما كان لهم أن يتمددوا في سلوكياتهم الفاسدة ويتوسعوا في ارتكاب منكراتهم المهلكة إلا لسكوت المصلحين عنهم ولو شمر المصلحون عن ساعد العمل والجد ومواجهة الفساد لتمت محاصرة المفسدين وخفت شرورهم ومفاسدهم. إذا كثر الخبث.. نعم إن وجود المصلحين في المجتمعات الذين يقومون بواجب الأمر بالمعروف وإشاعته والنهي عن المنكر ومحاربته حصانة لتلك المجتمعات من التفسخ والتحلل والضعف أما وجود الصالحين الذين يحققون الاستقامة الشخصية ويسعون للخلاص الفردي فإن العذاب المهلك حينما يحل بأمة فإنه يشملهم مع المعذبين. وقد أوضح الرسول عليه الصلاة والسلام ذلك في حديث أم المؤمنين زينب بن جحش رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم دخل عليها فزعا يقول: (لا إله إلا الله ويل للعرب من شر قد اقترب فتح اليوم من ردم يأجوج ومأجوج مثل هذه) وحلق بأصبعه الإبهام والتي تليها فقلت: يا رسول الله: أنهلك وفينا الصالحون؟ قال: نعم إذا كثر الخبث. (متفق عليه). ماذا تبقى للأمة من خيرتها وقد فرطت بما جعله الله شرطا لخيرتها تلك؟ فقد سكت المصلحون ولاذوا بالصمت أمام المنكرات العظيمة التي عمت وانتشرت في ديار المسلمين فضعفت الأمة بين الأمم ولم تعد لها مكانة محترمة وبات الاعتداء على دينها نهارا جهارا والتجرؤ على أحكام الشريعة بكل وقاحة وفجاجة أمرا شائعا وساريا ولا تجد من يردع المتطاولين والمتجرئين على دين المسلمين. مسيرة التغيير تبدأ من صناعة الإنسان المؤهل لحملة رسالة السماء والقادر على القيام بتكاليفها وتحمل تبعاتها وليس الإنسان الضعيف الجبان الخوار المقيد بآفات وعلل مجتمعه المقعدة والتي تكبله عن القيام بما أوجبه الله عليه والتحقق بتلك الصفات التي بمجموعها تحقق للأمة خيرتها وبها تعود للأمة مكانتها ودورها الرائد في الشهادة على الأمم إرشادا ودعوة وتعليما وقدوة حسنة.