بقلم: خالد وليد محمود رغم أن الوطن العربي يعاني عموماً من أزمات غذائية واقتصادية مثقلة تتشابك فيها نسب الفقر مع الجوع في دائرة جهنمية تبدو عصية على الحل فإن الإحصائيات تصرّ على أن تخبرنا بأن هذا الوطن المجروح هو نفسه من يسجل الأرقام الأولى على مستوى المعمورة في قوائم الاستهلاك الترفي وعلى رأس ذلك عمليات التجميل وجراحاته ومبيعات مستحضراته وأدواته خذوا نفساً عميقاً -يا رعاكم الله- وتمعنوا بالأرقام التالية: يُنفق العرب على عمليات التجميل ومستحضراته حوالى 25 مليار دولار سنوياً أغلبها في دول الخليج وحسب التقارير يتوقع أن يتجاوز الإنفاق السنوي على هذا الأمر 34 مليار دولار بحلول سنة 2020 بينما كلفة عمليات التجميل الجراحية في دول الخليج تقترب من 4 مليارات درهم سنوياً ما يساوي مليار و69 مليون دولار . شخصياً تثير عندي هذه الأرقام شيئاً من الدهشة والتعجب لحالة الهوس التي وصلت إليها المجتمعات العربية لماذا أصبح العرب كلما اخترع العلماء والأطباء مجالاً لتحسين الصورة وفرعاً جديداً للتجميل كانوا في صدارة المشهد وأول مستخدميه محاولين تحسين صورهم الخارجية لتبدو بدون تعابير منفردة وبلا ملامح مستقلة؟! قدرنا أننا شاهدون على فترة عايشنا فيها كثيراً من المعارف سلموا أنفسهم لغرف العمليات ومشارط الجراحين في المستشفيات والعيادات لحقن الشفاه وشدّ الوجه وتكبير وتصغير وشفط أجزاء من الجسد لكأن مجتمعاتنا تعيش حالة فصام حقيقية فحين يكون هذا الإنفاق الضخم من المليارات على التجميل ومستحضراته في ظل ما تواجهه دول المنطقة بلا استثناء من أزمات اقتصادية واجتماعية طاحنة تأكل الأخضر واليابس تهدد مستقبلها ومستقبل أجيالها فلا بدّ من وقفة وقبل تلك الوقفة لا بدّ من إلقاء نظرة عميقة على مؤشر الجوع العالمي لعام 2018 لنرى حجم المأساة التي نعيشها! فاصلة من يحتاج جراحة تجميلية هو واقعنا المتردي الذي يزداد تشوهاً على تشوه إن تربة كهذه تحتاج إلى مشرط جراح يقوم بعملية نزع التخلف والتبعية والخضوع وزراعة الشجاعة وشفط الجبن ونفخ الكرامة وتغليظ المواقف وشدّ الصفوف وتصغير الأحقاد والضغينة يا الله! كم يحتاج وطننا العربي لعمليات تُجمّل الضمائر المتيبسة وتستأصل الكره وتوسّع الصدر وتشدّ الأخلاق الحميدة المترهلة!;