تطمح كل مؤسسة من مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي إلى التميز والظهور فيما تقدمه من معارف وإنتاج فكري والسبق والريادة فيما تحققه من نتائج، ولكن يبقى تحقيق هذه الريادة في هذه المجالات المتخصصة أمراً صعبا في أغلب الأحيان، وذلك لأسباب كثيرة قد يكون في مقدمتها عدم وجود صيغة واضحة للأهداف التي ينبغي للأستاذ الجامعي تحقيقها بصورة متواصلة مقارنة مع بعض مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي المتميزة في العالم، فإن غالبية هذه المؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي في العالم العربي ومنذ بدء النهضة التعليمية لم تحقق النتائج المرضية من التميز والظهور أو السبق والريادة البحثية في أي مجال من مجالات العلوم والمعارف الإنسانية. وأصبح دورها مقصوراً على تحقيق الحد الأدنى من أهداف التعليم العالي والبحث العلمي من خلال تزويد طلابها بأساسيات المعرفة فقط دون إيجاد الآليات التي يمكن من خلالها تطوير تلك الأساسيات المعرفية لارتياد مجالات بحثية جديدة. ومهما كانت الجهود المبذولة واستمرارية أهميتها في عملية تزويد طلاب مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي بأساسيات المعرفة المتخصصة، إلا أن عدم تحديد الأهداف القصيرة والمتوسطة، وبعيدة المدى لهذا التعليم قد تكون سبباً رئيسيا في انعدام الفائدة المتبادلة بين التعليم الجامعي ونتائج البحوث المقدمة. يعتبر البحث العلمي في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي من جامعات ومعاهد عليا متخصصة مطلباً أساسياً للتميز في أي حقل من حقول الدراسة المتخصصة في مجالات العلوم المختلفة، ولكن في إطار تطوير التعليم الجامعي وفي ظل معايير الجودة، ولن يتم هذا التطوير إلا إذا تم الاهتمام الكامل بعضو هيئة التدريس(الأستاذ الجامعي) وفق معايير الجودة والكفاءة في التدريس، تتوفر فيه كفاءة التخصص العلمي والأكاديمي والتربوي. وليس التخصص بالمفهوم الضيق للكلمة، إمضاء شهادات من معاهد معينة والتباهي بها، وإنما قدرة عضو هيئة التدريس على الإنتاج العلمي والمساهمة في التراكمية المعرفية في هذا المجال أو ذاك، من خلال بحوث علمية متخصصة ومقالات في دوريات ومجلات محكمة، ولنا أمثلة كثيرة في الغرب، معظم الذين نبغوا وكانت لهم الريادة في تخصصات مختلفة لهم ملامح فكرية غير تلك التي نبغوا فيها، أمثال (مارشال ماكلوهان) أب الاتصال وصاحب مفهوم (القرية العالمية)، فنان وأستاذ للموسيقى... ويكون لعضو هيئة التدريس من الخبرة أيضا في التدريس ما قبل الجامعي ما يمكنه من مواجهة تحديات تدريس طلبة الجامعة في عصر العولمة، ولا بد أن يكون قد تدرج في التدريس حتى يصل إلى هذه المرتبة، حتى يتمكن من امتلاك خبرة تراكمية في عملية التدريس، أما القفز على المراحل والجلوس على كرسي التدريس الجامعي دفعة واحدة ليصبح عضو هيئة التدريس، وبدون خبرة مسبقة، قد تعطي نتائج عكسية لا تساهم في ترقية جودة البحث العلمي، لأن أداء من لا يمتلك الخبرة لا يمكن أن يحقق مفهوم التدريس الجامعي في زمن سباق الجودة.. ولقد تمكنت كثير من جامعات العالم من تحقيق درجات عالية من التميز والسبق والريادة في مجالات مختلفة من مجالات البحث العلمي، بل وتحرص على استمرار هذا التميز والريادة في تلك المجالات من خلال باحثين متميزين يكون معظمهم من أعضاء هيئة التدريس الباحثين حتى تتحقق الفائدة التبادلية بين التعليم الجامعي والبحث العلمي. وخلق المناخ الذي يحث على الإبداع ومكافأة المبدعين. ولذا ينبغي تفعيل آلية محددة لتنشيط البحث العلمي المتواصل والمتميز الذي يحقق أهدافاً بحثية يرجى منها تحقيق الريادة المتعارف عليها في مؤسسات التعليم العالي والبحث العلمي. ونظراً لأن المحرك الأساس لعملية البحث العلمي هو الأستاذ الجامعي الباحث، فلابد علينا أن نحفزه لارتياد مجالات بحثية جديدة. أستاذ بقسم علوم الإعلام والاتصال جامعة وهران