بقلم: خليل العناني لا تنفصل الأزمات الاجتماعية والسياسية في العالم العربي عن أزمة أكثر عمقاً وأهمية وهي أزمة إنتاج المعرفة. ونعني بها القدرة على إنتاج بحوث علمية رصينة يمكنها أن تساهم في البناء المعرفيّ المتراكم. ولا يتعلق الأمر فحسب بوجود منصّات أكاديمية وبحثية تلتزم بقواعد واضحة وصارمة في مسألة الكتابة والنشر فهذه موجودة وإنْ كانت قليلة نسبياً مقارنة بدول ومناطق أخرى وإنما بقدرة الباحثين والمفكرين والكتاب العرب على تقديم رؤى معرفية أصيلة نابعة من واقع مجتمعاتهم لكنها تتجاوزهم للإسهام في البناء المعرفي العالمي. قطعاً لا يمكن فصل أزمة الإنتاج المعرفي في العالم العربي عن مسائل كثيرة وشائكة مثل غياب الحريات البحثية والأكاديمية وعن ضعف المؤسسات التعليمية خصوصاً في مستويات التعليم الأساسي وحتى الجامعي وعن ضعف الإنفاق الرسمي وغير الرسمي على التعليم والبحوث. وهو ما يجعل الأزمة مركبةً تتداخل فيها كل هذه العوامل. ولا يتعلق الأمر بنقص في الكوادر والعقول المبدعة والمجتهدة فباحثون عرب كثيرون يسافرون للدراسة في الغرب يبرعون ويتميزون في مجالاتهم البحثية والأكاديمية وهناك أسماء كثيرة لمعت وتفوقت في الغرب ليس لشيء سوى لتوفر العوامل السابقة. كذلك يعاني التكوين المعرفي والأكاديمي للباحثين العرب خصوصاً الشباب من ضعف الالتزام بمعايير الإنتاج العلمي الرصين فكثير من الكتب المدرسية والبحوث الأكاديمية لا تقدم إسهاماً ولا إبداعاً وإنما مجرّد تدوير لما هو مكتوب ومعروف خصوصاً في حقل العلوم الاجتماعية والإنسانية. وتظل مشكلة الالتزام الأخلاقي للباحثين من أكثر المشكلات التي تواجهها المؤسسات الأكاديمية العربية. ونقصد بذلك الالتزام بمعايير الأمانة العلمية والأكاديمية فيما يتعلق بنشر الأوراق والبحوث. فهناك حالات كثيرة لباحثين وكتاب عرب لا يتورّعون عن سرقة الإنتاج العلمي والبحثي لآخرين سواء من أقرانهم العرب أو من الباحثين الغربيين. وهم يفعلون ذلك من دون أن يهتز لهم جفن. وقد صادفت كثيرين من هؤلاء طوال العقدين الماضيين. فقبل عدة أعوام سطت أستاذة للعلوم السياسية في الجامعة الأميركية في القاهرة وتوصف بأنها رمز ليبرالي كبير على دراسة لي كنت قد نشرتها في مجلة عربية ونقلت أجزاء منها حرفياً ونشرتها في صحيفة عربية شهيرة. وعندما واجهتها بالأمر كان ردها أسوأ من فعلها. حيث دافعت سيادتها بأنه لم تقتبس ولم تسرق لكن مساعدها الذي يكتب لها المقالات هو من فعل ذلك وهو الذي يجب أن يُحاسب. وهو عذر أقبح من ذنب كما يقولون كون الأستاذة (؟) الشهيرة لا تكتب مقالاتها بنفسها وإنما تسرق عمل باحث شاب ومجهوده. أما الأغرب في الأمر فهو حصول الباحث الشاب على درجة الدكتوراه في العلوم السياسية وعدم اكتراثه بمعايير الأمانة والنزاهة الأكاديمية والبحثية. وهو لا يختلف كثيراً عن زميل آخر له يعمل في المؤسسة البحثية نفسها معروف بانتحاله وسرقته الأبحاث العلمية وذلك من دون أن يوقفه أو يحاسبه أحد. الأمثلة على هذا السلوك المشين كثيرة ولا يخلو منها بلد عربي.