عبد الحميد المحيمد إن معرفة النبي _ هي أحد الأصول الثلاثة التي يجب على المسلم معرفتها وسيسأل عنها في قبره عندما يقال له : من ربك ؟ وما دينك ؟ ومن نبيك ؟ فماذا تعرف أيها المسلم عن سيرة نبيك ؟ وعن أخلاقه ؟ وعن صفاته ؟ وما نوع معرفتك به ؟ أهي معرفة اتباع واقتداء ؟ أم مجرد معلومات لا تجاوز مسامعك ! قال الله تعالى _ أَمْ لَمْ يَعْرِفُوا رَسُولَهُمْ فَهُمْ لَهُ مُنكِرُونَ _ فالمعرفة به _ ليس مجرد قراءة لسيرته واطلاع على أخباره فحسب ولكنها معرفة تستوجب اتباعه وتصديقه في كل ماجاء به _ . وأن يكون شعار المؤمن إن كان قال فقد صدق . لقد كان كفار قريش يعرفون النبي _ بأنه صادق وأمين ويلقبونه بذلك ولكن تلك المعرفة لم تنفعهم شيئًا لأنهم كذبوه ولم يتبعوا ما جاء به. قال ابن كثير : قال - الله سبحانه - منكرًا على الكافرين من قريش: {أم لم يعرفوا رسولهم فهم له منكرون} أي: أفَهُم لا يعرفون محمدًا وصدقه وأمانته وصيانته التي نشأ بها فيهم أفيقدرون على إنكار ذلك والمباهتة فيه؟ ولهذا قال جعفر بن أبي طالب رضي الله عنه للنجاشي ملك الحبشة: أيها الملك إن الله بعث إلينا رسولًا نعرف نسبه وصدقه وأمانته. وهكذا قال المغيرة بن شعبة لنائب كسرى حين بارزهم. وكذلك قال أبو سفيان صخر بن حرب لملك الروم هرقل حين سأله وأصحابه عن صفات النبي صلى الله عليه وسلم ونسبه وصدقه وأمانته وكانوا بعد كفارًا لم يسلموا ومع هذا ما أمكنهم إلا الصدق فاعترفوا بذلك . [تفسير ابن كثير 5/ 484] كذلك لم ينتفع أهل الكتاب بمجرد معرفتهم بالنبي _ لأنهم عاندوا واستكبروا ولم يؤمنوا به ولم يتبعوه. أما المسلمون فإنهم ينبغي أن يعرفوا النبي _ أكثر من غيرهم وأن تكون معرفة اتباع وانتفاع وطاعة ( وإن تُطِيعُوه تهتدوا ). والذي يتأمل في كتاب الله يجد بأنه لم يذكر تفاصيل حياة النبي صلى الله عليه وسلم وولادته ونشأته ولم يذكر زوجاته ولا أولاده وترك هذه التفاصيل من السيرة ليقوم الصحابة بروايتها ونشرها. وإنما بيّن منهجه صلى الله عليه وسلم وحياته في الدعوة وعبادته وصبره وخلقه وعلمه وحكمته واجتهاده. والله _ يريد لنا معرفة الرسول صلى الله عليه وسلم معرفة حقيقة نابعة عن إيمان واتباع وطاعة واقتداء . كيف نعرف نبينا _ ؟ يجب أن نتعرف على أخلاقه ومنهجه في الدعوة كما بينها القرآن وأن نحفظ أحاديثه ونقرأ سيرته ونوقره ونصلي عليه . وألا نحصر التعرف على سيرته في شهر من السنة أو يوم من الشهر . كذلك فإن من معرفته أن نعرف قدر سنته صلى الله عليه وسلم وأنها مصدر للتشريع . قال صلى الله عليه وسلم : ألا إني أوتيت الكتاب ومثله معه ألا يوشك رجل شبعان على أريكته يقول عليكم بهذا القرآن فما وجدتم فيه من حلال فأحلوه وما وجدتم فيه من حرام فحرموه . [رواه ابن ماجه بسند صحيح] وعنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عَمْر و رضي الله عنهما قَالَ كُنْتُ أَكْتُبُ كُلَّ شَيْء أَسْمَعُهُ مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ أُرِيدُ حِفْظَهُ فَنَهَتْنِي قُرَيْشٌ وَقَالُوا : أَتَكْتُبُ كُلَّ شَيْء تَسْمَعُهُ وَرَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ بَشَرٌ يَتَكَلَّمُ فِي الْغَضَبِ وَالرِّضَا؟ فَأَمْسَكْتُ عَنْ الْكِتَابِ فَذَكَرْتُ ذَلِكَ لِرَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فَأَوْمَأَ بِأُصْبُعِهِ إِلَى فِيهِ فَقَالَ : (اكْتُبْ فَوَالَّذِي نَفْسِي بِيَدِهِ مَا يَخْرُجُ مِنْهُ إِلَّا حَقٌّ) .[سنن أبي داود] كذلك فإن من عرف نبيه ينبغي أن يعرف أهل بيته وصحابته رضوان الله عنهم وأن يعرف لهم قدرهم ويترضى عليهم وينافح عنهم .