قوله تعالى {يَوْمَ لَا يَنْفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ (*) إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْب سَلِيم } [الشعراء: 88 89] والسليم هو السالم .. وجاء على هذا المثال لأنه للصفات كالطويل والقصير والظريف. فالسليم: القلب الذي قد صارت السلامة صفة ثابتة له .. كالعليم والقدير وأيضًا فإنه ضد المريض والسقيم والعليل. وقد اختلفت عبارات الناس في معنى القلب السليم والأمر الجامع لذلك: أنه الذي قد سَلِمَ من كل شهوة تخالف أمر الله ونهيه ومن كل شبهة تعارض خبره .. فسَلِم من عبودية ما سواه وسَلِمَ من تحكيم غير رسوله فسَلِم في محبة الله مع تحكيمه لرسوله في خوفه ورجائه والتوكل عليه والإنابة إليه والذل له وإيثار مرضاته في كل حال والتباعد من سخطه بكل طريق وهذا هو حقيقة العبودية التي لا تصلح إلا لله وحده. فالقلب السليم: هو الذي سَلِم من أن يكون لغير الله فيه شرك بوجه ما .. بل قد خلصت عبوديته لله تعالى: إرادة ومحبة وتوكلاً وإنابة وإخباتًا وخشية ورجاءً وخلص عمله لله .. فإن أحب أحب في الله وإن أبغض أبغض في الله وإن أعطى أعطى لله وإن منع منع لله .. ولا يكفيه هذا حتى يسلم من الانقياد والتحكيم لكل من عدا رسوله .. فيعقد قلبه معه عقدًا محكمًا على الائتمام والاقتداء به وحده دون كل أحد في الأقوال والأعمال من أقوال القلب وهي العقائد وأقوال اللسان وهي الخبر عما في القلب وأعمال القلب وهي الإرادة والمحبة والكراهة وتوابعها وأعمال الجوارح .. فيكون الحاكم عليه في ذلك كله دقه وجله هو ما جاء به الرسول فلا يتقدَّم بين يديه بعقيدة ولا قول ولا عمل ..