تتزايد في مجتمعاتنا نسبة الشباب الذين يتزوّجون دون أن يتوفر شرط "اختيارهم" الفعلي لشريكة الحياة من الإناث، على أسس إسلامية قوية، كما تتزايد نسبة الفتيات اللواتي يتزوّجن دون أن يتوفر شرط "قبولهن" الفعلي الواعي لشريك الحياة من الذكور·· وتتزايد بهذا وذاك أسباب انتهاء الحياة الزوجية إلى الطلاق، آجلا أو عاجلا· وتكمن الأسباب في جملة من الممارسات المنطوية على خلل اجتماعي واقتصادي وسلوكي، يقيم العراقيل في وجه الزواج عموما، سواء نتيجة المبالغات في المهور العالية، أو ارتفاع النفقات وانخفاض الدخل، أو أزمات السكن، أو سوى ذلك من الأسباب التي يحمل المجتمع بأسره المسؤولية عنها، من الحكام والمحكومين، من السلطات والتنظيمات الأهلية، من الناشطين في التغريب والناشطين الإسلاميين على السواء· تزويج وليس زواجا جميع ذلك من المشكلات التي يجب علاجها، إنّما يمكن التركيز في هذا الموضوع على مشكلة بعينها، يزداد رصدها باطّراد، وترتبط بعدم سلامة استيعابنا للزواج وإن وصفناه بالإسلامي، وهي مشكلة الفتيات اللواتي يتمّ "تزويجهن" وليس "زواجهنّ"، دون أن يتوافر شرط إسلامي قطعي: الموافقة الذاتية المباشرة على الزواج من فلان بعينه· هذه الموافقة المنصوص عليها شرعا، منبثقة عن المسؤولية الفردية الثابتة شرعا، التي تحملها الفتاة أمام ربّ العالمين، ولا يحملها عنها أحد، إذ (لا تزر وازرة وزر أخرى) وذلك فور بلوغها سنّ النضوج، فلا ينتقص من هذه المسؤولية أحدٌ إلا وينتقص شيئا ممّا قرّره الشارع الحكيم، سواء سوّغ ذلك بأنّها لم "ينضج وعيُها" بعد·· واللهُ تعالى قرّر نضوجها ومسؤوليتها، أو بأنّ العصر الحاضر يختلف عن حقبة العهد النبوي·· وذلك تسويغ أخطر فكأنّما ننفي به صلاحية أحكام الإسلام لكل زمان ومكان، أو كانت ممارسة الانتقاص من مسؤولية الفتاة ولا نقول: حقّها فحسب دون تسويغ أصلا، أي نتيجة تعنّت سلوكي وتحجّر فكري وقصور في معرفة الدين وأحكامه· إنّ موافقة الفتاة العروس على الزواج، المعنية إسلاميا هنا، هي الموافقة الصريحة المباشرة الحقيقية من جانب الفتاة المسلمة، بصورة واعية بأبعادها وواضحة في التعبير عنها، وليس عبر "انتزاع موافقتها شكليا"، من خلال الضغوط إكراها، أو التحايل تضليلا· وإن تزويج الشباب والفتيات بمختلف الأساليب التي لا تنطلق من الصيغة الإسلامية للزواج، لاسيما على هذا الصعيد، قد ازداد انتشاراً إلى حدّ كبير، ويعني زراعة المشكلات زرعا في "قفص الزوجية"، فإن بدأ رصد المشكلات لاحقا والوعيُ بها من جانب الزوجين، مع صعوبة التغلّب عليها، لا بدّ أن يزداد احتمال الانفصال بالطلاق، أو أن يكون البديل ممّا نسمّيه "الصبر" تجنّبا للطلاق، سببا في نشوء أسرٍ لا تتوافر لها مقوّمات خلايا اجتماعية إسلامية مستقرّة قويمة· دور ولي الأمر في هذه الممارسات تشويهٌ خطير لدور "وليّ الأمر" في إطاره الشرعي، فالأصل أنّه ناصح أمين، ومطّلع حكيم إذا صحّ إسلامُه ووعيه·· وسلمت بالتالي ولايته، ولأنه من هذا المنطلق وعبر تجارب الحياة وانخراطه فيها، أوسع إطّلاعا على ما قد لا تعرفه الفتاة في بداية سنّ النضوج بنفسها، يحمل هو مهمّة أن يطلعها على ذلك، فينصح لها، ويوجّهها، ثمّ ينبغي أن يربط هو قراره بقرارها، قبولا أو رفضا، لاسيّما رفضا· وعلى وجه التحديد إذا كان رفضها منطلقا من غياب شرط المودة والحب والميل، تجاه الرجل الذي يُفترض أن تقضي حياتها المقبلة معه، فإن افتقد "وليّ الأمر" نفسه المعرفة الكافية بإسلامه ومقاصده، أو لم يكن واعيا بمجتمعه وما فيه، أو عرف ووعى وغلبت عليه مطامعه وانحرافاته، وسلك سبلا ملتوية لتزويج ابنته بالإكراه عبر تضليلها أو دون موافقتها· فكيف تسلم آنذاك صفة ولايته لأمرها إسلاميا، وكيف لا يكون هو منحرفا عن الشرع أولا، ومستبدّا بأمره في أسرته ثانيا، ومتعنّتاً بحكمه دون حقّ ثالثا، ومتعسّفا في أداء مهمّة الولاية تخصيصا·· وهي أمانة ومسؤولية، وليست مهمة تشريفية ولا تفضيلية ولا "منفلتة" دون ضوابط!·· سيّان ما يساق من صياغات ظاهرها -فقط- إسلامي، فإنّ الحكم الإسلامي بصدد موافقة الفتاة على زواجها بمن تريد، لا يسقط بالالتفاف عليه، وهو هنا واضح قاطع بيّن، من أنكره أنكر ما يُعرف من الدين بالضرورة، وكان مصدرا لمزيد من الخلل في واقع الحياة الزوجية وتعاملنا معها· * تزويج الشباب والفتيات بمختلف الأساليب التي لا تنطلق من الصيغة الإسلامية للزواج، لاسيما على هذا الصعيد، قد ازداد انتشاراً إلى حدّ كبير، ويعني زراعة المشكلات زرعا في "قفص الزوجية"، فإن بدأ رصد المشكلات لاحقا والوعيُ بها من جانب الزوجين، مع صعوبة التغلّب عليها، لا بدّ أن يزداد احتمال الانفصال بالطلاق، أو أن يكون البديل ممّا نسمّيه "الصبر" تجنّبا للطلاق، سببا في نشوء أسرٍ لا تتوافر لها مقوّمات خلايا اجتماعية إسلامية مستقرّة قويمة·