الاطلاع على سيرة النبي صلى الله عليه وسلم من خير ما يتطلع مسلم لمعرفته، فهي مشكاة في طريق المتعبدين الذين يبتغون الوصول إلى درجات الكمال باتباع أقوم السبل التي وردت في الآثار، وفي معرفة السيرة فرصة للاتعاظ بخير خلق الله والاتئاس به في غمرة الحياة الطويلة الواعدة، وقد وقف لنقل هذه الأخبار خيرة من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، وقد قيض الله رجالاً من الصحابة ومن جاء بعدهم، حيث نقلوا سيرة النبي صلى الله عليه وسلم حتى صارت في متناول كل راغب ومحب لمعرفتها، وإنّ تتبع تلك السيرة العطرة والوقوف على أحداثها وتناولها بالدراسة والتحقيق له أهداف عديدة يرمي إليها الباحثون، أهداف يضعها المسلم نصب عينيه وهو يقلب السيرة بين يديه، أهداف تجعل السيرة النبوية مميزة عن غيرها، فلا تكون دراستها من أجل المتعة، وإنما لأجل غايات أسمى، ومن أسمى غايات دراسة السيرة النبوية: معرفة النبي الكريم من غايات الاطلاع على السيرة النبوية معرفة رسول الله صلى الله عليه وسلم معرفة شاملة، كمعرفة نسبه ومولده ونشأته وأسلوب دعوته، من بعثته إلى وفاته صلى الله عليه وسلم، تلك المعرفة التي تورث القرب منه، ومحبته التي ينبغي أن تُملأ بها القلوب بعد محبة الله عز وجل. الاقتداء بالنبي الكريم معرفة هديه صلى الله عليه وسلم في الأمور كلها إحدى ثمرات تعلم السيرة، حيث يكون تعلم هديه في المنام والطعام والشراب والنكاح، هديه في الحل والترحال، هديه في السلم والحرب، هديه في التعامل مع ربه ومع نفسه ومع المخلوقين، هديه في التعامل مع الموافقين والمخالفين، هديه في التربية والتعليم والدعوة والإرشاد، هديه في كل ما يحتاجه البشر، مما يترتب على ذلك محبته صلى الله عليه وسلم واتباعه والاقتداء به، وتلك عبادة واجبة لا بد منها، وهي سبيل إلى الهداية، قال تعالى "قل أطيعوا الله وأطيعوا الرسول فإن تولوا فإنما عليه ما حمل وعليكم ما حملتم وإن تطيعوه تهتدوا وما على الرسول إلا البلاغ المبين". فرصة لاكتشاف نبوة رسولنا من مقتضيات تعلّم السيرة النبوية أخذ الدروس والعبر التي تضيء للسالك الطريق وتوصله إلى بر الأمان، تلك الدروس التي تُؤخذ من سيرته صلى الله عليه وسلم في جميع الأحوال ولجميع الفئات، إضافة إلى فرصة الوقوف على التطبيق العملي لأحكام الإسلام التي تضمنتها الآيات الكريمة والأحاديث الشريفة والوقوف على دلائل معجزاته صلى الله عليه وسلم، مما يقوي الإيمان ويزيده. أسلوب لمعرفة غير مُحرّفة معرفة الصحيح الثابت عنه صلى الله عليه وسلم يتأتى من الاطلاع على سيرته، حتى يميّز عن غيره مما ليس له، وبالتالي تبقى السيرة صفحات بيضاء كما هي الحقيقة، بعيدة عن غلو الغالين وتزييف الحاقدين، وهذا الاطلاع هو أيضا بيان ما كان عليه هذا القائد العظيم من صفات وشمائل، فلم ولن تجد سيرة أحد ممن خلق الله تماثلها، فضلاً عن أن تنافسها وتزيد عليها، فهو قدوة في كل شيء يحتاجه الإنسان، قال تعالى "لقد كان لكم في رسول الله أسوةٌ حسنة". نموذج لحياة المسلم في كل زمان ومكان يوصلنا تعلم السيرة إلى معرفة الإسلام عقيدة وشريعة وأخلاقا، وهو ما يمكننا من الاستعانة بدراستها في تفسير القرآن الكريم وشرح السنة النبوية، إضافة إلى معرفة موقف الإسلام وتعامله مع جميع الناس من صديق وعدو، مسلم وكافر، معاهد وخائن وغير ذلك، تلك هي بعض الأهداف التي يُسعى لها وتُستفاد من دراسة سيرة رسول الله صلى الله عليه وسلم، تلك السيرة التي لا بد من بيانها والوقوف معها ومعرفة عوامل تميزها عن غيرها، حيث إنها سيرة باقية بقاء هذا الدين وشاملة بشموله ومحفوظة بحفظه وصاحبها مُتبعٌ يقتدى به إلى آخر الزمان، فلا نبيٌّ بعده صلى الله عليه وسلم.