** ما الذي ينبغي عليَّ فعلُه لأجعل والديَّ أكثر تديُّناً وأقرب إلى الله؟ * أولاً: نحمد الله تعالى على ما هداكَ به في طلبِ تديُّن والديكَ؛ فإنَّ هذا من البر الذي وصَّى به ربنا في كتابه الكريم، ومن أعظمَ البرِّ أن يكون الولد سبباً في إسلام والديه أو في هدايتهما أو تدينهما، قال تعالى (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَاناً) الإسراء/ 23، والإحسانُ إليهما شاملٌ لكلِّ معروفٍ قولي وفعلي. قال الشيخ عبد الرحمن السعدي: "أي: أحسنوا إليهما بجميع وجوه الإحسان القولي والفعلي؛ لأنهما سبب وجود العبد، ولهما من المحبة للولد والإحسان إليه والقرب ما يقتضي تأكد الحق ووجوب البر". ثانياً: الطريق المثلى في تحصيل التزام الوالدين أو في طلب قربهما إلى الله تعالى يكونُ بأمورٍ عديدة، تجعلُ المدعو يسمعُ وينصت ويذعن بإذن الله، ومن أبرز معالم ذلك: 1. الدعاء لهما بالهدايةِ والصلاحِ، فإنَّ الدعاء مفتاح الفرج، وهو باب لقضاء الحاجات، قال سبحانه وتعالى (وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) غافر/ 60، وقال تعالى (وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذَا دَعَانِ) البقرة/ 186. 2. أن يقدِّم بين يدي نصحه نوعاً من البر والإحسان؛ فإن هذا أجلب للاستجابة والقبول، وهو أوقعُ في القلب وأقرب، فقد جبلت القلوب على محبة من أحسن إليها. كما قال القائل: أحسن إلى الناس تستعطف قلوبهم * فطالما استعطف الإحسان إنساناً 3. اللين في النصح وتحمل الأذى في حال حصوله، فعلى الابنِ أن يكثر من النصحِ والإرشاد لهما بالرفقِ واللينِ والحكمة، ومراعاةِ مدى استدراكهما للأمور، فليسَ الأبُ الشاب كالأبِ المسنِّ، فللدعوةِ أساليبُ متعددة تقتضيها حال المدعو، ومن أهم تلك الأساليب حسن المدخل في بداية الخطاب، مع اللين في العبارات، وقد قصَّ الله علينا في سورةِ مريم دعوةَ إبراهيمَ الخليل لأبيهِ، أسلوبَ الحاني الشفيق، فكان يبدأ خطابه مع أبيه بقوله "يا أبتِ" وهو أسلوب لطيف رقيق، وكان يرفع من شأنه في خطابه معه لا يحط منه. قال الشيخ السعدي: "وفي هذا من لطف الخطاب ولينه ما لا يخفى، فإنه لم يقل: "يا أبت أنا عالم، وأنت جاهل" أو "ليس عندك من العلم شيء" وإنما أتى بصيغة تقتضي أن عندي وعندك علماً، وأن الذي وصل إليَّ لم يصل إليك ولم يأتك، فينبغي لك أن تتبع الحجة وتنقاد لها". ثم تحمَّله إبراهيم عليهِ السلام عندما قسا عليه وقال (وَاهْجُرنِي مَليَّا) أي: أبداً، فكان رد إبراهيم عليه السلام (سلامٌ عليكَ) فصبرَ واحتسبْ. فيبتدأ الولد الداعية في مخاطبة والديه بالثناءِ الجميل عليهما والاعتراف بفضلهما فيقول: يا من عانيتما في تربيتي، يا أحب الناس إلى قلبي، وهكذا من العباراتِ اللطيفةِ الجذابةِ؛ فإن هذا يُعتبر مدخلاً حسناً وطريقاً سالكاً إلى قلبيهما. ولمَّا أمر الله نبيه موسى عليه السلام أن يذكِّر فرعون قال سبحانه (فَقُولَا لَهُ قَوْلًا لَيِّنًا لَعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَى) طه/ 44؛ فإن القول اللين داع لذلك، وهو أسلوب الداعيةِ الناجح. قال ابن كثير: "والحاصل من أقوالهم: أن دعوتهما له تكون بكلام رقيق لين قريب سهل، ليكون أوقع في النفوس وأبلغ وأنجع، كما قال تعالى (ادْعُ إِلَى سَبِيلِ رَبِّكَ بِالْحِكْمَةِ وَالْمَوْعِظَةِ الْحَسَنَةِ وَجَادِلْهُمْ بِالَّتِي هِيَ أَحْسَنُ) الآية النحل/ 125". والقول الغليظ منفر عن صاحبه، وهو أسلوب الدعوة الفاسد، قال تعالى في حق نبيه محمد عليه الصلاة والسلام (فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ وَلَوْ كُنْتَ فَظًّا غَلِيظَ الْقَلْبِ لانْفَضُّوا مِنْ حَوْلِكَ) آل عمران/ 159. 4. الاستعانة عليهما بمن يكون نصحه مؤثراً عليهما، كالاستعانة ببعضِ الشخصيات التي لها ثقل لديهما ممن هم في مثل سنِّهما من هل التدين والحكمة، كأصدقاء لهما، أو إمام المسجد، أو داعية حسن الأسلوب والمنطق، وغيرهم من الأخيارِ. 5. استغلال المواقف والأحداث في الدعوةِ، كموت قريب، أو حصول حادث، ونحو ذلك، فبمثل هذه الحوادث تكون النفوس مهيأة للاستجابة للنصح، وعلى الابن أن يختار الأوقاتَ والأماكنَ المناسبة لنصحهما. 6. أن يضع كتيبات ومطويات وأشرطة في متناول يدهما، دونَ أن يطلب منهما الاستماع أو القراءة، والحرص على أن تكون الموضوعات متنوعة مع التركيز على الأشرطةِ والمطوياتِ التي ترغب بالطاعةِ والإذعانِ، والتي ترهب من الفسوق والعصيانِ. 7. السفرُ بهما، أو دعوتهما لأداءِ فريضةِ الحجِّ والعمرةِ، متى كان ذلك ممكنا مقدورا، فإنَّ سفر الوالدينِ لأداءِ فريضةِ الله، الحجِّ أو العمرة، ومشاهدتهما بيت الله "الكعبة المشرفة"، ومشاهدتهما الجمع الغفير يذكرون الله ويسبحونه ويهللونه من أسباب لين القلوب، وجلب الخيرات، واستقامة النفوس. ثالثاً: ليعلم الولد أن الهدايةَ دائماً وأبداً من الله تعالى، ونحن لسنا مطالبين حقيقة بهداية قلوب آبائنا وأمهاتنا، وإنما نحن مطالبون بدعوة الخلق إلى الله تعالى، والدلالة على طريق الخير، وهادي القلوب هو الله وحده، وقد حرص النبي صلى الله عليه وسلم أشد الحرص على هداية عمِّه أبي طالب، لكنه لم يستجب له ومات على الكفر، فأنزل الله تبارك وتعالى (إِنَّكَ لا تَهْدِي مَنْ أَحْبَبْتَ وَلَكِنَّ اللَّهَ يَهْدِي مَنْ يَشَاءُ وَهُوَ أَعْلَمُ بِالْمُهْتَدِينَ) القصص/ 56، والحمد الله تعالى أن والديك مسلمان أصلاً وإنما تريد لهما زيادة الخير والقرب من الله تعالى أكثر. والله الموفق المصدر: موقع الإسلام سؤال وجواب